شعب «القبايل» محاصر ويخضع لعقاب جماعي لأنه طالب بممارسة حقه الشرعي في تقرير المصير والحكم الذاتي منذ سنوات تدعم الجزائر انفصاليين احتضنتهم وسلحتهم ورافقتهم في المحافل الدولية، وجعلت دبلوماسيتها رهن إشارتهم إن لم نقل هناك دبلوماسية واحدة تشتغل على هدف واحد، دفع مغاربة إلى الانفصال عن المغرب. لكن السحر ينقلب دائما على الساحر، وهاهي الجزائر تشرب من نفس الكأس الذي حضرته للمغرب. فمنظمة الأممالمتحدة ومختلف هيئاتها مطالبة اليوم بإدراج حماية والنهوض بحقوق شعب القبايل ضمن جدول أعمالها، وفقا لميثاق الأممالمتحدة والآليات والإعلانات الأممية ذات الصلة. لم تكن هذه النقطة مدرجة في جدول أعمال جلسة أول أمس، لكن إمعان الوفد الجزائري في الاستفزاز حول قضية الصحراء المغربية، دفع عمر ربيع، مستشار البعثة المغربية في نيويورك، إلى مطالبة الأممالمتحدة بكسر الصمت المفروض على شعب القبايل الشهيد. حصر عمر ربيع، في تصريحه أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة، عدد هذا الشعب في ثمانية ملايين قبايلي ظلوا لمدة طويلة تحت وطأة الصمت والخفاء، والتعصب ضدهم وإنكار تطلعاتهم المشروعة، قبل أن يسائل المجتمع الدولي عن سر الصمت المطبق أمام قمع جزائري وحشي لحق الشعب القبائلي الأمازيغي الذي أقام الدنيا ولم يقعدها في مظاهرات علنية يطالب فيها بالاستقلال عن الجزائر إداريا، ليقيم الحكم الديمقراطي الذي ينشده. أعرب عمر ربيع الدبلوماسي المغربي عن الأسف العميق لكون الشعب القبايلي يعتبر الشعب الأصيل الوحيد بإفريقيا الذي ما زال يعاني من التمييز الممنهج والعنف الشامل والحرمان من أبسط حقوقه الأساسية. ولاحظ ربيع، بكل أسف، بأن الشعب القبايلي ما زال محروما من ممارسة حقوقه الأساسية، خاصة المتعلقة بتقرير المصير. واعتبر أنه من غير المقبول إلى يومنا هذا أن يظل هذا الشعب تحت حصار عام وخاضعا لعقاب جماعي، فقط لأنه طالب بممارسة حقه الشرعي في تقرير المصير والحكم الذاتي. والواقع أن تصريح الديبلوماسي المغربي لم يقدم جديدا. فالعالم أجمع يتابع كيف يتم اعتقال ومتابعة قادة هذا الشعب الذين يعانون أصلا من ويلات النفي القسري، ويتم تعريض أفراد أسرهم للاضطهاد. ولعل سنة 2012 ستظل موشومة في ذاكرة الشعب الجزائري الذي تابع تطورات القمع العنيف لحقوق الشعب القبايلي في حرية التعبير والتظاهر، من أجل المطالبة بطموحه في تقرير المصير والتمتع بالحكم الذاتي. أحداث عام 2012 الأسود تحفظها مختلف البيانات الصادرة عن المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، ومن بينها "هيومن رايتس ووتش"، التي سبق لها أن نبهت إلى تزامن عمليات القمع التي يعتمدها النظام الجزائري مع لجوئه إلى خطط استباقية جهنمية تخنق كل تطلع للحرية في المهد. فوجود ما يسمى "القاعدة" بالقبائل لم يكن صدفة، وإنما تخطيط من حكام الجزائر هدفه تحقيق ضربة استباقية لأي محاولة انفصال تدعو إليها القبائل، وتحت ذريعة وجود أو تنامي "القاعدة" هناك. وبهذا التوجه تصبح فزاعة "القاعدة" وسيلة للتخلص من كل الثوار والمناضلين القبائليين. نفس التكتيك تقوم به الجزائر في الجنوب، فتوسطها بين الطوارق والحكومة المالية، هو تكتيك لضرب طوارق الجزائر، وجهلهم خارج اللعبة والمعادلة، وأسلوب متقدم للوقوف أمام أي فكرة لخلق دويلة صحراوية شمال مالي. الجزائر تعي هذا الأمر جيدا، وتعرف أن الخطر يمكن أن يأتي من الشمال أو الجنوب الغني بالغاز والنفط، ولذلك فهي تقاوم أي محاولة تمرد، وتقمع أي فكرة انفصال في المهد. وهي مناورات يعلمها المغرب الذي ظل على الدوام يراعي علاقات الجوار ويمني النفس بعودة الجزائر إلى جادة الصواب، وينبهها، بخصوص تعنتها في ملف الصحراء المغربية، أن من كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة. فهل تستخلص جزائر بوتفليقة درس الصفعة المغربية أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة؟