إسرائيل تستهدف قياديا في "حزب الله "    معرض الفرس بالجديدة يواصل جذب الزوار.. و"التبوريدة" تلقى متابعة واسعة    جمارك عبدة تحرق أطنانا من المخدرات    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    هل تغيّر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية من معادلة الصراع في الشرق الأوسط؟    بايتاس يُشيد بالتحكم في المديونية    انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي و"طرد البوليساريو".. مسارات وتعقيدات    مشفى القرب بدمنات يواجه أزمة حادة    طرائف وحوادث الإحصاء    "النملة الانتحارية".. آلية الدفاع الكيميائية في مواجهة خطر الأعداء    بذل عمل جديدة لعناصر الجمارك "توضح تراتبية القيادة" شبه العسكرية    فاتح شهر ربيع الآخر 1446 ه يوم السبت 5 أكتوبر 2024    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    المياه المعدنية "عين أطلس" لا تحترم معايير الجودة المعمول بها    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان        مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب    حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية تدخل شهرها الأخير    أخبار الساحة        أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة        وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في المشروع الفلسطيني – العربي إلى مجلس الأمن 29/12/2014
نشر في بيان اليوم يوم 12 - 01 - 2015

■ إصطدم مشروع القرار الفلسطيني لإنهاء الإحتلال الذي قُدِّم في 17/12/2014 إلى مجلس الأمن بمعارضة فلسطينية واسعة شملت فصائل العمل الوطني الفاعلة داخل منظمة التحرير وخارجها، وقيادات بارزة من حركة فتح، فضلاً عن صف واسع من الشخصيات الوطنية المستقلة والفعاليات
الناشطة في الحقل العام؛ وتشكلت حالة من شبه الإجماع السياسي على أن المشروع المقدم ينطوي على تنازلات كبيرة تمس في الصميم الحقوق الوطنية كما بلورتها الهيئات القيادية الجامعة (المجلس المركزي، اللجنة التنفيذية، الإطار القيادي المؤقت ل م.ت.ف...) وركزتها في وثائق الإجماع الوطني (وثيقة الوفاق الوطني 2006، بيانات المجلس المركزي وآخرها في نيسان/ أبريل 2014..)، لا بل كما صاغتها الشرعية الأممية من خلال مؤسسات الأمم المتحدة (الجمعية العامة، مجلس الأمن، محكمة العدل الدولية، مجلس حقوق الإنسان) وبخاصة القرار 19/67 للجمعية العامة (29/11/2012) القاضي بمنح دولة فلسطين مركز العضوية المراقبة في الأمم المتحدة، كما وسائر الإتفاقيات والبروتوكولات الدولية..
■ المعارضة الفلسطينية المتسعة صفوفاً لم تؤدِ إلى سحب مشروع القرار من التداول، لكنها زرعت الإرتباك في صفوف أصحابه من بين أعضاء المجموعة القيادية الرسمية الضيّقة القيّمة عليه؛ هؤلاء تكلموا عن مشروع القرار بما ليس فيه، لكنهم – بالنتيجة – إضطروا – مستدركين – للتسليم بنواقصه، فتقدموا في 29/12 بمشروع معدَّل إستوعب ثمانية تعديلات(): 3 على ديباجة مشروع القرار، و 5 على فقراته العاملة.
التعديلات لم تخلص المشروع من نواقصه، لأنها لم تُعدل فعلياً ما إعتبر تنازلاً أو مساساً بجوانب رئيسية باتت راسخة في بنية الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف، ومن بينها ما يتعلق بحدود الدولة الفلسطينية وعاصمتها (القدس الشرقية) والمستوطنات وحق العودة، وغيرها من العناوين الحساسة التي تحرق أصابع كل من يحاول التلاعب بها.
■ لم يشق المشروع الفلسطيني – المتبنى عربياً – طريقه إلى التصويت الرسمي في مجلس الأمن، بل بقي عالقاً بالأصوات الثمانية التي تحصلها في المرحلة التمهيدية التي تفترض لتخطيها والإنتقال إلى ما بعدها موافقة 60% من عضوية المجلس (أي 9 من أصل 15)، شرط أن لا يكون من بين المعترضين من يملك حق النقض، أي الفيتو.
أتت نتيجة التصويت الذي أجراه مجلس الأمن في 30/12/2014 كما يلي: إعتراض الولايات المتحدة واستراليا؛ إمتناع 5 دول: رواندا، بريطانيا، ليتوانيا، نيجيريا وكوريا الجنوبية؛ وموافقة 8 دول: الأرجنتين، تشاد، تشيلي، الصين، فرنسا، اللوكسمبورغ، روسيا والأردن.
وقد قامت الولايات المتحدة بنشاط مكثف لحشد هذا العدد من أصوات الإمتناع، بما فيه إمتناع نيجيريا الدولة العضو في مؤتمر دول التعاون الإسلامي، مع أن واشنطن لم تنتقد بشكل مباشر أياً من بنود مشروع القرار، وإقتصر موقفها المعترض على نقطتين عملياً: عدم إستجابة النص لمطالب إسرائيل الأمنية + التوقيت غير المناسب لطرح المشروع على خلفية أن نجاحه في فترة ما قبل الإنتخابات الإسرائيلية سيخدم أحزاب اليمين ويجحف بقوائم الوسط.
إن فشل مشروع القرار بإجتياز العارضة الأولى لا يجعله غير ذي موضوع، ولا يحيله من باب أولى إلى الأرشيف، بل يؤكد أهمية مناقشته لتبيان مخاطره على القضية الوطنية، ولتجنب سلبياته على العمل اللاحق، وكيلا يتحول مشروع القرار إلى نص يستخدم من أجل ترسيم وإدامة التنازلات التي إنطوى عليها.
(1)
العلاقة بين حيثيات مشروع القرار وفقراته العاملة
1 – مشروع القرار الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن (مشروع 29/12/2014) كناية عن مقدمة (ديباجة) و 14 فقرة عاملة، حيث تقوم المقدمة بطرح الحيثيات (وعددها 16 حيثية، غير مرقمة) التي تمهد للقرار وتستند إليها فقراته العاملة.
تقوم الحيثيات على إستذكار عدد من القرارات السابقة للجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية ومباديء مدريد... ذات الصلة بمشروع القرار، وفي السياق تؤكد على مباديء مستمدة من شرعة حقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي الخ..، بينما القرارات العاملة في القرار تبرز جوانبه التنفيذية وتؤكدها، دون أن يترتب على هذا إلزامية التنفيذ، التي لا توفرها سوى القرارات المتخذة تحت الفصل السابع الذي يبيح اللجوء لإستخدام القوة لضمان التنفيذ، أو القرارات التي تتخذها الجمعية العامة تحت بند «متحدون من أجل السلام».
2 – في العلاقة بين الفقرة العاملة وما يقابلها من فقرة (أو فقرات) في حيثيات القرار الواردة في مقدمته، من المفترض أن لا تكون الفقرة العاملة أقل تحديداً وتخصيصاً من الحيثية (أو الحيثيات) المقابلة التي تمهد لها، لأن الفقرة العاملة – بكل بساطة – هي المطروحة للتنفيذ إنطلاقاً من حيثيتها المذكورة في مقدمة القرار. وإذا لم يتم التقيّد بهذه القاعدة البديهية، أي إذا لم تأتِ الفقرة العاملة على الأقل بنفس مستوى التحديد والتخصيص الوارد في الحيثية – إن لم يكن أكثر -، فإن الأخيرة تفقد الكثير من قيمتها وتتآكل وظيفتها الإيجابية في العملية السياسية. وفيما يلي بعض الأمثلة:
■ عندما ترد في مقدمة القرار الحيثية التالية: (إن مجلس الأمن) «إذ يؤكد مرة أخرى حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والإستقلال في دولته فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية»، فلا يجوز أن يرد في الفقرة العاملة الرقم 2 ما هو أقل تحديداً وتخصيصاً من ذلك، أي: «.. القدس بوصفها عاصمة الدولتين..» التي تغيّب الجغرافيا المحددة والخاصة للعاصمة الفلسطينية؛ وبالتالي تفقد التحديد الجغرافي الذي ورد في مقدمة القرار – أي القدس الشرقية – قيمته.
