أغلب الأسر المغربية لا حديث لها هذه الأيام سوى عن كبش العيد، وأساسا عن ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه في عدد من مدن وجهات المملكة، ما حول المناسبة إلى هم حقيقي لدى كثير من العائلات خصوصا من الفئات الفقيرة والمتوسطة. لقد سبق لوزارة الفلاحة أن طمأنت المغاربة عبر الإعلان عن كون العرض يفوق الطلب على مستوى الأغنام والماعز أساسا، وأكدت أن مصالحها، بتنسيق مع السلطات المحلية في مختلف الجهات، ستحرص على تشديد المراقبة بشأن التموين والأسعار، وذلك في المحلات التجارية الكبرى والأسواق القروية ونقط البيع داخل المدن، لكن مع ذلك لم تزدد الأسعار إلا ارتفاعا. إن ما يشهده سوق أضاحي العيد، والأمر ليس جديدا أو حكرا على عيد هذه السنة، يعني أن شبكات الوسطاء والسماسرة و"الشناقة" صارت اليوم تمثل منظومة متكاملة تمتص جيوب الفقراء، وباتت هذه العصابات الحقيقية تمتلك تقنيات وحيل عجزت حتى إجراءات وبرامج السلطات عن مواجهتها أو اختراقها. الأمر لا يتعلق هنا بالكسابة أو صغار الفلاحين ومربي الماشية، فهم بدورهم ضحايا الشبكات المذكورة ولا يفلتون من نهبها ونصبها، وفي النهاية يكون المستفيد الحقيقي من كامل هذه العملية التجارية هم "الشناقة" وحدهم، والمداخيل تذهب إلى جيوبهم وليس إلى صغار مربي الماشية كي يساهموا في انتعاش الرواج التجاري والفلاحي في بواديهم وقراهم، وتتحسن ظروف عيشهم. معاناة الأسر المغربية مع أضحية العيد تتفاقم أيضا عندما نعرف أنها تكون في العادة مقترنة بمصاريف أخرى مرتبطة بها وبتكاليف اقتناء ملابس وهدايا للأطفال، علاوة على أن المناسبة تأتي مباشرة بعد معاناة مماثلة جراء مصاريف الدخول المدرسي، وقبله مصاريف العطلة ورمضان، وبالتالي فعندما يحل العيد تكون المعاناة قد "وصلت إلى العظم" فعلا لدى أغلب أسر الطبقات الفقيرة والمتوسطة. عرض الأضاحي فعلا متوفر ويفوق الطلب الوطني، والحالة الصحية للقطيع جيدة بفضل المراقبة المستمرة لمصالح وزارة الفلاحة وبرامج التأطير البيطري وحملات الوقاية والعلاج، ولكن مشكلة الأسعار في مناسبة العيد وتنامي المضاربات وسيطرة "الشناقة" على السوق تفرض إعمال إجراءات عملية فعالة وناجعة لمواجهتها، ولتخفيف المعاناة عن الناس. وإن تزايد إقبال الأسر المغربية على طلب قروض لاقتناء أضحية العيد، يبين بالفعل حجم المعاناة، وأيضا الحاجة القصوى لتدخل مصالح الإدارة الترابية للحد من المضاربات وفوضى السماسرة وتلاعبهم بالأسعار.