يبدو أن خرجات وتحركات أول وال امرأة في تاريخ المغرب عبر واجهات ممارسة السلطة المتعددة لا تزال تستقطب، بعد نصف عام على تعيينها، تتبع المراقبين وتثير فضول المواطنين، ليس لدى ساكنتها بجهة الغرب فحسب، بل أيضا عبر خريطة المملكة وخارجها. لقد أعاد تقديم الوالي زينب العدوي، الولاء للملك محمد السادس بالرباط، واجهات سلوك السلطة عند أول سيدة وال، إلى محور اهتمام الباحثين والعموم من جديد على نحو لم يسبقه إليها أحد من الولاة والعمال. قد لا يختلف الكثيرون في أن ظهور الوالي العدوي خلف محمد حصاد، وزير الداخلية، في حفل تجديد البيعة والولاء لملك البلاد، هو رسالة تأكيد أن المرأة والرجل في دولة دستور محمد السادس، باتا يقفان أمام رموز السيادة الوطنية في صفوف متراصة، ويمارسان السلطة في مساحات متساوية.. لذلك لم تكن هذه الرسالة وغيرها لتلتقطها نخب وقواعد الداخل المغربي فقط، وإنما كانت محط تعليق مختلف كبار دعاة الدعوة إلى حقوق المرأة ومناهضة التمييز ليس من لندن وباريس وواشنطن.. وإنما هاته المرة من مصر قلب الأمة العربية الجريح والقدس الشريف بفلسطين. لعل ما جاء على لسان عالم الدين الفلسطيني المقدسي ساكن أرض الكنانة جمال أبو الهنود، من شهادة في تعيين الوالي العدوي، يختزل ربما رأي نخب ومثقفين بالغرب وعند العرب، يقول أبو الهنود إن «الملك محمد السادس رد على من يتهموننا بالتقصير في حقوق المرأة بأن ساوى بين المرأة والرجل، في المسؤوليات والواجبات». أبو الهنود، وهو مستشار وزير الأوقاف والشؤون الدينية بدولة فلسطين، وعالم من علماء المسلمين بالأزهر الشريف بمصر، سيزيد موضحا أن «الملك محمد السادس أسس لحقوق المرأة بالمملكة، انطلاقا من مقاربة النظر إلى ما يوجد في رأسها لا إلى ما يغطي شعرها.. وفي تعيين والي جهة الغرب نجد الدليل»، يقول الشيخ. لذلك، لم يكن جلوس المرأة على كرسي السلطة هو التجلي الوحيد والأوحد لسعي المملكة إلى تنزيل مبادئ وفصول دستور «الربيع المغربي» في المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، ما دعا هذا العالم الأزهري، إلى التوقيع على هكذا تصريح، بقدر ما كان الدافع ربما هو شغل تنزيل الفصل 19 من الدستور لعدة حقول ومواقع مسؤولية.. ومنها الحقل الديني، كمجال لاختصاصه، بالبحث والإفتاء والإمامة.. أسباب نزول هذا الكلام، هو ثناء ضيف الدروس الحسنية الرمضانية، على كارزمية وكفاءة المرأة المغربية في مختلف العلوم وعلى إلقاء القاضية - الوالي زينب العدوي، درسا حسنيا بين يدي الملك، في رمضان 2007، حول موضوع «حماية المال العام في الإسلام». لكن المثير في مسلسل واجهات سلوك السلطة في خرجات الوالي العدوي، هو أنه، بعد يومين فقط على تداول الصحافة على نطاق واسع لشهادة أبو الهنود، ستخرج السيدة الوالي إلى المصلين بمسجد للاخديجة بالقنيطرة، لتجلس على يمين محراب الإمام وسط الرجال. كان هذا المشهد كافيا لتشغل الوالي اهتمام الناس من جديد، تماما عقب كل زيارة مباغتة لها لواحد من أحياء مجتمع الغرب العميق.. أو تدخل منها ينشد التأويل الديمقراطي للدستور.. لقد كان لدخول الوالي العدوي بشكل رسمي لهذا المسجد، رسالة تقول صراحة: «لا فرق بين الرجل والمرأة في ممارسة مهام ومسؤولية الولاة، أي ممثلي الملك عند الفقهاء الدستوريين، حتى ولو تعلق الأمر بترؤس سيدة وال وسط الرجال درسا من دروس ليلة ختم القرآن بمسجد في ليلة السابع والعشرين من رمضان». الوالي العدوي، والتي قد تصبح تجربتها، بالتأكيد، محط دراسات أكاديمية، ظل سلوك ممارسة السلطة عندها طوال نصف عام على تعيينها ينسج على منوال مفهوم جديد بهيبة بذلتها العسكرية ووقار القاضي -الوالي.. قد يقول البعض، إن هذا شيء مهم، لكن وجب وضع واجهات ممارسة السلطة عند السيدة الوالي جانبا، وطرح الأسئلة الضرورية حول حصيلتها، في محاربة الفساد، ورفع أعمدة الحكامة، والتنمية، وتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفتح ملفات مآل ثروات الغرب الحزين... لهؤلاء نقول، إن أهمية هذه الأسئلة هي أن تطرح في وقتها المناسب، وإن كان تعيين الوالي العدوي لم يمر عليه بعد نصف العام، وعندما تكتمل صورة المشهد، فليضع كل منا حصاد التجربة في الميزان...