ولو تمت صياغة الفقرة العاملة إياها (إفتراضاً ومن أجل مزيد من التوضيح لهذه النقطة) بمزيد من التحديد والتخصيص، أي: «القدس الشرقية بحدود 4 حزيران(يونيو) 1967، عاصمة لدولة فلسطين..»، لكنا حصّنا النص بشكل أفضل خدمة للموقف الفلسطيني في المعركة السياسية الجارية.
■ وعندما ترد في المقدمة حيثية مهمة على غرار: (إن مجلس الأمن)« إذ يشير إلى فتوى محكمة العدل الدولية المؤرخة 9 تموز (يوليو) 2004 بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة»، التي دعت – من بين أمور أخرى – إلى إزالة الجدار وجبر الأضرار الناجمة عنه الخ.. عندما ترد حيثية بهذه الأهمية دون أن يُبنى عليها مقتضاها في النص اللاحق، وبحيث لا تجد لها أي إمتداد في الفقرات العاملة، فإنها – أي الحيثية – تفقد قيمتها إلى حدود بعيدة في خدمة الموقف السياسي الفلسطيني.
3 -■ بالمقابل، عندما ترد حيثية على غرار: (إن مجلس الأمن) «إذ يؤكد حتمية التوصل إلى حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين على أساس القانون الدولي والقرارات ذات الصلة، بما فيها القرار 194 (د-3)، على النحو المنصوص عليه في مبادرة السلام العربية»؛ وهي حيثية تجد إمتدادها المباشر في الفقرة العاملة ذات الصلة، التي تزيدها تحديداً وتخصيصاً، وبما يوضح بالضبط ما هو المقصود ب «حل لمشكلة اللاجئين على النحو المنصوص عليه في مبادرة السلام العربية»، من خلال النص على «حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين على أساس مبادرة السلام العربية وأحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بما فيها القرار 194 (د-3)»؛
■ وعليه، تكون الحيثية قد أدت غرضها في التأسيس للفقرة العاملة، التي تصبح – والحال هكذا – هي الأساس المعتمد، وإن كان بإتجاه هابط نسبياً عما ورد في الحيثية، وهابط تماماً عما يجب أن يكون إنسجاماً مع الإجماع الفلسطيني القائم على التمسك بالحل العادل لقضية اللاجئين بموجب القرار الذي يكفل حق العودة إلى الديار والممتلكات الخ..
4 – الجانب الأهم في نصوص القرارات الصادرة عن الشرعية الأممية – طالما الحديث يدور عن مشروع قرار مقدم إلى مجلس الأمن – هو الفقرات العاملة، وليس المقدمة (الديباجة) بحيثياتها التي تركِّز في العادة على إستذكار قرارات سابقة وما يندرج في سياقها، وظيفتها التأسيس للفقرات العاملة ذات الطابع التنفيذي.
تنحسر قيمة الحيثيات – سياسياً وعملياً – عندما تفتقد إلى فقرات عاملة تقع في إمتدادها (كما بالنسبة لفتوى محكمة لاهاي بخصوص الجدار)؛ وكذلك عندما تنزع الفقرات العاملة القائمة في إمتداد الحيثية إلى التجريد والتعميم بغرض التعويم. إن الحيثيات تستمد قيمتها من إنسجام الفقرات العاملة معها لجهة المزيد من التخصيص والتحديد لموضوعها. من هنا، ولافتقاد الرابط بين الحيثية والفقرة العاملة، لم تسهم في رفع سوية النص الأصلي لمشروع القرار، الإضافات الثلاث التي أُدخلت (في 29/12) على حيثيات مقدمته، وهي:
■ إضافة :«.. والإستقلال في دولته فلسطين، وعاصمتها القدس الشرقية» إلى الفقرة الثالثة في المقدمة، التي تصبح: «وإذ يؤكد مرة أخرى حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير في دولته فلسطين، وعاصمتها القدس الشرقية».
■ إضافة الفقرة التالية إلى المقدمة: (إن مجلس الأمن) «وإذ يشير أيضاً إلى قراراته ذات الصلة بشأن وضع القدس، بما فيها القرار 478(1980) المؤرخ 20 آب (أغسطس) 1980، وإذ يضع في إعتباره أن المجتمع الدولي لا يعترف بضم القدس الشرقية».
■ إضافة الفقرة التالية إلى المقدمة: (إن مجلس الأمن) «وإذ يشير إلى فتوى محكمة العدل الدولية المؤرخة 9 تموز (يوليو) 2004 بشان الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة».
أما المشترك في هذه الإضافات/ التعديلات فهو التالي: الإضافة الأولى والثانية لم تنعكسا بتاتاً على الفقرة العاملة التي تتناول موضوع القدس العاصمة، والإضافة الثالثة لم تجد أي إمتداد لها في حيّز الفقرات العاملة. والخلاصة هي: هذه الإضافات لم ترفع سوية مشروع القرار على نحو ملحوظ؛ وبالتالي بقيت نتيجتها شديدة التواضع على النص بمجمله.
5 – إن إصرار الجهات الرسمية صاحبة مشروع القرار على تسويقه والدفاع عنه بدعوى إلتزامه بثوابت الإجماع الفلسطيني من خلال الإستشهاد بنصوص مجتزأة من بعض حيثيات المقدمة، التي لم ترد أصلاً في الفقرات العاملة، من أجل التغطية على التنازلات في قضايا الحقوق الوطنية التي تضمنها المشروع؛ هذا الإصرار بدافع تضليل الرأي العام الفلسطيني إستدعى ما سبق من توضيحات، حتى يتسنى فيما يلي التركيز على مغزى وأبعاد التنازلات الواردة في الفقرات العاملة التي هي الأساس في مشروع القرار.
(2)
قراءة في الفقرات العاملة من 5 إلى 14
المنحى الهابط عن الحقوق المجمع عليها فلسطينياً والمعتمدة إلى حدود بعيدة دولياً يتبدى بشكل واضح ومتسلسل في الفقرات 1 إلى 4 من مشروع القرار؛ لذلك سنكتفي بداية، بإيراد بعض الملاحظات السريعة على الفقرات 5 إلى 12 (بإعتبار أن الفقرتين 13 و 14 طابعهما محض إجرائي)، ليس إنتقاصاً من أهميتها، بل من أجل التركيز على مدلولات الفقرات الأربع الأولى بكل أبعادها؛ وعليه نشير إلى مايلي:
1 – الفقرة 5 تقيّد العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة بالإطار الزمني المبيّن في القرار، أي 3 سنوات بأفق مفتوح للتمديد، كما علمت تجربتنا مع المفاوضات. إن شروط العضوية الكاملة لدولة فلسطين (الشعب، الأرض، والحكومة) متوفرة منذ سنوات، ولا مصلحة فلسطينية بإضافة قيد جديد عليها زيادة على قيد الفيتو الأمريكي الذي ما زال يعترض طريقها بقوة، والذي لا سبيل لثلمه سوى تحديه مرة ومرتين وعشرة، لكشفه وعزله دولياً، وبما يؤدي إلى تكثيف الضغط عليه وصولاً إلى تجاوزه.
