نوال المتوكل.. «الهيرو» المغربية تجسد نوال المتوكل نموذج المرأة المغربية التي يمكن أن تصنع المجد بكثير من الإيمان والإصرار وشيء من الحظ. «غزالة الأطلس» التي انطلقت تعدو حافية القدمين على رمال مدينة الدارالبيضاء قبل أن تلبس الذهب الأولمبي وتتوج على منصات المجد كعداءة ثم كخبيرة ومسيرة في أعلى هيئات العاب القوى الدولية، وعاشت حياتها وما تزال متنقلة بين المغرب وعواصم أوربا والولاياتالمتحدةالأمريكية، لتعطي صورة مشرفة عن سيدة مغربية قادرة على المعجزات. حلم الطفلة المغربية نوال (مواليد 1962) وهي تخطو خطواتها الأولى في الميادين الرياضية في نهاية سبعينيات القرن الماضي، كان من الممكن أن يتوقف عند الفوز بلقب «بطلة»، وهو ما تأتى لها فعلا خلال سنوات قليلة حيث تمكنت من أن تصبح بطلة إفريقية وليس مغربية فحسب، بفضل فوزها في سباقي مائة ثم أربعمائة متر حواجز في 1982. ولكي تثبت أنها لم تكن بطلة بالصدفة بل بالجد والمثابرة، فقد استمرت إنجازاتها لتصل إلى أوج التألق العالمي عندما أحرزت الميدالية الذهبية في مسافة 400 متر حواجز خلال دورة الألعاب الأولمبية لسنة 1984 بلوس أنجلوس الأمريكية، فأصبحت بذلك أول امرأة عربية وإفريقية تصل إلى هذه الرتبة. حيث شاهد العالم بعد فوزها فتاة تجري في مدار السباق حاملة العلم المغربي، وهي ترتجف بين ابتسامة فرح بالفوز وحزن عميق على رحيل الوالد. كانت نوال في تلك اللحظة تعلن للعالم عن ميلاد أيقونة استثنائية استطاعت أن تنتقل من «زيرو إلى هيرو»، كما تحب أن تقول البطلة كلما تحدثت عن مسارها المشرق. مقولة لا تخلو من دعابة ولكنها أيضا مليئة بالدلالات على أن الطموح والعمل الجاد كفيلان بتحقيق الأحلام الأكثر جنونا. لكن حلم الشابة الطموحة لم يكن ليقف عند هذا الحد، بل كانت عملت على تطوير تجربتها وإغنائها من خلال التكوين عندما انتقلت إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لتطلع على كل ما يهم الجوانب التقنية والتأطيرية في ألعاب القوى، قبل أن تعود إلى المغرب مسلحة بشهادة من جامعة «أيوا» الأمريكية وتتحول إلى مجال التدريب حيث أظهرت كفاءتها أيضا كإطار تقني وكعضو في الهيئات الرياضية المغربية وعلى رأسها جامعة ألعاب القوى. علامة فارقة أخرى ستعرفها مسيرة نوال عندما انضمت كإطار إلى الاتحاد الدولي لألعاب القوى، وهنا أيضا انتقلت سريعا إلى الواجهة حيث انتخبت في سنة 1995 عضوا في المكتب التنفيذي، ثم نائبة لرئيس هذا المنتظم الدولي إلى جانب السينغالي «لامين دياك». ثم استمرت الإنجازات حيث اختيرت في 1998 كأول إفريقية وعربية ومغربية عضو اللجنة الأولمبية الدولية. ويوم 26 يوليوز 2012، كانت نوال على موعد جديد مع المجد عندما تم انتخابها نائبة لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية بأغلبية كاسحة من الأصوات (81 صوتا مقابل 3 ضد و3 ملغاة). وهو المنصب الذي ما تزال نوال المتوكل تعمل من خلاله ليس فقط على إثبات مؤهلاتها في مجال التسيير الرياضي على المستوى العالمي، بل أيضا على النضال المستميت من أجل أن تتبوأ باقي النساء في العالم عموما وفي العالم العربي والإفريقي والإسلامي خصوصا، المكانة التي تستحقها في الرياضة وفي جميع المجالات. فما يميز شخصية نوال المتوكل أيضا عن كثير من الرياضيين الذي حققوا النجاح على المستوى الدولي، أنها ظلت دوما ملتصقة بهموم وطن وأمة، ومرتبطة بأحداث بلدها ونضالات شعبها في مسيرته من أجل الديمقراطية والتنمية. ومثل قلة من النساء ذوات المسار الاستثنائي في مجالهن المهني، لم تقتصر نوال على النجاحات التي حققتها في الميدان الرياضي، كبطلة ومسيرة وفاعلة في العديد من الهيئات والجمعيات العاملة في مجال تنمية الرياضة ودعم الرياضيين، بل ظهرت كذلك كفاعلة اجتماعية وسياسية. ووصلت إلى أعلى المراتب في هذا المجال أيضا عندما عينت ككاتبة دولة مكلفة بالشباب والرياضة ثم كوزيرة للشباب والرياضة، وذلك في مرحلة متميزة من تاريخ المغرب فيما عرف بفترة الانتقال الديمقراطي. وما تزال بطلتنا حريصة على مواكبة جميع التطورات والأنشطة المجتمعية حيث لا تمنعها مهامها الدولية وأسفارها المستمرة عن أن تكون في الموعد لأجل تلبية دعوة من هيئة وطنية فاعلة في مجال الشباب أو جمعية نسائية مدافعة عن حقوق المرأة. وتحتفظ نوال في جعبتها بالعديد من الألقاب والأوسمة التي استحقتها من قبل الكثير من الهيئات والأطراف اعترافا بعطائها، إذ سبق أن اختارتها قناة الجزيرة الرياضية كأفضل رياضية عربية في القرن العشرين. ومنحها الاتحاد الدولي لألعاب القوى وسام «قيدوم» مكافأة لها على ما أسدته من خدمات جليلة لألعاب القوى بالقارة السمراء، وهي عضو بلجنة متابعة الإصلاحات المنبثقة عن اللجنة الأولمبية الدولية. هي حائزة أيضا على جائزة «فلو هيمان» التي تمنحها مؤسسة الرياضة النسائية الأميركية، وجائزة الروح الرياضية من الجمعية الدولية الإيطالية. وهي سفيرة متطوعة لمنظمة الأممالمتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف)، ورئيسة مؤسسة لجمعية «رياضة وتنمية» بالمغرب. وغيرها من الاهتمامات المتنوعة. سيدة حلبات السباق التي تحب أن تبقى دوما «مغربية حرة»، لا تصرفها هذه الاهتمامات الكثيرة عن العناية ببيتها وابنيها، حيث يصفها المقربون منها بأنها سيدة بيت ممتازة، جعلت منها أصولها الدكالية وأصول زوجها الفاسي امرأة خبيرة أيضا في تفاصيل «الحداكة» المغربية، حيث تحب أن تشرف بنفسها على شؤون تدبير المنزل والحياة الأسرية. وهو جانب آخر من جوانب شخصية نوال التي تجعل منها بالفعل امرأة استثنائية.