توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    نتائج الجولة الثالثة من دوري التميز    جهة مراكش تحقق أداء سياحيا قياسيا    الدعوة بطنجة لإحداث منصة إقليمية لتطوير الاقتصاد الأزرق بإفريقيا    فتح 241 مكرية على مساحة تتجاوز 564 ألف هكتار في وجه القنص بجهة الشمال    منحة مغربية لتحرير شهادات 40 خريجا من كلية الملك الحسن الثاني في غزة    السعودية تفشل في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة    درك الحسيمة يُحبط محاولة للهجرة السرية نحو إسبانيا    اقتراب منخفض جوي من المغرب مع توقعات بهطول أمطار غزيرة    العدوي تدعو أجهزة الرقابة إلى تخفيف عقوبات الانتهاكات المالية سعيا إلى الحفاظ على "قدرات المسيرين على الابتكار"    عقوبة الكاف ضد اتحاد العاصمة الجزائري.. هل تشجع نظام الكابرانات على مقاطعة المزيد من المباريات؟    المغرب يٌسجل رقما قياسيا باستقبال 13.1 مليون سائح خلال 9 أشهر    الحكم بسجن شقيقين هددا القايدة حورية بالذبح ستة أشهر نافذة    آلاف الطلاب المغاربة يتظاهرون دعما لغزة ولبنان وإضراب بالجامعات    أديس أبابا.. الإشادة عاليا بالإجراءات التي اتخذها جلالة الملك بصفته رائدا للاتحاد الإفريقي في قضايا الهجرة    مهرجان الأيام السينمائية لدكالة بالجديدة يحتفي بالعرندس العربي    لقاء يناقش تدبير الصفقات ومكافحة الفساد        في أفق افتتاح الدورة البرلمانية!        أسود الأطلس يواصلون التحضير لمواجهة إفريقيا الوسطى    التأكيد على أسس موقف المغرب وبأن أن التهجم على الأمين العام للأمم المتحدة ورؤساء الدول الأجنبية أمر مدان    أمريكيان وبريطاني يحصدون جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024    نعيمة المشرقي إشراقة لكل الأجيال    أول دولة إفريقية.. المغرب يتسلح بعلاج "Tpoxx" لمواجهة جدري القردة    تسليط الضوء على تجربة المغرب في مجال تحلية المياه بالقمة العالمية للهيدروجين الأخضر    وهبي يعتذر بعد عامين عن واقعة "التقاشر" ويقرّ بأخطائه: "أنا لست روبوتاً"    اللغة العالية والثقافة الأدبيّة: سلاحُ الكاتب وعنوانُ التّحف الأدبيّة    شان 2024: تأهل المنتخب المغربي مباشرة إلى المنافسات النهائية    العدوي تبرز أهمية الاختصاص القضائي    فيضانات نادرة ورياح مدمرة .. فلوريدا تتأهب لإعصار ميلتون "الكارثي"    تحقيق للفرقة الوطنية حول شبهات اختلاس بالقناة الثانية    المغرب على موعد مع "موازين إيقاعت العالم 2025" في شهر يونيو    3 أمريكيين يفوزون بجائزة نوبل للكيمياء    إلى جانب القضايا الشائكة.. صفقة طائرات "إيرباص" على رأس جدول أعمال زيارة ماكرون إلى المغرب    تقرير: 79 في المائة من المغاربة يعتبرون الطريقة التي تواجه بها الحكومة الفساد داخل الإدارة العمومية سيئة أو سيئة جدا    جندي احتياط.. إصابة مستشار لوزير المالية الإسرائيلي في اشتباك بجنوب لبنان    إسبانيا تجدد التأكيد على تشبثها "بعلاقات مستقرة" مع المغرب    عزيز حطاب ل"رسالة24″: السينما المغربية تفرض وجودها بقوة على الساحة الدولية    بحضور جميع اللاعبين.. المنتخب الوطني يكثف استعداداته لمباراتي افريقيا الوسطى    ماذا يحدث للجسم البشري أثناء التعرض إلى "نوبة الهلع"؟    