2 – تحّيز عدد من الفقرات لصالح التمويه على المسؤولية الخاصة والرئيسية للإحتلال الإسرائيلي من خلال وضع «الإمتناع عن أعمال التحريض والأعمال أو البيانات الإستفزازية..» (الفقرة 6) و «الإمتناع عن أي تصرفات إنفرادية وغير قانونية، وعن كل أعمال الإستفزاز والتحريض...» (الفقرة 10) و «الإلتزام باتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب..» (الفقرة 7).. على نفس السوية بين إسرائيل وفلسطين، بينما واقع الحال يُعرِّف بداهة أن الفلسطينيين هم الذي يقعون تحت الإحتلال الإسرائيلي، الذي هو عدوان مستدام بكل مظاهره (الإستيطان، التهويد، الحصار، العزل، القمع، الإعتقال، الإغتيال الخ..)، وعليه تكون الحماية واجبة للمدنيين الفلسطينيين وللأرض الفلسطينية، وليس لمن يحتلهم، ويعتدي عليهم، ويغتصب حقوقهم، ويستوطن أرضهم...
3 – في سياق «تشجيع الجهود المتزامنة الرامية إلى سلام شامل يعم المنطقة...» تؤكد الفقرة 8 على «أهمية التنفيذ التام لمبادرة السلام العربية»، لكنها تتجاهل الإشارة في النص إلى أهم متطلبات تنفيذ هذه المبادرة، ألا وهو «الإنسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة وحتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967» (الفقرة 2 – أ من المبادرة).
4 – تدعو الفقرة 9 «إلى تجديد إطار التفاوض» وترحب «بالاقتراح الداعي إلى عقد مؤتمر دولي تنطلق في سياقه المفاوضات»، دون أن تحدد متطلبات إطلاق هذه المفاوضات ومن أهمها وقف الاستيطان، وهو المطلب الذي تضمنته الفقرة 11 لو جرى ضمها إلى الفقرة 9، شرط أن يتم تخليص الأخيرة من الصيغة التي تربطها بالفقرة 10، التي تفتح على تفسير يقصر المطالبة بوقف الأنشطة الإستيطانية على تلك التي «تقوض صلاحية وإمكانية التوصل إلى حل قائم على وجود دولتين..»، ولا يعمم هذه المطالبة بحيث تشمل جميع الأنشطة الإستيطانية، وبدون إستثناء.
إلى هذا، فإن الفقرة 9 لا تحدد الأسس التي ينعقد عليها هذا المؤتمر وآلية عمله الخ.. والواضح أن المقصود من هذه الفقرة هو الجسر مع مشروع القرار الفرنسي (أو الفرنسي – البريطاني) الذي يجري التحاور بشأنه، دون إطلاع الرأي العام بالضبط على عناصره.
5 – الفقرة 12 «من أجل معالجة الوضع غير المحتمل الذي يعاني منه قطاع غزة»، تقع خارج سياق مشروع القرار الذي يتناول أسس الحل التفاوضي الذي يقود إلى إتفاق الوضع الدائم. إن موضوع القطاع (الحصار وتداعيات عدوان«الجرف الصامد») لمركزيته وأهميته الفائقة كان يقتضي التقدم بمشروع قرار مستقل وقائم بذاته، درءاً لأية تفسيرات سلبية لإقحام موضوع غزة وتداعيات العدوان الأخير على خط مفاوضات الوضع الدائم، قد تشجعها صياغات غامضة كالتي وردت في الحيثية 9 من ديباجة مشروع القرار التي «تدعو إلى التوصل إلى حل دائم لمعالجة الحالة في قطاع غزة، بما يشمل فتح معابر القطاع الحدودية بشكل دائم..»؛ علماً أن هذه الحيثية تنطوي على إيجابية ينبغي إبرازها وهي التأكيد على الوحدة الإقليمية بين الضفة والقطاع باعتبار أن «قطاع غزة يشكل جزءاً لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967».
(3)
جدول أعمال مفاوضات الوضع الدائم.. أين قضية المستوطنات؟
1 – من بين الفقرات العاملة 1 إلى 4 من مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن، التي تنطوي على تنازلات واضحة عن الحقوق الوطنية موضع الإجماع الفلسطيني الداخلي، تحتل الفقرة 2 موقعاً مفصلياً كونها تتطرق إلى القضايا (issues) التي تشكل مجتمعة عناصر ما يسمى بالوضع النهائي، التي سبق لاتفاق أوسلو2 (الإتفاق الإنتقالي) الموقع في 28/9/1995 أن حددها كما يلي: «..القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع الجيران الآخرين، وسوى ذلك من القضايا التي تهم الفريقين»؛ حيث تم الإتفاق لاحقاً على إضافة موضوعي المياه والأسرى إليها، باعتبارهما «من القضايا التي تهم الفريقين».
2 – أول ما يسترعي الإنتباه في الفقرة 2 أنها تقرر «أن يكون الحل التفاوضي قائماً على البارامترات (parameters) التالية» (أي «المعايير»، أو «المعالم»/ جمع معلمة، في بعض الترجمات).
إن هذا يعني تحويل قضايا الوضع الدائم بالأسس الصلبة والمعَّرفة لحلّها وفقاً لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي الخ..، إلى «معايير» لمقاربة حلّها من خلال صياغة تقوم على التنازل المسبق عن بعض أهم جوانبها وعلى حساب حقوقنا الوطنية. هذا ما سنلاحظه في البحث اللاحق لما ستقود إليه تلك المعايير من تنازلات في قضايا الحدود والقدس واللاجئين الخ.. إن «معايير الحل تحدد مضمون الحل»؛ هذه من مسلمات أصول التفاوض وبديهياته.
3 - ■ ما يسترعي الإنتباه – أيضاً – في الفقرة 2 من مشروع القرار هو إسقاط قضية المستوطنات من بين قضايا الوضع الدائم التي تشكل موضوع هذه الفقرة بالذات، التي تحدد وتخصص ما ورد في المقدمة (الحيثية 11): «التوصل إلى إتفاق ينهي الإحتلال..، ويحل جميع مسائل الوضع الدائم كما حددها الطرفان سابقاً..». والمعروف أن هذه المسائل، كما جرت الإشارة سابقاً، هي: الحدود، القدس، المستوطنات، اللاجئون، الترتيبات الأمنية، المياه، والأسرى.
الفقرة 2 أشارت إلى هذه المسائل، لكنها إستثنت منها المستوطنات، وبهذا تكون قد وجهت رسالة واضحة أن المستوطنات ليست مطروحة كقضية مستقلة وقائمة بذاتها على جدول أعمال المفاوضات. وهذا ما يؤكد – مرة أخرى – أن المضمون السياسي للحيثية لا يحدده نصها، بل الفقرة العاملة الواقعة في إمتدادها، فعندما تنص الحيثية على حل «جميع مسائل الوضع الدائم كما حددها الطرفان سابقاً..»، وتأتي الفقرة العاملة لتغفل ذكر إحداها (المستوطنات)، تصبح هي المعتمدة وليس ما إستذكرته الحيثية.
