يستأثر الإبداع الروائي باهتمام القراء والناشرين والكتاب في المشهد الثقافي العربي المعاصر. يتزايد هذا الاهتمام باطراد، ليس فقط، لدى كتاب القصة والرواية، بل إن مداه يتسع ليشمل الشعراء والمسرحيين والصحافيين، وحتى المنشغلين بهموم الفكر والمثقفين والباحثين في مختلف أصناف الإبداع والتفكير. ومعنى ذلك بكلمة أخرى، أن الرواية لم تبق إنتاجا يتصل ب»الأدباء»، وإنما صارت تستقطب الاهتمام من خارج حقل الأدب. لا غرو أن تكون للرواية كل هذه الجاذبية، فالسرد منذ أقدم العصور كان أداة حيوية لتسجيل الذاكرة، والوقائع والأحداث، والتعبير عن الرؤى والمواقف والأفكار. وفي عصر الوسائط الجماهيرية والمتفاعلة صار أكثر تأثيرا لدى فئات واسعة من الناس. منذ أن بدأت الرواية العربية تحقق تطورها على مستوى التقنيات وتمثيل التصورات، فرضت نفسها نوعا سرديا يحظى بقيمة لدى الجميع؛ فكان اعتراف الأوساط الأكاديمية بها تدريسا وتحليلا عن طريق الكشف عن قيمتها الفنية والجمالية والثقافية. فصار الناشرون يتهافتون على نشر الرواية، آملين من ورائها تحقيق مكاسب لم تعد توفرها الأجناس الكتابية الأخرى. برزت قيمة هذا الاهتمام في تكريس جوائز خاصة بالرواية. نمثل لها ببوكر العربية، وجائزة ملتقى الرواية في القاهرة، وجائزة الطيب صالح الدولية، كما أن الجوائز الخاصة بالإبداع الأدبي عموما، ينتزعها كتاب الرواية في أغلب الأحيان. وها هي جائزة كتارا للرواية العربية تلحق بالركب معطية للرواية نفسا جديدا ومختلفا. لا مراء في أن تحظى الرواية بكل هذا الاهتمام. ومهما قيل أو يقال عن الجوائز المتعلقة بالرواية وما يوجه إليها من انتقادات أو ملاحظات، فإنها تظل تقليدا إيجابيا ومكسبا إبداعيا له شرعيته ومشروعيته. لكن تطور الرواية ومستقبلها لا يتصلان فقط باكتشاف المواهب أو تشجيع الروائيين المتميزين ومكافأتهم، أو ترجمة النصوص أو طبعها أو تحويلها إلى عمل درامي. كل هذه المرامي والمقاصد النبيلة مهمة، بل ضرورية. لكن بدون قراءة الرواية ونقدها يظل هذا التطور ناقصا. إن قراءة الرواية ونقدها يلعبان دورا مهما في تحولها وارتقائها إلى نوع سردي جدير بالقراءة من لدن فئات واسعة من القراء. ولعل تشجيع قراءة الرواية ونقدها ومكافأة محلليها قمين بتطوير الإبداع والنقد معا، إذ لا يمكن توهم مستقبل الرواية العربية، وجعلها تحتل المكانة الملائمة لها، عربيا ودوليا، بدون تحليلها ونقدها. فالإبداع الروائي لا يتطور بدون نقد روائي، والعكس صحيح. إن التحليل الذي يمكنه أن يسهم في ذلك يتصل اتصالا وثيقا بالبحث العلمي في الرواية، وليس مرتبطا بالنقد الصحافي أو القراءات القائمة على التأويل، أو المبنية على الانطباع، أو تلك التي تسمى ب"القراءة العاشقة"؟ يتطور البحث الجامعي في مختلف كليات الآداب العربية.. وتحتل الرواية في العديد من الأقطار العربية الحظ الأوفر من الدراسات الجامعية التي تتركز على الرواية العربية الحديثة والمعاصرة، أو على أحد الأنواع السردية الأخرى، قديمها وحديثها. وحين تتخذ هذه الدراسات المختلفة من السرد العربي القديم والحديث الذي تتخذ فيه الرواية موقعا متميزا، فإن ذلك يؤكد الصلة الوثيقة بين الرواية وكل الأنواع السردية العربية المختلفة. لذلك أرى أن تخصيص جوائز للدراسات الجامعية التي ينجزها الباحثون الشباب حول الرواية أو الأنواع السردية العربية الأخرى، إسهام في تطوير الوعي بالرواية، من جهة، وتشجيع للبحث الجامعي العربي لدى الدارسين الشباب، من جهة ثانية. كما أنه من جهة ثالثة، يسهم في تطوير النظريات السردية التي بدون تشجيعها ومكافأتها، على غرار الرواية، لا يمكن أن تتطور نظرياتنا ولا أبحاثنا الروائية والسردية، ولا تتطور الرواية أيضا. كما أن تنظيم الورشات العلمية حول كتابة الرواية والسيناريو، وألعاب الفيديو، وربط السرد بالتعليم والتربية، وتخصيص برامج ثقافية في وسائل الإعلام والقنوات، حول الرواية، مثل تنظيم مسابقات لقراء الرواية العربية والأجنبية، مقابل مكافآت وجوائز تشجيعية، على غرار المسابقات الشعرية، كل ذلك يمكن أن يسهم في إعطاء الجوائز التي تمنح للرواية العربية قيمة إضافية، إذ لا يعقل أن تحصل رواية على جائزة عربية، ويظل توزيع هذه الرواية مقتصرا على فئة قليلة من المتتبعين والمهتمين. وأذكر في هذا السياق قولة مؤثرة صاغها الروائي وليد إخلاصي حين حصل على جائزة سلطان العويس، بقوله: ما فائدة هذه الجائزة، وقيمتها المادية، إذا كان عدد القراء ضعيفا؟ إن الروائي والمفكر، لا يكتب من أجل الجائزة، ولكن من أجل القارئ. وإذا لم تتح له الجائزة إمكانية توسيع دائرة قرائه فإن دورها يقتصر على تلك المكافأة المادية، وعلى بعد رمزي محدود. والأساس الذي تبنى عليه الجوائز هو تثمين الأثر الأدبي، من جهة، وتوسيع دائرة التعرف على الكاتب من لدن جمهور واسع. وهذا هو الأثر الحقيقي الذي يمكن أن تخلفه الجوائز. بحصول العديد من الكتاب الأجانب على جوائز في بلدانهم يتمكنون من التعرف عليهم داخلها، بل إن ذلك يمتد خارجها عن طريق ترجمة أعمالهم الفائزة، لكن الأمر مختلف عندنا في فضائنا العربي. إن تخصيص جوائز للنقد الروائي تكون مواكبة ومصاحبة للرواية رهان تطوير الرواية ومستقبلها. *عن الصفحة الاجتماعية للكاتب