المضيق: مجلس جماعة المضيق يصادق على منح الجمعيات وبرنامج انفتاح 2025/2026    وهبي: النقاش حول القانون الجنائي يقترب من نهايته.. ومرسوم سيفرض تسجيل الوصايا قبل الوفاة لدى أقرب محكمة        قرعة غير رحيمة بممثلي المغرب في دروي الأبطال والكونفدرالية الإفريقيتين..    الجمهور الإنجليزي يُفضل هذا اللاعب على بلينغهام    تأهبا لتفشي جدري القردة.. المغرب يتزود بدواء "تيبوكس"    حمضي: داء السل يتسبب في تسع وفيات يوميا بالمغرب    القضاء البرازيلي يقرر رفع الحظر عن منصة "إكس"    كوريا الشمالية تعيد وزير دفاع سابق    برنامج "مدارات": حلقة جديدة.. صفحات من سيرة المؤرخ والعالم محمد الصغير الإفراني    وزارة الثقافة: اختيار اليونسكو للرباط كعاصمة عالمية للكتاب لسنة 2026 ثمرة لالتزام بلادنا بالنهوض بالثقافة وبدمقرطة المعرفة    المغرب أول دولة إفريقية تحصل على علاج "Tpoxx" لمواجهة مرض جدري القردة    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة سريعة جداً في أروقة كتاب «الفضاء الخالي» لبيتر بروك
نشر في بيان اليوم يوم 11 - 10 - 2015

كتاب "الفضاء الخالي" لبيتر بروك ضروري جدا ليس فقط لأولئك الذين يعبدون المسرح ويعشقونه وإنما أيضا لأولئك الذين لا يحبونه. ضروري ومهم أيضا للذين يعملون في حقل المسرح، كما لأولئك الذين يتفرجون عليه ويتتبعونه. يحوي الكتاب الكثير من الأسئلة والأجوبة المفتوحة والمغلقة، تتعلق بالمتفرج، بالممثل، وبالمخرج، بفضلها يستطيع المسرح، المكتوب وغير المكتوب، أن يعيش. يتحدث بيتر بروك عن أربعة اتجاهات في المسرح: المسرح المميت، المسرح المقدس، المسرح الخشن، والمسرح المباشر. يقول في هذا الصدد: "قد تقف هذه الأنواع الأربعة جنبا إلى جنب في بعض الأحيان سواء في "ويست اند"، في لندن، أو ساحة التايمس، في نيويورك. وقد يبتعد الواحد عن الآخر مئات الأميال. فنجد المسرح المقدس في فرصوفيا والمسرح الخشن في براغ. وقد يحدث أحيانا أن نستعمل هذه الأنواع الأربعة استعمالات مستعارة وقد يظهر نوعان منها في أمسية واحدة وفي مشهد واحد، وقد تتزاوج الأنواع الأربعة في لحظة من اللحظات وفي كثير من الأحيان".
المسرح المميت
وحده اسم هذا النوع من المسرح كاف لان يدل على اللاحياة، وتفوح منه رائحة الموت، فهو مسرح بلا غد، لا يلامس إلا جزءاً صغيراً من المجتمع، نعرف انه دائما يخطئ في تقويمه للأشياء التي، بموجبه، يجب أن تحترم. لكن المسرح المميت، يحيط الأعمال الكلاسيكية بهالة من الاحترام الزائف باسم الأشياء المكتوبة. لا ينفك بيتر بروك يردد هذا المنطق الذي صار يصطدم في وقتنا الحاضر مع الكثير من الناس الذين يعتبرون المسرح الكلاسيكي أدبا وثقافة وليس عرضاً مسرحياً حياً.
صار في إمكاننا أن نجد المسرح المميت اليوم، في الأوبرا الفخمة وفي الأعمال الكلاسيكية، مثلما يمكن العثور عليه أيضا في مسرحيات كل من موليير وبريشت وشكسبير، وليس هناك مرتع له أخصب من مسرحيات شكسبير تلك التي يؤديها ممثلون محترفون، داخل ديكورات مدروسة، وأزياء فاخرة وموضوعات محللة، تصاحبها الموسيقى، ويبدو داخلها الممثلون، نشطين وممتلئين بالتنوع. مع ذلك، نقول لأنفسنا لحظة المشاهدة، إن هذا مضجر، كل شيء متوافر فيه إلا الحياة، لهذا يجب عدم الرفع من قيمته، لأننا عندما نرفع من قيمة شيء رديء فإنما نخدع أنفسنا.