■ إن تجاهل الفقرة 2 موضوع المستوطنات، لا يعني – بالطبع – عدم تطرق المفاوضات إليه، بل عدم تناوله، كموضوع مستقل وقائم بذاته، فيجري توزيعه على عناوين أخرى يتم تناوله من خلالها (أي«بالمفرق»!). إن هذه الفكرة – ذات المنشأ الأميركي، من دينيس روس إلى مارتن إنديك – متداولة في أوساط المعنيين بالمفاوضات في مركز القرار الفلسطيني ، ومفادها أن التوصل إلى إتفاق حول قضايا الحدود والقدس والمياه والترتيبات الأمنية، سيقود في السياق إلى حل قضية المستوطنات.
إن مقاربة من هذا القبيل ستؤدي إلى حل قضية المستوطنات بالصيغ التالية: أ) الضم المباشر إلى إسرائيل للمناطق المتواصلة (continuous) جغرافياً معها؛ ب) الضم المباشر إلى اسرائيل للمناطق المتصلة (contiguous) جغرافياً بها من خلال منشآت البنية التحتية (جسور، أنفاق، طرق التفافية..)؛ ج) المواقع الجغرافية التي تشملها الترتيبات الأمنية على يد الطرفين المعنيين، أو من خلال «طرف ثالث»؛ د) إخلاء مستوطنات وإعادتها إلى حضن السيادة الفلسطينية؛ ه) بقاء مستوطنات، لكن تحت السيادة الفلسطينية ومواطنيتها.
4 - ■ إن النص على «التسوية العادلة لجميع المسائل الأخرى المتبقية بما في ذلك المياه والسجناء»، كما ورد في الفقرة 2، لا يمكن أن يفكر أي إنسان عاقل أن قضية المستوطنات تندرج فيه؛ ولا الفقرة 11 (رغم الإلتباس المتعمد الذي يشوب صياغتها، كما سبقت الإشارة) التي تطالب بوقف أنشطة الاستيطان، التي لا تتطرق إلى أصل المشكلة، أي المستوطنات (والأصح مدن الإستيطان) القائمة بالفعل.
■ إن خلو الفقرات العاملة من أية إشارة إلى قضية المستوطنات خطأ كبير، وتدعو إلى القلق الشديد من مآل أية مفاوضات تنعقد وفقا لمشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن. أما إحالة أصحاب المشروع إلى ما ورد بخصوص الإستيطان إلى الحيثية 5 من ديباجة المشروع فقيمتها محدودة جداً، ليس فقط لإفتقادها لأي إمتداد على مستوى الفقرات العاملة، بل بسبب مضمون الفقرة نفسها التي لجأت إلى أسلوب إجتزاء النصوص.
الحيثية 5 من مقدمة مشروع القرار تنص على ما يلي: (إن مجلس الأمن) «إذ يؤكد مجدداً مبدأ عدم جواز إكتساب الأراضي بالقوة، وإذ يشير إلى قراراته 446(1979) و 452(1979) و 465(1980) التي تنص، ضمن جملة أمور، على أن سياسات إسرائيل وممارساتها التي تقيم بموجبها المستوطنات في الأراضي المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ليس لها أي سند قانوني وتشكل حجر عثرة خطير يحول دون التوصل إلى سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط».
وبالعودة إلى نص قرارات مجلس الأمن المذكورة (446، 452، و 465)()، يتضح أن مضمونها (كما ورد في النص الرسمي المعتمد) يتحدد كما يلي:
- القرار الرقم 446: «الممارسات الإسرائيلية بإقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عقبة خطرة في وجه السلام في الشرق الأوسط وليس لها أي مستند قانوني».
- القرار الرقم 452: «الطلب إلى سلطات الإحتلال الإسرائيلية وقف الأنشطة الإستيطانية في الأراضي العربية المحتلة، بما فيها القدس».
- القرار الرقم 465: «مطالبة إسرائيل بتفكيك المستوطنات القائمة والتوقف عن التخطيط للمستوطنات وبنائها في الأراضي العربية المحتلة، بما فيها القدس».
المقارنة بين ما ورد في الديباجة («المستوطنات ليس لها أي سند قانوني، وتشكل حجر عثرة خطير يحول دون التوصل إلى سلام..»)، بما في ذلك إستذكار قرارات مجلس الأمن، وما بين مضمون هذه القرارات الوارد أعلاه، تقود إلى ما يلي: مشروع القرار إستشهد بمضمون القرار 446، وهو الأضعف، وتجاهل تماماً مضمون القرارين 452 و 465 الأكثر قوة وتماسكاً، لاسيما القرار الرقم 465 الذي يطالب بتفكيك المستوطنات القائمة...
5 -■ تسببت الفقرة 10 من مشروع القرار بصيغته الأولى التي قدمت رسمياً إلى مجلس الأمن (في 17/12/2014) بإطلاق موجة إنتقادات واسعة لما إنطوت عليه من تنازلات، حيث أتت صياغة الفقرة على النحو التالي: (إن مجلس الأمن) «يهيب بالطرفين أن يمتنعا عن أي تصرفات إنفرادية وغير قانونية، بما في ذلك الأنشطة الاستيطانية، التي من شأنها أن تقوّض صلاحية الحل القائم على وجود دولتين إستناداً إلى البارامترات المحددة في هذا القرار».
وقد تركزت الإنتقادات الموجهة إلى هذه الفقرة على مايلي: إن الفقرة 10 تعني بالتحديد أن الأنشطة الإستيطانية – وليس أصل المشكلة، أي المستوطنات – باتت مطروحة حصراً من الزاوية التي «تقوض صلاحية الحل القائم على وجود دولتين»، وليس غير ذلك، وبالتالي لا مشكلة في مواصلة النشاط الاستيطاني في الكتل الكبرى التي يسلم مركز القرار الرسمي في م.ت.ف بضم أقسام منها إلى دولة إسرائيل في إطار ما يسمى ب «تبادل الأراضي».
■ أمام هذه الحالة، إضطر أصحاب المشروع إلى سحبه وإعادة تقديمه معدلاً (في 29/12/2014)، ما أدى – من بين جملة التعديلات – إلى تقسيم الفقرة المذكورة إلى فقرتين 10 و 11، أتت صيغتهما كما يلي:
- الفقرة 10 (المعدلة): (إن مجلس الأمن) «يهيب بالطرفين أن يمتنعا عن أي تصرفات إنفرادية وغير قانونية، وعن كل أعمال الإستفزاز والتحريض التي من شأنها أن تؤجج التوترات وتقوض صلاحية وإمكانية التوصل إلى حل قائم على وجود دولتين إستناداً إلى البارامترات المحددة في هذا القرار».
-الفقرة 11 (جديدة): (إن مجلس الأمن) «يكرر مطالبته في هذا الصدد بالوقف التام لجميع أنشطة الإستيطان الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية».
إن التعديل الذي وقع يشكل خطوة بالاتجاه الأفضل – لا ريب -، لكنه مع ذلك ينطوي على صياغة غامضة وملتبسة تقود من خلال الربط ما بين الفقرتين 10 و 11 (التي ورد فيها: «يكرر مطالبته في هذا الصدد..») إلى الربط ما بين «النشاط الإستيطاني» و «تقويض صلاحية وإمكانية التوصل إلى حل قائم على وجود دولتين..»..
