أقدم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز على خطوة جديدة تروم مواجهة التشدد الديني في بلاده، وتفتح أفقا للإصلاح داخل المملكة الوهابية، وذلك بإصداره أمرا ملكيا يقضي بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء، وهو القرار الذي يتواصل بشأنه الجدل في المملكة وخارجها هذه الأيام، كما أنه خلف ارتياحا وسط العديد من المتتبعين. قرار العاهل السعودي يضع الأصبع على موضوع فوضى الفتاوى التي اجتاحت المجتمعات المسلمة والعربية في السنوات الأخيرة، حيث أن العلماء والفقهاء يفتون، وأيضا من لا علم لهم أصلا، وصار الناس يتوصلون بالفتاوى، ولو لم يطلبوها، عبر هواتفهم المحمولة وبريدهم الالكتروني، ومن خلال برامج عديدة على فضائيات عربية كثيرة، حتى صرنا أمام «شيوخ نجوم» ينافسون الممثلين والمذيعين في الشهرة وفي العائد المالي، كما أن صحفا ومواقع صارت هي الأخرى تقدم الفتاوى... وبالرغم من تعدد وسائل الاتصال الحديثة التي يتم عبرها تبليغ الفتاوى، فإن الغالب في مضامينها ومواضيعها هو القضايا الدنيوية، أي ما يتعلق بالحياة الحميمية للأفراد والعلاقات بين الأزواج، وكل ما يرتبط بشؤون المرأة بصفة عامة، ثم قضايا الفن والثقافة، ومن النادر أن تعثر على فتاوى تهتم بشرح قضايا دينية مثلا. إن أهمية الخطوة السعودية أنها تسعى إلى جعل الفتوى وقفا على كبار العلماء، وحيث أن كل فتوى آتية من بلاد الحرمين الشريفين كانت «تبلع» مباشرة من لدن كل المسلمين عبر العالم، فإن وقف الفوضى هناك اليوم، أمر يعني بقية المجتمعات المسلمة، ومنها بلادنا التي تميزت عبر التاريخ بجعل الفتوى مقترنة ببعد مؤسساتي يرعاه أمير المؤمنين. قرار الملك السعودي كذلك لا يخلو من شجاعة ضمن السياق التاريخي والثقافي للمجتمع السعودي، وأهميته أنه يعلن الانطلاق لزعزعة بنية تكرست طيلة عقود، وتمكنت من إشاعة مناخ يتسم بالانغلاق وضيق الأفق، وحول الدين لدى بسطاء الناس إلى مجرد محرمات وانقطاع عن العصر وعن المحيط... القرار يجسد درسا لباقي البلدان المسلمة، فحتى بلاد الحرمين لم تسلم من فوضى الفتاوى وعبثية المتشددين، ومن ثم فإن بقية البلدان التي تتفشى فيها الظاهرة، خاصة مصر وبعض بلدان الخليج، مدعوة لتفعيل إصلاح حقيقي لحقلها الديني، وجعل الدين معززا لقيم التسامح والانفتاح داخل المجتمع، ومساعدا على التقدم ومكرسا للديمقراطية والعدالة ولسلطة العقل.