يقول بيتر بروك، عندما نعثر على شكل مسرحي معين، فإن علينا أن لا نقوم بإنتاجه مرارا وتكرارا والى الأبد، كما أننا لا نستطيع ذلك أصلا. يعتقد أن فن المسرح زائل، وقتي، عابر: "في المسرح فإن أي شكل جديد سيحمل مع ميلاده عناصر موته ولا بد من إعادة استيعاب كل الأشكال الجديدة والتي تحمل مضامينها الجديدة علامات تأثيرات المحيط". هل يسمح لنا هذا أن نقول إن المسرح يجب أن يُفهم بأنه فن عابر وتافه إلى هذه الدرجة؟ بالنسبة الى بيتر بروك، فإن السرعة التي تجري بها التمارين وتقدم فيها العروض، لأسباب اقتصادية، خطرة وعاجزة أقصى حدود العجز، مثلها في ذلك مثل البطء الذي يميز بعض الانتاجات الإخراجية الروسية التي تسيء استعمال الزمن فتمضي اشهرا طوالاً بل سنتين كاملتين أحيانا في المناقشات والارتجال والدراسات الأرشيفية من دون أن تعطي في النهاية نتائج أفضل مما تعطيه تلك الفرق التي تتمرن ثلاثة أسابيع. العرض المسرحي ليس هدفاً بحد ذاته: يجب أن يعثر لدى كل متفرج على صدىً خاص. إخراج مسرحية معينة يمكن أن يؤثر على المتفرج الإنكليزي في حين يترك الإخراج المسرحية نفسها المتفرج الأمريكي في حالة من البرود والذهول.
المميت موجود في الوضع الثقافي، في العمل الاقتصادي، في حياة الممثل، في الإخراج، في النص، في النقد، مثلما توجد داخل المسرح المميت خفقات حياتية مقنعة إلى حد بعيد. المسرح المميت لا يعني المسرح الميت فعلا، وإنما هو مسرح فعال بشكل يبعث على الانقباض والغثيان، لهذا السبب بالذات، فإنه قابل للتغير ومواجهة الحقيقة البسيطة التي يدعوها العالم بأسره "المسرح" في كل زمان ومكان.
المسرح المقدس
لكن كيف يمكن أن نموضع الاتصال؟ هل يجب علينا أن نبحث عنه في هذا المسرح الذي يطلق عليه بروك اسم "المسرح المقدس" أو غير المرئي؟
المسرح المقدس لدى بروك هو ذلك المسرح غير المرئي الذي يصبح مرئياً بفعل التجربة الفعالة والمكتشفات الجديدة وامتحان ما توصلنا إليه في السابق. هو مسرح اللامعقول ومسرح الوحشية معا. يقترب أكثر من المسرح المقدس، هو "الواقعة "Le happening، التي بدأت موجتها في الولايات المتحدة. وتنبثق، مبدئيا، بشكل تلقائي، ويمكن أن تقع في أي زمان ومكان، لا يحدها الوقت بحدود، ويمكن أن تختصر نفسها بدقائق محدودة. باختصار مفيد، ليس هناك متطلبات محددة لحدوثها.
بحث بيتر بروك عن المقدس عميق جدا بشكل غير متناهٍ، فالأمثلة التي استعملها مثل الواقعة، ارتو، كيننغ هام، بيكيت، غروتوفسكي، والمسرح الحي، بمثابة مراحل لا أكثر ولا اقل، بحيث نشعر أن المشروع الذي سيصالح به بروك، بين الأرض والسماء، بين المشاهد والممثل، وبيننا وبين أنفسنا، واسع جدا.
المسرح الخشن
يتأسس المسرح الخشن على القذارات: ولا يقع بالضرورة داخل مسرح، وإنما داخل العربات، والناقلات أو على المنصات الخشبية. "القذارة والوحشية ظاهرتان طبيعيتان، والغرابة عمل مفرح". بماذا يحلم بيتر بروك على وجه التحديد؟ انه يحلم بمسرح شعبي حقيقي، يقف ضد التسلط، ضد التقليد والفخفخة والتظاهر، ويحلم بالسيرك، والبهلوانية. لكنه يحلم أيضا ب"قصة الحي الغربي" ومسرحية "الملك ابو". يحلم أيضا بمسرح رافض.
في هذا الفصل يتحدث بروك عن العلاقة بين بريشت وكورد كريك الذي فصَّلَ الصورة الرمزية على المنظر المرسوم للغابة الكاملة، لاعتقاده أن التفاصيل الكثيرة غير ضرورية وتستحوذ على اهتمامنا بلا فائدة. في حين أن بريشت لم يستخدم هذه الطريقة في التعامل مع المنظر المسرحي فحسب وإنما يطبقها على "عمل الممثل أيضا عندما ينظر إليه من وجهة نظر المتفرج". ألغى بريشت العاطفة المصطنعة وتطور الشخصية وتنامي المشاعر لإدراكه أن عدم إلغائها سيؤدي إلى عدم وضوح المغزى الذي نريد أن نصل إليه. جاء بريشت بفكرة بسيطة مفادها أن "الكامل" لا يعني أن يكون "شبيها بالحياة" و"الإحاطة بها من جميع الجهات"، وان على الممثل أن يفهم المسرحية وان يعرف ماذا تخدم لكي يفهم الهدف الحقيقي من وراء عرضها وتأليفها وعلاقتها بالعالم الخارجي المتغير.