إن ما يقوِّض الحل القائم على وجود دولة فلسطين، مستقلة وذات سيادة على حدود 4 حزيران (يونيو) 1967، ليس وقف النشاط الإستيطاني فحسب، بل رحيل الإحتلال بكل مظاهره، بما يعني تفكيك المستوطنات على كامل مساحة الضفة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، بحسب قرار مجلس الأمن الرقم 465، الذي ينبغي أن يستوعب في مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن بنصه الكامل وليس بنصوص مجتزأة من قرارات أخرى أضعف منه مضموناً ■
(4)
«تبادل الأراضي» يعني تعديل حدود ال 67
1 – إقرار قاعدة «تبادل الأراضي» لتعيين الحدود مع إسرائيل، سابقة خطيرة ترد للمرة الأولى – وللمفارقة على يد فلسطينية – في مشروع قرار أممي ذي طابع تنفيذي (وإن لم يكن ملزماً) يسعى مركز القرار الفلسطيني لإقراره من أعلى محفل دولي (مجلس الأمن)؛ إنه مشروع قرار يضع الدولة الفلسطينية على سكة المناقصة على حدود 4 حزيران (يونيو) 1967.
هذا ما تنطق به الفقرة 2: «حدود تستند إلى خط حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، مع إتفاقات محدودة ومتكافئة لتبادل الأراضي يتفق عليه الطرفان»؛ ما يستدعي الملاحظات التالية:
■ ينطوي مشروع القرار على تنازل واضح سبق للمركز القيادي الرسمي في م.ت.ف إعلانه في عديد المناسبات، مفاده: أن «تبادل الأراضي» («land swaps») مطروح بنسبة 1:1 على قاعدة المساواة بالقيمة والمثل، بينما المطروح في النص المقدم هو «إتفاقات متكافئة» (equivalent) وليس متساوية (equal) لتبادل الأراضي.
■ إن تعبير «إتفاقات محدودة» لتبادل الأراضي هو تعبير مطاطي بكل المقاييس، ويخضع لأكثر من تفسير: هل هو 3% أم 9% كما تطالب إسرائيل؛ على أي مساحة تحتسب هذه النسب، مع القدس أم بدونها، القدس البلدية بحدود 67، أم القدس الكبرى بحدودها الموسعة لما بعد الإحتلال؛ هل تشمل مساحة الضفة الغربية العمق المائي المشاطيء للبحر الميت، أم لا تشملها كما هو الموقف الإسرائيلي..
■ المقابلة بين النصين، العربي من جهة: «حدود تستند إلى خط حدود 4 يونيو 1967..»، والإنجليزي من جهة أخرى:
«borders based on 4 june 1967 lines»، تستدعي ملاحظتين: 1- عدم دقة في الترجمة: lines تعني خطوط، وليس خط حدود (!)؛ 2- تعبير «خطوط» من الناحية القانونية أقل صرامة وتحديداً وأكثر عرضة للتحريك من تعبير «حدود».
2 – إن خطورة إعتماد قاعدة «تبادل الأراضي» وإن أتت بصيغة «متكافئة ومحدودة»، تكمن في أنه إذا كان بإمكان الجانب الفلسطيني المعني بالقرار السياسي وبالمفاوضات، أن يحصّنها عندما يكون هو المعني وحده بصياغتها، فهو يفقد هذه القدرة كما علّمت التجربة – عندما يتشارك بها مع طرف آخر غير إسرائيلي (فما بالك إذا كان إسرائيلياً في إطار مفاوضات تنطوي بالضرورة على تسويات ما).
لقد علّمت التجربة أن الجانب الفلسطيني لا يلتزم بموقف ثابت في هذا الخصوص: ففي الرسالة الفلسطينية الموجهة إلى إجتماع «الرباعية الدولية» في ميونيخ (1/2/2013) يرد التأكيد التالي: «تحقيق مبدأ الدولتين على حدود 4 حزيران (يونيو) 1967 مع تبادل طفيف للأراضي بالقيمة والمثل»، بينما تنص الصيغة التي وردت في التفاهم الفلسطيني – الأمريكي (النقاط ال 13) التي أسست لإستئناف المفاوضات لمدة 9 أشهر (بدءاً من 29/7/2013) على: «تحقيق مبدأ الدولتين على حدود 1967 مع تبادل للأراضي متفق عليه»، وهي صيغة تنازلية عن التي سبقتها بكل المقاييس.
3 – في الوقت الذي مازالت فيه إسرائيل تصر على عدم قبول مبدأ الإنسحاب من الأراضي التي إحتلتها عام 1967، فإن القبول (لا بل المطالبة !) باعتماد قاعدة «تبادل الأراضي المحدود والمتكافيء» لتعيين حدود الدولة الفلسطينية يعني – إلى جانب التسليم بحق إسرائيل في ضم مناطق من أراضي ال 67 – تسويغ البناء الإستيطاني في مناطق معيّنة يتصرف الإحتلال على أساس أنه سيتم الإحتفاظ بها في أي تسوية قادمة ■
(5)
أراضي دولتنا: متصلة أم متواصلة؟
1 – في هذا الإطار تندرج الملاحظة التدقيقية التالية على ما ورد في أكثر من مكان في مشروع القرار، بما فيه الفقرة 1 من الفقرات العاملة حول «حل سلمي وعادل وشامل ينهي الإحتلال المستمر منذ عام 1967..»، التي لا يترتب عليها حلول الدولة الفلسطينية تلقائياً مكانه على كامل المساحة التي يحتلها، والتي ستخرج منها مناطق التبادل؛ كما أنه لا يعني بسط سيادة الدولة الفلسطينية حتى على مساحتها المنحسرة عن حدود ال 67، التي ستخرج عنها – جزئياً أو حتى كلياً – المناطق المشمولة بالترتيبات الأمنية.
هذه الأمور المعروفة، لا بل البديهية، تستدعي تحصين النص القاضي «بإنهاء الإحتلال المستمر من عام 1967» من خلال الربط المباشر بنص واضح عن «الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على حدود 4 حزيران (يونيو) 1967».
2 – إلى هذا، فإن دولة فلسطينية «ذات أراضي متصلة جغرافياً (contiguous) لها مقوّمات البقاء (viable)» كما ورد أيضاً في الفقرة 1 تفتح أبواب جهنم على أمرين:
■ الأول، سبقت الإشارة إليه، في سياق التنبيه إلى مخاطر تطبيق معادلة «تبادل الأراضي» التي تفتح على إدعاء أن ضم الكتل الإستيطانية الكبيرة لا يقوّض «مقومات البقاء» للدولة الفلسطينية، باعتبارها تقع في القاطع الغربي للضفة الفلسطينية.
■ والثاني، أنه يفتح على الإدعاء بأن ضم بعض المستوطنات في قلب أو في مناطق أخرى من الضفة الفلسطينية، لا يقوِّض مقوّمات البقاء للدولة الفلسطينية، طالما أنها – أي المستوطنات – متصلة مع إسرائيل من خلال منشآت البنية التحتية، وطالما – بالمقابل – مناطق الضفة المخترقة بالمستوطنات متصلة فيما بينها (وليس متواصلة) بنفس الطريقة وبالكوريدورات البرية الضيقة.
3 – هذا ما يمكن أن يقود إليه تطبيق مصطلح «الأراضي المتصلة (contiguous) جغرافياً» (وترجمتها أيضاً «متماسة، متلاصقة»)، الأقل مناعة بإزاء هذه الإحتمالات.
إن مفهومي ال (contiguity) وال (continuity) ليسا متطابقين، وإستخدام الأول وليس الثاني لا يحكمه إيثار الضبط المصطلحي وإعتبارات الدقة القانونية، وخلفيته ليست محايدة، بل سياسية، تعبر عن موقف متحيّز للتصور الإسرائيلي القائم ليس على شهوة الضم فحسب، بل على السعي قدر المستطاع إلى تقويض مقومات البقاء للدولة الفلسطينية لجعلها كسيحة ما أن ترى النور.
