التحديات والإشكالات الراهنة تقتضي التجديد والاجتهاد الراشد والمسؤول والمنضبط من قبل المؤهلين علميا وذهنيا من أجل تجنب التلاعب بالشريعة واتقاء شر الفتنة ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يوم الإثنين بالقصر الملكي بالرباط، درسا دينيا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية. وقد ألقى درس اليوم بين يدي جلالة الملك الأستاذ محمد ولد امبالا من علماء موريتانيا، وهو مستشار رئيسي برئاسة الجمهورية الموريتانية. وتناول المحاضر بالدرس والتحليل موضوع «الاجتهاد من منظور المصلحة العامة للدولة والمجتمع»، انطلاقا من قوله تعالى «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون» صدق الله العظيم. وأبرز المحاضر في البداية أن الآية موضوع الدرس تناولت التنوع البيئي الواسع الذي كانت الشريعة الإسلامية سباقة إلى إثارة الانتباه إليه والحفاظ عليه، وكذا موضوع المماثلة بين «الأمم الحيوانية والمجتمع البشري»، وهي المماثلة التي اختلف العلماء في تأويلها مع الإجماع على التأكيد على أهمية المحيط البيئي. وأكد أن الأمر الثاني الذي أشارت إليه الآية هو أن كتاب الله الذي هو مستودع العلوم والحكم، فيه كل ما يحتاجه الإنسان سواء ما اهتدى إليه أو مالم يهتد إليه، وجامع لجميع الأحكام التي يحتاجها الناس في حياتهم، فضلا عن أنه يدعو إلى إعمال الفكر البشري والاجتهاد في نصوص الوحي. وانتقل المحاضر بعد ذلك إلى الحديث عن الاجتهاد من زاوية علاقته بالمصلحة العامة، مبينا تعريفاته ودليله وتحديد مجاله وأوجه جوازه، كما عرف المصلحة وبين علاقتها بالاجتهاد. وأكد أن التحديات والإشكالات العديدة الراهنة تقتضي التجديد والاجتهاد الراشد والمسؤول والمنضبط من قبل المؤهلين علميا وذهنيا لهذا الاجتهاد من أجل تجنب التلاعب بالشريعة واتقاء شر الفتنة، مشددا على أن من يحق له الاجتهاد هو العالم العاقل العارف بالشريعة وبمقاصدها، وبسبل الاجتهاد، لا الجهال وأنصاف العلماء. بعد ذلك تطرق محمد المختار ولد امبالة إلى الأحكام المتعلقة بالارتباط بين الاجتهاد والمصلحة العامة,مبرزا مختلف أنواع هذه المصلحة والإجماع على اعتبارها هي المحافظة على مقصود الشرع والدين والعقل والنفس والمال. كما أكد أن علاقة الاجتهاد بالمصلحة تكمن في دور المجتهد في البحث عن ما يحقق مصلحة الناس ويجلب لهم المنفعة، بما يحافظ على الضوابط الدينية ولا يخالف مقاصد الشرع ونص الكتاب والسنة. وأورد المحاضر نماذج من تطبيقات هذا النوع من الاجتهاد في تحقيق المصلحة العامة منذ قيام الدولة الإسلامية سواء في ما يتعلق باختيار خلفاء للمسلمين، أو في مجال العدالة الاجتماعية، أو في مجال التشريعات الإدارية، داعيا إلى جعل هذه النماذج أساسا ومرجعا لعمل الدول الإسلامية في مختلف المجالات. وأكد في ختام الدرس أن صاحب الجلالة برئاسته للدروس الحسنية الرمضانية يجدد العهد ويحيي سنة أسلافه الميامين في استشارة العلماء في أمور الدولة، كما أن جلالته يستشير المجلس العلمي الأعلى في الأمور التي تخص جلب المصالح ودرء المفاسد ودفع الحرج عن الناس مع الحفاظ على القطعيات وحماية اليقينيات. وبعد نهاية الدرس الثاني من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية لهذا العام قام وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق بتقديم المصحف المحمدي المرتل إلى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس. وقد سجل هذا المصحف المحمدي المرتل بصوت القراء السادة عبد الكبير الحديدي ونور الدين العزوزي ومحمد إراوي برواية ورش عن نافع من طريق أبي يعقوب الأزرق، وتم إخراجه على أشرطة الكاسيط وكذلك أسطوانات الليزر المسموعة وأسطوانات الليزر(إم بي 3). وإثر ذلك تقدم للسلام على أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس عدد من السادة العلماء، ويتعلق الأمر بالأساتذة، محمد المختار ولد أمباله، من علماء موريتانيا ومستشار رئيسي برئاسة الجمهورية، وأنور كبيبش، رئيس تجمع مسلمي فرنسا (من الجالية المغربية بفرنسا)، ومحمد المأمون فاضل امباكي، داعية ومرب للطريقة المريدية بالسينغال، وأحمد عيان تيام، رئيس اللجنة الوطنية للتشاور حول رؤية الهلال بالسينغال، والأستاذ الحاج ادكبولا فيسو، الأمين العام للاتحاد الإسلامي بجمهورية البنين. كما تقد للسلام على جلالة الملك، الأساتذة محمد جمعة عثمان، مسؤول قسم الدعوة والثقافة بلجنة مسلمي إفريقا (البنين)، وعبد اللطيف عبادة، من علماء الجزائر، وإحسان مصطفى، رئيس مركز رسائل النور (تركيا)، ومحمد أحمد شفيع، رئيس الجمعية النيجرية للأخوة الإسلامية النائب الأول لرئيس المجلس الإسلامي بالنيجر، وعبد الله بن إدريس أبو بكر ميغا، عميد كلية الشريعة - الجامعة الإسلامية بالنيجر (ساي)، وأحمد معبد عبد الكريم، أستاذ بقسم الحديث بكلية أصول الدين والدعوة بالزقازق بمصر، وجمال أبو الهنود، مقرئ من فلسطين، وأحمد إدريس البوجوفي، عضو اتحاد الأئمة بهولندا (من الجالية المغربية بهولندا).