يحيلنا بروك هنا، على المثال الأكثر قوة، وهو شكسبير ومسرحه الذي يعتبر النموذج الذي يضم العناصر البرشتية والبيكيتية. يلقي بروك الضوء، على بعض الأعمال الشكسبيرية التي قدمها، محللاً إياها وفقا لتداخلها وتعاقبها في المقدس والخشن، من هذه: مسرحية "الكيل بالكيل" التي لم يقرر الخبراء هل هي كوميدية أم لا، لعدم تمثيلها كثيرا. هذا الأشكال جعلها من أكثر مسرحيات شكسبير بوحا، إذ تكشف في شكلها ومضمونها، عن نوعين من العناصر، عناصر المسرح المقدس وعناصر المسرح الخشن. مسرحية "هنري الرابع" التي تكشف عن مزيج من القدسية والخشونة في مشهد الحانة من خلال واقعية النثر وشعرية الأجزاء الأخرى، ومسرحية "حكاية الشتاء" المقسمة أحداثها ثلاثة أجزاء، ومسرحية "الملك لير" التي لا يمكننا أن نراها ممثلة كسرد حكائي، لأنها عبارة عن شعر ضخم ملتحم مصمم لدراسة حزمة من العلاقات الإنسانية المتداخلة التي تتعاقب وتتعاكس بشكل موشوري مثل حزمة لونية، ومسرحية" العاصفة" التي يختلف أمرها عن باقي أعمال شكسبير، فهي من بدايتها حتى نهايتها تتحرك عبر مواطن روحية، وفيها يمكن أن نعثر على الأسلوب القدسي، الكوميدي، والخشن، بكيفية ميتافيزيقية. ونستشف أن المقدس والخشن يتغذيان بشكل تلقائي ويوجدان في مناخات طبيعية ممتزجة ومتداخلة.
المسرح المباشر
يظل المسرح كمكان ليس كباقي الأمكنة الأخرى، إنه يشبه إلى حد كبير المكبرة التي تكبر الصورة، لكنه أيضا مثل العدسة البصرية التي تصغره. انه عالم صغير ومهدد بأن يتقلص حجمه أكثر فأكثر. ولكن كيف السبيل لان نجعله اليوم يعيش؟
لنرجع إلى موضوعنا: ما المسرح؟ وما هو هذا "الفضاء الخالي" الذي يجب ملؤه؟ الجواب، أن هذا الشيء الذي نتساءل عنه باستمرار، والذي لا يكفّ عن تصديع رؤوسنا بالبحث والتدقيق، لا يستطيع الإنسان العادي "أن يجده في الشارع، ولا في البيت، ولا في الخمارة، ولا مع الأصدقاء، ولا على أريكة الطبيب النفساني، ولا في الكنيسة، ولا في السينما". إن المسرح فن يؤكد نفسه "في الحاضر" وهذا ما يجعله مقلقا. فالمسرح هو "الرقعة التي تقع فيها المجابهة الحياتية، إذ يخلق اجتماع مجموعة كبيرة من الناس في مكان واحد قوة كبيرة، وهي القوة التي في الحياة اليومية لكل فرد والتي يمكن فرزها واستيعابها بوضوح".
لأجل بلوغ هذا الهدف، يجب أن يبقى التحضير للعرض "مفتوحا". اختيار الممثل يجب أن يكون هو أيضا "مفتوحا". فبيتر بروك، لا يعتقد أن في إمكاننا أن نعرف مقدما هل هذا الممثل أو ذاك يليق بهذا الدور أو ذاك: أثناء التمارين نكتشفه، وهذا يخضع أيضا، لعلاقته بباقي الممثلين. فالممثل قبل أن يكون شخصية مسرحية هو رجل أو امرأة، وحينما يريد أن يدنو من نص مسرحي، لا يدنو منه فقط بما يمتلك من مقومات مهنته أو بإيمانه بفنه، وإنما مع توتراته الشخصية، مع مشكلاته التي يمكن أن تكون عوائق كثيرة مثلما يمكن أن تكون عوامل مساعدة. في مثل هذه الحالة، يصبح المسرح "طريقة في الحياة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.