في هذ السياق، من المفيد التذكير بأنه سبق للرئيس جورج بوش الإبن في الكلمة التي ألقاها في قمة شرم الشيخ (3/6/2003)، أن إستخدم تعبير (continuous) بالنسبة لأراضي الدولة الفلسطينية، ومن ثم تراجع عنه بعد إحتجاج الحكومة الإسرائيلية عليه؛ فتم «تصويب»(!) ذلك فيما بعد بالنص الإنجليزي الصادر عن مكتب برامج الإعلام الخارجي بوضع كلمة متصلة (contiguous)، بدلاً من متواصلة (continuous) التي وردت في كلمة الرئيس الأمريكي() .
كما تجدر الإشارة إلى الإختلاف بين الوثائق الرسمية باللغة الإنجليزية ومثيلاتها باللغة الفرنسية في إستخدام هذين المصطلحين بجذرهما اللاتيني الواحد، ومعناهما الواحد في كلا اللغتين، حيث continuous تساوي continu، و contiguous تساوي contigu؛
ففي خطة «خارطة الطريق» – على سبيل المثال – وفيما يتعلق بأراضي الدولة الفلسطينية، يرد في النص الإنجليزي():
contiguity territorial، بينما النص الفرنسي() يرد فيه: continuite' territoriale ، الذي حل مكانه في السنوات الأخيرة تعبير بنفس المعنى ضبطاً، هو d'un seul tenant (ومرادفها الفرنسي هو d'un seul morceau)، وترجمتها العربية هي: قطعة واحدة (حتّة واحدة في بعض اللهجات العربية) التي تعني، قولاً واحداً: مساحة واحدة، سوية ومتجانسة، لا تتخللها بقع الإستيطان، ولا بثورها، ولا ثقوبها (جلد الفهد، او الجبنة السويسرية تبعاً لإستخدامات الصحافة الإسرائيلية).
(6)
عاصمة بلا جغرافيا محددة
■ من أكثر نقاط المشروع إنتقاصاً للحقوق الوطنية وتهديداً لها، ما أتت عليه الفقرة 2 حول وضع القدس، والأدق مكانتها: «حل عادل ومتفق عليه لوضع القدس بوصفها عاصمة للدولتين بما يلبي التطلعات المشروعة لكلا الطرفين ويصون حرية العبادة».
■ بداية، نلاحظ أن هذه الصيغة لا علاقة لها البتة بالحيثية 3 في ديباجة مشروع القرار: «.. حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والإستقلال في دولته فلسطين، وعاصمتها القدس الشرقية»؛ كما أنها لا تمت بصلة إلى الحيثية 6، التي تشير إلى قرار مجلس الأمن الرقم 478(1980)، الذي لا يعترف بضم القدس الشرقية إلى إسرائيل الخ..
■ إن خلو هذه الفقرة تماماً من أي ذكر للقدس الشرقية ليس كعاصمة لدولتنا وحسب، إنما أيضاً كجغرافيا وحدود، كما خلوها من أية إشارة إلى عدم الإعتراف بضم القدس الشرقية على حدود 4 حزيران (يونيو) 1967، يسقط عن القدس الشرقية صفتها كمدينة محتلة ينطبق عليها ما ينطبق على سائر المناطق المحتلة في الضفة الغربية، وتسري عليها قرارات الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي..، ما يفترض ويملي الإنسحاب الإسرائيلي منها جيشاً وأمناً ومستوطنات..
■ القدس عاصمة لدولتين، إذا تطمس حدود القدس الشرقية، تجعلها بلا معالم سياسية وسيادية محددة، تمهيداً لضم معظم مساحتها إلى إسرائيل، والتأسيس لقدس بجغرافيا أخرى تشتمل على بعض أحيائها التي لم تستوطن بعد مع بعض الضواحي والقرى والمخيمات المتاخمة لها في الضفة الغربية (أبو ديس، العيزرية، قلنديا، السواحرة الشرقية، الرام، كفر عقب،..)، حيث بالإمكان أن تقام فيها، القدس عاصمة الدولة الفلسطينية.
(7)
الترتيبات الأمنية، المياه وأسرى الحرية
1 – «الترتيبات الأمنية ستكون في صدارة المفاوضات»، هذا ما تشير إليه الفقرة 4 التي – تأكيداً على محوريته – لا تتطرق سوى إلى موضوع الأمن، الذي يجري التوسع فيه بحيّز هو الأكبر في مشروع القرار من خلال الفقرة 2 التي تستدعي الملاحظات التالية:
■ النص على ترتيبات أمنية لا تقتصر على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بل تشمل أيضاً مشاركة «أطراف ثالثة» (لا تسميها) بالنسبة لبعض الأمور (لا تحددها).
■ عدم النص على إطار زمني للترتيبات الأمنية.
■ الإشارة الصريحة إلى «الإدارة الفعالة لأمن الحدود»، ما يعني الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية، باعتبار الحدود الجنوبية (رفح) بالمسئولية المصرية، والحدود الغربية للضفة والشمالية لغزة تكون بيد إسرائيل.
■ النص على «الإنسحاب الكامل والتدريجي لقوات الإحتلال... وذلك على مدى فترة إنتقالية... إطارها الزمني.. لا يتجاوز نهاية عام 2017» يطرح تساؤل عن وظيفة الإشارة إلى فترة إنتقالية، لا نرى لها ضرورة طالما الكلام يدور عن إنسحاب كامل وتدريجي بإطار زمني محدد(!)؛ إلا إذا كان المقصود من هذه إستعادة منطق «الفترة الإنتقالية» سيئة الصيت لاتفاقيات أوسلو.
2 – الفقرة 5: «التسوية العادلة لجميع المسائل الأخرى المتبقية، بما في ذلك المياه والسجناء»، لا تذكر مرجعية القوانين والإتفاقيات الدولية المعتمدة لحل قضايا توزيع المياه بين الدول؛ كما أنها لا تذكر إنطباق إتفاقية جنيف لعام 1949 على أسرانا، الأمر الذي أتى قرار 19/67 للجمعية العامة (29/11/2012) على ذكره بالنص: «تأكيد إنطباق إتفاقية جنيف 1949 على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ... بما يشمل مسألة السجناء».
(8)
حق العودة.. بين القرار 194 و «الحل المُتفق عليه»
1 -■ القرار 194، قرار تأسيسي راسخ المكانة في منظومة قرارات الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي المتعلقة بالقضية الفلسطينية بشكل عام، وقضية اللاجئين من ضمنها؛
القرار 194 الذي رأى النور في العام 1948 لم يَشِخْ بعد، ولم يتقادم، ومازال يحتفظ بنضارته وبكامل راهنيته، فهو يعرض على التصويت سنوياً في الأمم المتحدة؛ ووكالة الغوث تأسست بموجبه؛ ولم تعتمد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة إلا بعد أن قبلت به؛ وفتوى محكمة لاهاي بخصوص «الجدار» إستذكرته في أكثر من سياق؛ وهو يقع في صلب تعريف حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني التي بنيت عليه عديد القرارات الرئيسية للأمم المتحدة، ومنها القرار 3236؛ وآخرها ما ورد في القرار 19/67، قرار العضوية المراقبة لدولة فلسطين: «حل مشكلة اللاجئين على نحو عادل وفقاً للقرار 194 (د-3)» قولاً واحداً وبدون أية إضافات أو إستدراكات تُشرك بالقرار أو تضعف وحدانيته..
والحديث يطول.. لذلك دأبت الولايات المتحدة (ومعها إسرائيل)، على النيل من القرار 194، ولأنها – لرسوخه في منظومة القرارات الدولية – لا تستطيع تقويض مرتكزاته، ولا التخلص منه، فهي تسعى – حتى إشعار آخر – لدفعه إلى منحدر تآكل مكانته..
