لا يزال الوضع السياسي الجزائري مظلما ولا يوجد أي أفق إيجابي للخروج من الأزمة التي يتخبط فيها النظام الحاكم الذي يفرض على المواطنين والمواطنات حياة بائسة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا. والأدهى أن تفسير هذه الأزمة على أنها نابعة من انخفاض أسعار النفط هو تفسير خاطئ من الأساس، لأن المشكل الجوهري الذي تعاني منه البلاد هو مشكل سياسي بامتياز. وفي الحقيقة فإن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المقعد الذي استهلك كل أوراقه السياسية قد لعب دورا محوريا في تعميق أزمة الجزائر وفي إدخالها حالة فقدان الوعي. فالأزمة التي ما فتئ يكرسها النظام الجزائري ليست من النوع البسيط، بل هي متعددة الذيول بدءا من تردي مستوى المعيشة، إلى تدهور مستوى التعليم، وتحطيم المؤسسات الثقافية التي تسند مهمة تحريك دواليبها إلى أشخاص لا تتوفر فيهم الكفاءة والخبرة والمستوى، وموت الحياة السياسية جراء سيطرة الرجل الواحد وعائلته وشلته الموالية له على الحكم السياسي والتنفيذي، مرورا بتقليم أظافر حريات التعبير الحقيقي ومنع التجمع الشعبي أو الحزبي إلا في إطار وصاية النظام، وصولا إلى تقزيم علاقات التعاون مع دول الجوار في المنطقة المغاربية، فضلا عن الإصرار على إبقاء الحدود مغلقة مع دولة المغرب الشقيق. النظام الجزائري، في ظل مرحلة الرئيس بوتفليقة، حوَل الجزائر إلى دولة معزولة إقليميا، ومعطوبة دوليا ومشلولة وطنيا. وهكذا فبعد أقل من أسبوعين من تنصيب الرئيس بوتفليقة للحكومة القديمة المكررة، أعلن الوزير الأول الجزائري عبدالمالك سلال أمام إطارات شركة سوناطراك، عن بداية دخول الاقتصاد الوطني في الركود، وردَ ذلك إلى تقهقر أسعار البترول في السوق العالمية، علما أن مشكلة الاقتصاد الجزائري بنيوية مزمنة، ومن عناصر أزمتها عدم تأسيس النظام لمناخ إداري وسياسي يسمح بخلق الثروة في مجالات الزراعة والفلاحة والسياحة والصناعات التحويلية وغيرها، وأكثر من ذلك فإن سلال دعا الجزائريين إلى شد الأحزمة للدخول في مستنقع التقشف الذي يضاف إلى الفقر الذي يطال شرائح العمال البسطاء والفلاحين. إلى جانب ذلك فإن سلال أشار في لقائه بإطارات شركة سوناطراك أن احتياطيات الجزائر من العملة الصعبة بدأت تنضب ولن يبقى منها بعد أربع سنوات سوى 9 مليارات دولار من الاحتياط العام المقدر بمبلغ 190 مليار دولار. وفي الوقت نفسه أوضح الوزير الأول أن الدولة سوف تلجأ إلى استدانة الأموال من الخارج للتغلب على الأزمة الاقتصادية التي تهدد البلاد، وإلى وقف المشاريع المبرمجة في مخطط الحكومة وفي برنامج رئيس الدولة. في الواقع فإن الوزير الأول الجزائري يريد أن يقنع الجزائريين بأن الأزمة في الجزائر اقتصادية، وأن المتسبب فيها انخفاض البترول الدراماتيكي دوليا من سعر 99.17 دولار للبرميل إلى حدود 65.8 دولار، علما أن عناصر هذه الأزمة متعددة وفي مقدمتها غياب مشروع وطني في جميع المجالات الحيوية التي تعتبر المصادر الحقيقية للثروة الوطنية المادية والثقافية والعلمية، وضرب تقاليد التنمية الريفية التي تعد العصب الحقيقي للاقتصاد الوطني، فضلا عن استخدام الأموال الطائلة لتحويل أنظار الشباب والشابات الذين يعدون بمئات الآلاف عن السياسة كفاعلية اقتصادية وثقافية واجتماعية تنظيمية للمجتمع المدني، وإبعادهم عن معاقل صنع الثروة الحقيقة وتحويلهم إلى تجار صغار يرتزقون من استيراد السلع الاستهلاكية الرخيصة. إن نشر وتعميم النظام الجزائري لهذا النمط من الثقافة الاستهلاكية، اللاغي للإبداع بين أوساط الشباب، مؤامرة سياسية مخطط لها بإحكام، والهدف هو أجل إفساد جيل كامل وإلحاقه بقشور ثقافة الرأسمالية المتوحشة. على هذا الأساس فإن الوزير الأول الجزائري لا يريد أن يعترف بأن الأزمة الضاربة بجذورها في البلاد ليست مجرد أزمة انخفاض عائدات النفط، بل هي نتيجة لعقم الخيارات السياسية والتطبيقات الفاشلة لما يسمى بمخططات التنمية العرجاء. إضافة إلى ما تقدم فإن الوزير الأول لم يوضح للشعب الجزائري وللأحزاب والبرلمان ومجلس الأمة ومجلس المحاسبة، ما حدث للاحتياطيات البالغ قدرها 190 مليار دولار وإلى أين ذهبت، علما أن النظام أعلن مرارا أن هذا المبلغ موجود في خزينة الدولة. أما تهديده للمفسدين فيدخل في نطاق تحقيق التفريغ النفسي للمواطنين، فضلا عن أن الفساد المالي والاقتصادي لا يحدث بين أوساط العمال الفقراء، بل هو مستشر في هرم مؤسسات النظام ولدى رجال الأعمال الذين يختفي وراءهم عرابوهم من كبار المسؤولين في أجهزة الدولة الذين يقتسمون معهم عائدات البترول والغاز وغيرها من الثروات بأساليب ملتوية يعجز عقل ألبرت أينشتاين عن فك ألغازها. *كاتب جزائري