أعاد مؤتمر الأممالمتحدة حول التغيرات المناخية ) كوب 21( المنعقد بباريس التنبيه إلى حجم المخاطر التي تهدد كوكب الأرض، ودق نواقيس التحذير لحث بلدان العالم على ضرورة الوصول إلى آلية قانونية شاملة وعملية وكونية لصيانة حرارة الأرض ولتطوير اقتصاد خال من الكاربون، وعرت مناقشات قمة باريس على أن العالم لا يواجه اليوم فقط خطر الإرهاب الدموي والتطرف أو تبعات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وإنما أيضا خطرا مهولا لا يقل عن سابقيه من حيث أضراره وانعكاساته السلبية، إن لم يكن يتجاوزها بكثير، ويتعلق بخطر قابلية العيش السليم على هذه الأرض التي تلف بها كثير ممارسات مضرة بالبيئة والإنسان. في مؤتمر باريس الواحد والعشرين لفت المغرب إليه كل الأنظار، ليس فقط من خلال اختياره لاحتضان القمة المقبلة )كوب 22( بمدينة مراكش، ولكن أساسا من خلال المرافعة القوية التي جسدها خطاب جلالة الملك الذي ألقاه الأمير مولاي رشيد أمام المشاركين، ذلك أن العاهل المغربي نقل إلى العالم أجمع انشغالات وتطلعات إفريقيا وكل البلدان الصاعدة، وحث على أهمية التوصل إلى إجماع دولي حقيقي وشامل، وهو ما لن يتحقق بدون دعم الانخراط الفعلي للدول النامية في كل التحركات لفائدة المناخ. من المعلوم أن الانشغالات ذات الصلة بالمناخ، سواء ما يرتبط بالانحباس الحراري أو انبعاث الغازات والمواد السامة وغيرها، كانت في السابق محصورة في اهتمام البلدان الصناعية الكبرى وفي جداول أعمال مؤتمراتها واجتماعاتها، ولكنها في السنوات الأخيرة باتت مخاطرها جلية ومتربصة بكامل الكرة الأرضية، وتحولت إلى مشكلات معقدة ومهددة لمستقبل البلدان الفقيرة كذلك، وهذا ما يرفعها اليوم إلى مستوى المعضلات الكبرى والخطيرة التي تعني الإنسانية برمتها. لكن، ومع استحضار ما سبق، فإن الدول الصناعية المتقدمة تبقى صاحبة المسؤولية الأكبر في هذا الواقع، وهي المدعوة اليوم لتقديم الإسهام الحقيقي لتفعيل الحلول، بما في ذلك تجاه بلدان الجنوب التي عانت لسنوات وعقود من ممارسات دول الشمال وشركاتها الصناعية الكبرى، وهذا طبعا لا يعفي الدول النامية نفسها من دورها في الالتزام بالبعد البيئي، سواء ضمن سياساتها ومشاريعها الداخلية أو من خلال برامج التعاون والشراكة التي تربطها بدول ومؤسسات وشركات أجنبية، ومن ثم الالتزام باحترام الحقوق البيئية الإنسانية لشعوبها ولكل البشرية. من المعروف أن مفاوضات قمة باريس تجري اليوم ضمن سياق الأزمات الاقتصادية والمالية الدولية، ما يجعل صعبا الوصول إلى حلول واتفاقات، أي أن السياقات الاقتصادية والسياسية والأمنية والإستراتيجية ليست اليوم بلا تأثير في مجريات المباحثات المتعلقة بالتغيرات المناخية، بالإضافة إلى أن التحدي الكبير الآخر يوجد اليوم في ضرورة صياغة نماذج تنموية جديدة، وإيجاد طاقات متجددة، بالإضافة إلى تطوير علاقات اقتصادية دولية وإقليمية مختلفة، وكل ذلك بما يضمن احترام الإنسان والطبيعة، ويؤمن الحاجيات الأساسية للشعوب. وتبقى بلادنا، استحضارا لما تضمنه خطاب جلالة الملك، معنية كذلك بكامل هذه الانشغالات التي تهم مجموع دول الكون، وإن بدرجات مختلفة، ولهذا فالقمة المرتقبة العام المقبل في مراكش، بالإضافة إلى قمة باريس نفسها، هما مؤتمران يتوجهان إلى المستقبل، ولا بد أن يكونا حاسمين في صياغة اتفاق دولي لمواجهة تحديات المناخ، ولذلك يجب أن يكون مؤتمر مراكش فضاء كونيا للحوار حول هذه القضايا الأساسية والخطيرة، ومناسبة أيضا لصنع القرارات العملية والناجعة، ولطمأنة الشعوب بأن عالما آخر... ممكن. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته