شيان.. «سلام دائم» وإمبراطور ينبعث من قبره ليحي زوار المدينة قيل قديما من بلغ شيان، دخل تاريخ الصين، وكما قديما، فمن دخل "شانغان" كما سميت قبل ذلك، هذا العام أو بعد أعوام، فقد تجول في تاريخ الصين. دخلناها والناس دجى، تحديد تفاصيلها لم يكن سهلا، لكن رائحة التاريخ تعطيك انطباعا منذ أول زفير، أنك في مدينة ضاربة في عمق التاريخ. "سلام دائم" تهديك المدينة، هكذا سماها صينيو ما قبل الميلاد، وكذلك من هم بعده، فقد صدق من سماها، وألهمها سحرها ومحياها. الحافلة تسير نحو مستقر لنا، لا يعلمه أحد من الراكبين، إلا قائدها، سلمناه أنفسنا كما سلمناها للحافلة. بلغنا مكانا قصيا، ينزوي في شارع المدينة، قصدناه، وكان المقصد رهيبا، حفل بدار الأوبرا، يختصر لك آلاف السنين في ساعة زمن. فاجأني أقوى إمبراطور حكم الصين، لم أتوقع أن يمر بجانبي، ألقى التحية، فألقيتها بأحسن أو مثلها، لا أتذكر، لأني كنت أمام إمبراطور شغل آسيا ومعها العالم قبل ألف سنة وما يزيد. حضر الطعام، والجوع استفرد بي، لكن هبة الإمبراطور أنستني كل شيء، فالتاريخ يعاد أمامي، ومن دخل شيان فقد دخل التاريخ يقول الصينيون. الصراع على السلطة، ودسائس المقربين، ومناورات بسط النفوذ، استثمار النساء في المعارك الداخلية، عشتها كما عاشها الصينيون الذي عايشوا سلالة تانغ. البداية، كانت مع انهيار مملكة سوي، وكيف استثمرت سلالة تانغ ضعف الإمبراطورية، وانقضت على الحكم، فالمشهد رهيب، والموسيقى الصينية كذلك. انتظرت الإمبراطور، لأفاجأ بإمبراطورة، بلغت العرش دون أن تكون ولية للعهد، قوتها تظهر من طريقة استحمامها، فالأفاعي تشاركها ذلك. دهشة التاريخ، وتنوع الألوان، جعلني أحس بالذنب اتجاه بطني، لكن العرض أنسانيه تماما، كما أنسى الكثيرين، فالتاريخ يعاش من جديد، وسلالة تانغ تقتسم معنا الفضاء والزمان. السلالة الصينية، وضعتنا في قلب زمانها، فأمتعتنا بعروض عسكرية رهيبة، وبرقصات صينية أروع، وبجلسات شاي عمرها آلاف السنين. ما كان الإمبراطور شاعرا وما ينبغي له، لكن الشعراء أبدعوا في مدحه، والنسوة جزء من متاع القصر. تدبير الدولة كان جليا، من خلال تراتبية رجال القصر، وما دونهم، لكل مهمة في العرض، كما في الدولة، ولا مكان للعكسر فيها، لكن العرض أخذ يميل للعروض العسكرية أكثر، ظهرت بوادر التحكم في دواليب الدولة، وصور البهجة والحبور بدأت تختفي شيئا فشيئا. وختمها العسكر، فلم يعد العرض سوى مشاهد لجنود تختلف رؤوسهم، ويصعب تمييزها ما بين الحيوان والإنس والجان. سقطت سلاسة تانغ، وسقط معها العرض، وأسدل الستار، وعدنا إلى شيان 2015، بعدما سافرنا آلاف السنين في تاريخ أهم سلالة حكمتها. جاء المنادي ينادي بالرحيل، لبينا النداء، وفي الطريق إلى الفندق الذي يحاذي المدينة، تذكرت ذنبي، وطلبت العفو من بطني، لكنها ثارت وأسمعت صوتها لجميع الراكبين، فتضامن معها القليلون، ببساطة لأن بطونهم كذلك ثائرة من الجوع.. لكن شيان مدينة "السلام الدائم" ولا مكان فيها للثائرين.. عذرا أيتها البطون.. أنت في شيان.