انطلقت أول أمس الثلاثاء في العاصمة القطرية الدوحة قمة بلدان مجلس التعاون الخليجي لتكون بمثابة تتويج لسنة من الأحداث والتقلبات التي جعلت مشغل الأمن وتحقيق الاستقرار في مقدّمة أولويات بلدان المنطقة ككل، وحتى القوى الدولية الشريكة لتلك البلدان في عدّة ملفات حيوية. وستكون التحديات المطروحة على بلدان الخليج والمنطقة ككل لها وجه إيجابي في رفع درجة التضامن بين تلك البلدان وتسريع وتيرة بناء مؤسسات التعاون والتكامل بينها سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وهو الأمر الذي سيختبر عمليا اليوم خلال القمة الخليجية الخامسة والثلاثين بالعاصمة القطرية الدوحة. وتوقع مراقبون استنادا إلى معلومات رشحت عن كواليس التحضير لقمّة الدوحة أن تلقي تعقيدات الأوضاع الإقليمية بظلالها على المناسبة وأن تجعل من المعطى الأمني أحد أهم بنودها، إضافة إلى ملفات أخرى لا تقل أهمية من ضمنها الملف الاقتصادي، خصوصا مع ما استجد من تقلبات في سوق النفط السلعة ذات الأهمية القصوى لاقتصاديات بلدان الخليج. غير أن المراقبين توقّعوا أنّ يكون لحجم التحديات المطروحة على بلدان الخليج وجه إيجابي في رفع درجة التضامن بين تلك البلدان وتسريع وتيرة بناء مؤسسات التعاون والتكامل بينها سياسيا واقتصاديا وأمنيا، متوقعين من ثم أن تطغى السمة العملية على قمة الدوحة، وأن توضع خلالها عدة هياكل ومشاريع مشتركة على سكة الإنجاز الفعلي. وفي هذا السياق قالت مصادر خليجية إن قمة بلدان مجلس التعاون الخامسة والثلاثين ستركّز على ملفي الأمن والاقتصاد، حيث من المتوقع أن يبحث القادة خطة توسعة قوات درع الجزيرة، وكذلك مقترح تحويلها إلى قوة مستقلة عن الجيوش الوطنية الخليجية ومضاعفة عدد أفرادها، وكذلك ملف السوق الخليجية المشتركة في جانب النقل والمواصلات والاطلاع على آخر ما تم التوصل إليه بشأن قطار الخليج المشترك الذي يربط دول الخليج والمقرر انطلاقته في العام 2018. وستشهد القمة كذلك مناقشة لأبرز ما توصلت إليه اللجنة الخاصة بمناقشة الانتقال إلى مرحلة "الاتحاد الخليجي" التي دعا إليها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الرياض عام 2011 حيث من المقرر أن يتم تعديل بعض النقاط في هيكل النظام الأساسي للمجلس. وكان أمين عام مجلس التعاون عبد اللطيف الزياني كشف أمس عن الخطوط العريضة لاهتمامات قمة الدوحة، قائلا في حديث صحفي إن المجالات الدفاعية والأمنية ستكون ضمن جدول أعمال قادة دول المجلس في قمّتهم التي تعقد "في ظل ظروف إقليمية حساسة وتحديات عديدة"، على حد وصفه. كما كشف الزياني في حديثه لصحيفة الأيام البحرينية أنّ هناك قيادة عسكرية خليجية موحدة يجري العمل على تفعيلها حاليا واستكمال عناصرها التنظيمية المختلفة، معلنا أن قوة درع الجزيرة ستنضوي تحت هذه القيادة. وقال الزياني إن منظومة مجلس التعاون كيان راسخ ويحظى بمكانة مهمة على المستويين الإقليمي والدولي، وأن دول المجلس بمكانتها واستخدامها الأمثل لقدراتها وعناصر القوة لديها بمختلف أنواعها العسكرية والاقتصادية والسياسية وموقعها الجغرافي قادرة على مواجهة ما تعترضها من تحديات ومخاطر. وأشار إلى أن الأحداث والمتغيرات التي تمر بها المنطقة، منذ إنشاء المجلس قبل أكثر من ثلاثة عقود، تؤكد إدراك قادة دول التعاون للمخاطر التي تواجه هذه الدول في حاضرها ومستقبلها المنظور، وبالتالي فقد جاء تأكيد القادة، على تضامن دول المجلس وعزمهم الوقوف صفا واحدا في مواجهة مختلف المخاطر والتحديات، والحرص على تعزيز وتعميق التعاون في مختلف المجالات بما فيها المجال الدفاعي. ثم جاءت الاتفاقية الدفاعية لتنص على ذلك في العديد من موادها تأكيدا للعزم على الوقوف يدا واحدة في مواجهة مختلف الأخطار والظروف وكان من الطبيعي أن يحظى التعاون العسكري بعناية خاصة من لدن القادة ومن المسؤولين المعنيين على مختلف المستويات. ورأى الزياني أن مسيرة مجلس التعاون الخليجي كانت حافلة بالإنجازات المهمة في مسيرة التكامل الخليجي، كالاتحاد الجمركي، والسوق المشتركة، والاتحاد النقدي، ومشروع الربط الكهربائي بين دول المجلس، بالإضافة إلى العديد من المشروعات الاستراتيجية التكاملية التي ما تزال في طور الدراسة الفنية كالسكك الحديدية، والربط المائي، ومشروع الأمن المائي، والأمن الغذائي. وذكر أمين عام مجلس التعاون بأنه تم تأسيس العديد من الهيئات الخليجية المتخصصة في مجالات التعاون المشترك، بالإضافة إلى توحيد العديد من الأنظمة والتشريعات القانونية، وتوحيد المعايير والمقاييس الخليجية للسلع والمنتجات. وبشأن العلاقة مع إيران قال الزياني "نحن ننظر إلى إيران كبلد جار، وتربطنا بالشعب الإيراني المسلم روابط تاريخية وحضارية، وينبغي أن تبنى العلاقات معه على أساس التعاون والمصالح المشتركة، وإن دول مجلس التعاون تدعو دائما إلى احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس والدول العربية، واحترام مبادئ حسن الجوار، وإلى حل الخلافات بالحوار البنّاء والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها، وأن يكفل الحل النهائي لبرنامج إيران النووي الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق المعاهدات والاتفاقات الدولية، ومعايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها، مع ضمان عدم تحوّل البرنامج في أية مرحلة من مراحله إلى الاستخدام العسكري". وحول موقف مجلس التعاون من تطورات الأوضاع في اليمن بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء وتمددهم إلى باقي المحافظات، أكد الزياني أن دول مجلس التعاون سعت من خلال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية إلى تجنيب اليمن ويلات الحرب الأهلية والدمار وتحقيق حل سياسي سلمي للأزمة اليمنية، وكان الهدف الأساسي هو منع سفك الدماء اليمنية والحفاظ على أمن اليمن واستقراره ووحدته وسيادته، والوصول إلى صيغة سياسية تتوافق عليها كل القوى اليمنية تمهد لإطلاق عملية تنمية شاملة. ويبرز من كلام الزياني أنّ التركيز على ملفي الأمن والاقتصاد لن يغيّب الملفات الإقليمية ذات العلاقة بمنطقة الخليج، ومن ذلك الملف اليمني الذي سيحضر على طاولة النقاش، حيث سيتم الاستماع إلى بيان أمانة مجلس التعاون، حول تقرير البعثة الدبلوماسية الخليجية إلى اليمن.