■ في هذا الإطار يدرك الرأي العام الفلسطيني الفارق الهائل بين موقف سياسي ثابت يرمي إلى تصفية قضية اللاجئين من خلال إلغاء حق العودة؛ وبين موقف دعاوي – إعلامي عابر موجه إلى الرأي العام الإسرائيلي بوهم كسبه أو تحييده، أو كسب وتحييد أوساط منه:
- الموقف الأول تعبّر عنه سياسة بعض الدول، وفي فلكه تصدر دراسات وتنعقد فعاليات ومؤتمرات، لعل أشهرها مؤتمر جنيف – البحر الميت الذي صدرت عنه وثيقة بنفس العنوان()، ومن بين محاورها الرئيسية حل لقضية اللاجئين يقوم على تحويل حق العودة إلى الديار إلى حق إختيار مكان للسكن خارجها (!).
- الموقف الثاني تعبّر عنه تصريحات تطمينية على غرار أن ملايين الإغتراب الفلسطيني ليست ولن تكون بوارد ممارسة حق العودة؛ وبعضها لا يخلو من الغرابة، عندما يحوّل حق العودة إلى الديار إلى حق السماح بزيارتها(!).
2 -■ مبادرة السلام العربية() (2002) لحل قضايا الصراع العربي – الاسرائيلي تعبر عن سياسة واقعية ومسؤولة تقوم على معادلة الكل مقابل الكل، أي: مقابل حل قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي بكافة أوجهها (بما في ذلك قيام الدولة الفلسطينية وحل قضية اللاجئين..)، إعتبار النزاع العربي – الإسرائيلي منتهياً والدخول في إتفاقية سلام شامل مع إسرائيل..
■ على واقعيتها وتوازنها إجمالاً، لم تجد هذه المبادرة نفسها في السياسة العملية، لأنها إفتقدت إلى نسبة قوى تعطيها دفعاً كافياً في مواجهة التعنت الإسرائيلي بعمقه الأمريكي. إلى هذا، لم تقم الجامعة العربية بوضع خطة تنفيذية تبقي هذه المبادرة حاضرة على رأس جدول الأعمال السياسي في المنطقة وفي الحركة السياسية بمداها الدولي. وبالنتيجة، وعلى الرغم من إمكانياتها الكامنة لإحداث تحول نوعي في علاقات الدول والقوى في الإقليم، أُحيلت المبادرة عملياً إلى الأرشيف وفقدت أي دينامية سياسية، وإكتفت الأمم المتحدة بأن تأخذ علماً بها، ولم تسعَ إلى تبنيها رسمياً، ناهيك عن تحويلها إلى آلية عمل، حالها حال الجامعة العربية.
3 -■ الموقف الإيجابي عموماً من مبادرة السلام العربية، لا يلغيه عدم الموافقة على الفقرة 2/ب: «التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 194»، التي تستبطن تناقضاً بين الحل المُتفق عليه الذي يعطي إسرائيل حجة لرفض حق العودة، والقرار 194 الذي يكفل للاجئين حق العودة إلى الديار والتعويض.
■ قد يُقال، أنه ليس من وظائف المبادرة أن تحل هذا التناقض، فهذه متروكة لمسار تشكل نسبة القوى، إلى جانب أنها ستكون مهمة المفاوضات نفسها. أما بالنسبة لنا، فإن الكلمة المفتاحية في مبادرة السلام العربية ليست «الحل المتفق عليه»، بل القرار 194 الذي يكفل حق العودة إلى الديار مع التعويض.
4 -■ تنص الفقرة2 في مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن في الجانب المتعلق بقضية اللاجئين على التالي: «حل عادل ومُتفق عليه لقضية اللاجئين على أساس مبادرة السلام العربية وأحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها القرار 194 (د-3)».
إن هذه الصيغة تهبط بسقف ما ورد بهذا الخصوص في مقدمة القرار 19/67: «حل مشكلة اللاجئين على نحو عادل وفقاً للقرار 194 (د-3)»، التي لم تدخل في متاهات «الحل المتفق عليه»، وربطت الحل مباشرة بالقرار 194 وحده.
كما أنها تهبط حتى بسقف ما ورد في الفقرة 2/ب لمبادرة السلام العربية، التي وإن أشارت إلى «الحل المتفق عليه» إلا أنها ربطته مباشرة بالقرار 194، ولم تذكر سواه.
بينما إعتبر المشروع الفلسطيني في الفقرة 2، القرار 194 من بين قرارات أخرى للأمم المتحدة، لم يذكر أي منها، مع أنها كلها تنطلق من القرار – المرجع، القرار الرقم 194.
إن من يملك القرار – الأستاذ، القرار 194، ليس مضطراً لإدخال أية إضافة على أي نص يتعلق بموضوع اللاجئين، فتجعله عرضة لتفسيرات تؤدي إلى تغيير مضمونه، إن لم يكن تعطيله؛ والواضح أن أصحاب مشروع القرار الفلسطيني حاولوا جاهدين تخفيف «قيد» القرار 194 ما أمكن، في محاولة للتهرب من الإلتزام بموجباته ■
(9)
التنازل يستجر التنازل
1 – لماذا تتكرر جملة «دولة فلسطينية تتوفر لها مقوّمات البقاء» في الأدبيات السياسية المتداولة بمختلف أشكالها وتعدد مصادرها، بما فيها قرارات الأمم المتحدة، وبيانات الرباعية الدولية، والإتحاد الأوروبي وغيرها...؛ لماذا تخصص فلسطين بهذه اللازمة؟ فهي لن تكون أصغر الدول المستقلة مساحة، ولا أقلها سكاناً، ولا أفقرها موارداً؛
فلسطين ستكون دولة بمساحة معتبرة وموقع جغرافي متميّز، دولة منتجة للغاز تجمع بين السياحة الدينية المزدهرة والتكنولوجيا عالية الإختصاص، بكتلة سكانية مندمجة وكفؤة ومتواصلة مع إنتشارها في كل مكان، كتلة جبلها التاريخ والإرتباط بالأرض، وبالمعاناة المديدة حوّلها إلى شعب فخور، معتز بهويته الوطنية دون تشوّف على الآخر.
فلسطين لا تملك «مقومات البقاء» وحسب، إنما فائضاً من هذه المقوّمات، يتيح لها أن تبني نفسها دولة مستقرة، مزدهرة وفاعلة في محيطها.
2 – طالما معطيات دولة فلسطين بهذا الأفق الواعد، ما هو مبرر إشارة مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن إلى «مقوّمات البقاء»، وكأننا بصدد التأسيس لمشروع «دولة فاشلة»؟
الأسباب عديدة لا ريب، لكن أهمها يعود إلى تلك السياسة التي عبّر عنها مشروع القرار الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن، الذي لم يعد يُسلم بالقبول، بل بات يطالب بمفاوضات:
■ تفتتح بالترتيبات الأمنية قبل الحسم بقضايا الحل، فيضحي المطلوب من هذه القضايا أن تتكيف مع متطلبات الأمن الإسرائيلي (كما تتصورها دولة الإحتلال) التي تستهدف الأرض والشعب، كما تطاول السيادة ومتطلبات الإقتصاد.
