ستظل سنة 2014 محفورة في ذاكرة الشعب الهندي أبد الدهر، باعتبارها تؤرخ لبداية عهد جديد دخلت معه البلاد سجل الإنجازات الفضائية من بابه الواسع، بعد أن نجح مسبارها الفضائي «مانغاليان» في دخول مدار كوكب المريخ. ويمكن اعتبار نجاح بعثة الفضاء الهندية في بلوغ الكوكب الأحمر أهم حدث ميز شبه القارة الهندية خلال السنة التي نودعها، إذا ما تم استثناء وصول حزب «بهاراتيا جاناتا» القومي الهندوسي، الذي يقودها الوزير الأول الحالي ناريندرا مودي، إلى السلطة بعد فوز كاسح في الانتخابات التشريعية التي جرت متم شهر ماي الماضي، منهيا بذلك سنوات من حكم حزب «المؤتمر» الهندي الذي تتزعمه عائلة نهرو-غاندي. لقد شكل نجاح هيئة الأبحاث الفضائية الهندية في غزو الفضاء بإمكانياتها المادية ومواردها البشرية الذاتية، حدثا بارزا عزز الشعور القومي للمواطن الهندي، ورفع من شأن البلاد ومكانتها على الصعيد العالمي، بعد أن جعلها أول بلد آسيوي يتمكن من الدوران حول الكوكب الأحمر، متجاوزة الجار الصيني الذي يملك برنامجا فضائيا منذ سنوات. وقد حظيت البعثة الفضائية الهندية نحو المريخ، منذ البدايات الأولى لهذا المشروع الطموح، باهتمام كبير لدى الرأي العام في البلاد ومختلف شرائح المجتمع، بعد أن رأت فيه نصرا معنويا وفخرا وطنيا وتفوقا واضحا على الصعيدين الدولي والإقليمي، لاسيما في مواجهة الجارين اللدودين الصين وباكستان. كما استأثرت الرحلة الفضائية نحو الكوكب الأحمر باهتمام وعناية من لدن الحكومة الهنديةالجديدة، يتقدمها الوزير الأول ناريندرا مودي، الذي اتخذ مكانا له بجوار طاقم العلماء في مركز القيادة التابع لهيئة الأبحاث الفضائية الهندية في مدينة بنغالور، طيلة أطوار المرحلة الأخيرة من بلوغ المسبار «مانغاليان» مدار كوكب المريخ. وحسب المراقبين فإن مودي، رجل الدولة والسياسي القادم من حزب هندوسي قومي، احتضن المشروع الفضائي منذ لحظة تنصيبه على رأس الحكومة، وذلك في مسعى لترسيخ أقدام الهند وإعلاء مكانتها كفاعل رئيسي في سوق تكنولوجيا الفضاء، التي تتجاوز ميزانيتها 300 مليار دولار، على الرغم من المنافسة القوية مع الصين المجاورة التي تتوفر هي الأخرى على برنامج فضائي، كما تملك منصات إطلاق أكبر.وبنجاح البعثة الفضائية نحو المريخ، اعتبرت وسائل الإعلام الهندية، بمختلف تلاوينها واتجاهاتها، أن هذا الإنجاز التاريخي الفريد، يقدم البرهان الساطع على المستوى العلمي المتقدم الذي وصلت إليه البلاد، مبرزة أن نجاح مهمة المسبار الفضائي «مانغاليان» في الدوران حول المريخ يشكل دفعة قوية لبرنامج الهند الفضائي الذي يمتد لخمسة عقود. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن النجاح الذي حققه البرنامج الفضائي الهندي بأقل تكلفة مادية، يدعو الحكومة الهندية ومختلف السلطات المعنية إلى التوسع أكثر في هذا البرنامج الواعد وإيلائه العناية اللازمة، عبر دعمه بوسائل مادية مهمة وبنيات تحتية أساسية وتكنولوجيا أفضل. وفي هذا الصدد، أفادت هيئة الأبحاث الفضائية الهندية بأن «المسبار الفضائي الهندي الذي بلغ الغلاف الجوي للمريخ تحمل رحلة شاقة استمرت 11 شهرا للوصول إلى الكوكب الأحمر، لكن محركه الصاروخي الرئيسي ظل ساكنا خلال تلك الفترة، بانتظار اللحظة الحاسمة التي انطلق فيها بنجاح وتابع المهمة الفضائية على أكمل وجه. وأضافت أن تلك العملية التقنية ارتكزت بالأساس على إطلاق محرك المسبار «نيوتن 400» وجعله في وضعية تشغيل قصوى، من أجل إتمام المرحلة الرابعة والأخيرة لتصحيح مسار المسبار، ليكون جاهزا لدخول الغلاف الجوي للمريخ. وتهدف مهمة البعثة الفضائية الهندية نحو المريخ، التي كلفت أقل ميزانية في تاريخ هذا النوع من الرحلات، إلى دراسة سطح كوكب المريخ وتركيبته وإجراء مسح على غلافه الجوي بحثا عن غاز الميثان، المركب الكيميائي الذي أدى إلى وجود الحياة على سطح الأرض. تجدر الإشارة إلى أن المسبار الفضائي الذي بلغ كوكب المريخ، يندرج في إطار مشروع فضائي هندي واعد تصل تكلفته إلى 4,5 مليار روبية (75 مليون دولار)، حيث نجحت الهند في إقامة هذا المشروع الفضائي بأقل تكلفة يعرفها قطاع الصناعات الفضائية على الصعيد العالمي. وكان المسبار الفضائي الهندي قد أطلق يوم خامس نونبر من عام 2013 من محطة سريهاريكوتا في ولاية «اندرا براديش» الواقعة جنوب البلاد، وعلى متنه مركبة إطلاق الأقمار الاصطناعية، بهدف بلوغ الغلاف الجوي لكوكب المريخ يوم 24 شتنبر المنصرم.