■ مفاوضات تسقط قضية المستوطنات كقضية مستقلة وقائمة بذاتها من جدول أعمالها؛ وتقبل بالقدس فاقدة المعالم الجغرافية والسيادية عاصمة؛ وبتبادل أراضٍ يلغي حدود ال 67 بدعوى التكافؤ، أي بما هو أقل من التساوي؛ وبدولة ذات أراضٍ متصلة بين مختلف قطعها بكوريدورات ضيّقة (منها الطبيعي، ومنها الإنشائي) بديلاً عن الدولة متواصلة الأراضي، كما هو حال سائر دول المعمورة؛
■ مفاوضات تبحث بقضية اللاجئين في إطار «الحل المُتفق عليه»، تُبهت فيها مرجعية القرار – الملك 194، بما يهبط بسقف ما ورد بهذا الخصوص في القرار 19/67، وحتى في الفقرة ذات الصلة في مبادرة السلام العربية.
3 - ■ إن هذه البارامترات («المعايير») لحل قضايا الحل الدائم لن تكون نهاية المطاف، فالتنازلات المشار إليها هي العرض الفلسطيني الذي سيقابله العرض الإسرائيلي، ما سيقود إلى مناقصة أولى؛ علماً أن المفاوضات على إفتراض وصولها إلى نتيجة، ستقود إلى مناقصة ثانية؛ فماذا سيبقى من الأرض والقدس والحدود، إذا ما إستمرت الأمور على هذا المنوال.
■ أمام هذا المشهد تتضح خطورة الفقرة 3 في مشروع القرار: (إن مجلس الأمن) «يُسلم بأن إتفاق الوضع النهائي سيضع حداً للإحتلال وينهي جميع المطالب وسيؤدي إلى الإعتراف المتبادل على الفور».
إن هذه الفقرة تشير إلى أن «التوصل إلى إتفاق الوضع النهائي.. ينهي جميع المطالب»، وليس إنجاز تطبيق الإتفاق على الأرض، ما يعني أن إسرائيل تأخذ قبل أن تعطي؛ فكم من إتفاقات عُقدت ولم تنفذ.. وكم من سقوف زمنية خُرقت باعتبار المواعيد ليست مقدسة.. وكم من إتفاقات عُقدت، ثم إستوجبت إعادة التفاوض عليها أو على بعض جوانبها – بإتجاه هابط – ومنها: الإتفاقية الإنتقالية (1995) التي جرى توضيح بعض جوانبها في بروتوكول الخليل (1997)، الذي أعادت مذكرة وأي ريفر برمجة إستحقاقاته، فأتى إتفاق طابا (1999) لتأجيل هذه الإستحقاقات عملياً (!)■
(10)
من أجل إستعادة المبادرة الوطنية
■ لقد كان الهدف من التوجه إلى مجلس الأمن هو الحصول على قرار دولي يبيّن حدود الدولة الفلسطينية بعاصمتها، ويؤكد ضرورة إنهاء الإحتلال بسقف زمني محدد؛ فإذا بنا أمام مشروع قرار فلسطيني يسعى إلى مفاوضات ثنائية تنعقد بشروط هابطة، هي التي ستحدد مضمون الحل، بما فيه الحدود والعاصمة الخ..
فبماذا إختلف الوضع عما سبق، إن لم يكن بترسيم تنازلات فلسطينية إضافية في قرار دولي سيستخدم ضد الشعب الفلسطيني ومطالبه المشروعة، ويشكل – إلى هذا – مقدمة لتنازلات أخرى ستطالبنا بها واشنطن وبعض العواصم الأوروبية قبل تل أبيب.
إن إنفراد القيادة الرسمية المتحكمة بالقرار، باعتماد سياسات وإتخاذ قرارات تؤثر سلباً على المسار الوطني بأسره يسلط الضوء على جوانب خلل واضحة في آلية إتخاذ القرار الوطني وفي بنية المؤسسة الرسمية وعلى مستوى رأس الهرم، بما يؤدي إلى إدارة الظهر لأبسط أصول المشاركة السياسية في بلورة القرار الوطني.
■ هذا الوضع وتلك الممارسة تضع الحالة الفلسطينية أمام معضلة مركبة: من جهة خلل في آلية التشاور والمشاركة بين القوى السياسية المؤتلفة في إطار منظمة التحرير؛ ومن جهة أخرى إنقسام داخلي مزمن لم تفلح جهود المصالحة حتى اللحظة في رأب صدعه، إنقسام يؤدي إلى وضع قوى سياسية رئيسية فاعلة خارج دائرة المساهمة بإجتراح السياسة وإتخاذ القرار.
إن هذا الوضع بات يستوجب المسارعة إلى سحب مشروع القرار الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن من التداول، والإقلاع عن التفكير بتجديد طرحه كما هو، وإعادته إلى اللجنة التنفيذية لتصوغ بدلاً منه مشروعاً جديداً ينطلق من الحقوق الفلسطينية المجمع عليها وطنياً والمؤكد عليها في قرارات الشرعية الدولية، ليطالب بإنهاء الإحتلال بسقف زمني محدود ومحدد، وعلى قيام دولة فلسطين على حدود الأرض المحتلة بعدوان 1967 الخ..
وفي هذا الإطار، وعلى قاعدة رد الإعتبار إلى الدور القيادي الوطني للجنة التنفيذية بما تمثله، الدعوة إلى عقد إجتماع فوري للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الذي يضم إلى اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني وعدد من الشخصيات الوطنية المستقلة، الأمناء العامين لفصائل م.ت.ف وحركتي الجهاد وحماس، لإدارة حوار وطني شامل، يقيّم المرحلة السابقة، والأوضاع التي تحيط بالقضية الوطنية الفلسطينية، للوصول إلى توافق وطني على سياسة بديلة وإستراتيجية كفاحية جديدة، تجمع بين النضال في الميدان، ومواصلة الهجوم السياسي والقانوني والدبلوماسي، وفق معايير الإجماع الوطني، ولمواجهة تداعيات المرحلة القادمة وإستحقاقاتها على الصعد المختلفة، السياسية والاقتصادية والأمنية والإجتماعية بما في ذلك مشروع إعادة الإعمار في قطاع غزة.
نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
7 كانون الثاني (يناير) 2015
هوامش
1 راجع مشروع القرار المقدم باللغتين العربية والإنجليزية.
2 راجع نص التعديلات في الملحق 1.
3 راجع الصفحات 276، 279، و 465 في كتاب «قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي»- المجلد الثاني (1975 – 1982) الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية. الطبعة الأولى: بيروت، كانون الثاني (يناير) 1994.
4 راجع بالنسبة لهذا الموضوع بكامله الصفحات 55، 153، 161، 171 و 195 من كتاب «خارطة الطريق .. إلى أين؟»، الصادرة عن دار التقدم العربي. ط1: نيسان (أبريل) 2004.
5 راجع ص 161 و 171 في كتاب «خارطة الطريق.. إلى أين؟».
6 راجع نفس المصدر أعلاه (الهامش2).
7 ■ راجع الدراسة بعنوان: «الظل والصدى.. قراءة في وثيقة جنيف – البحر الميت»، ص 9-84 من كتاب «قبل الرحيل.. في السياسة والنظام الفلسطيني»، الصادر عن شركة دار التقدم (بيروت) والدار الوطنية الجديدة. الطبعة الأولى: أيار (مايو) 2005.
وكذلك ص132 – 145 من مجلة «مختارات إسرائيلية» الشهرية، العدد 121، تاريخ يناير 2005، الصادرة عن «مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية» في الأهرام – القاهرة.
■ راجع الدراسة بعنوان: «وثيقة جنيف.. الوظائف والإنعكاسات»؛ ص 73-88 من كتاب «رئاسية 2005» الصادر عن نفس الدارين أعلاه. الطبعة الأولى: آذار (مارس) 2006.
8 راجع نص المبادرة في الملحق 3.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.