قلب المدينة النابض...للمدينة العتيقة والثرية بتاريخها وحضارتها ساحة الهديم، القلب النابض لمدينة مكناس المغربية العريقة. الساحة يقصدها الزوار من داخل المغرب ومن خارجه، لكن شهرتها لا تضاهي ساحة جامع الفنا في مدينة مراكش أو ساحة بوجلود في مدينة فاس، برغم أنها لا تقل عنهما بهجة وإثارة. فما الذي يحجب الشهرة عن هذه الساحة؟ «أميرة وسط أشجار الزيتون. بدوية ومتحضرة وفنانة متمرسة، وحدهم عشاقها يفهمونها». هكذا تحدث الكاتب ووزير الخارجية الفرنسي الأسبق ميشال جوبير عن مسقط رأسه مدينة مكناس. مدينة طليقة الأنفاس، عتيقة وثرية بتاريخها وبحضارتها، وصفوها ب»معشوقة الشعراء». فعندما سئل الشاعر العراقي سعدي يوسف عن أحب المدن التي زارها إلى قلبه، أجاب قائلاً «مكناس، إنها توازي باريس بالنسبة لي... مدينة الأسوار والجمال والساحات». وتعد ساحة الهديم في مكناس واحدة من أهم المواقع الأثرية التي تزخر بها المدينة، إذ تعد القلب النابض لسكان المدينة ولزوارها. شهدت هذه الساحة العديد من الأحداث التاريخية، لعل من أبرزها معركة «بوفكران» الشهيرة في 2 شتنبر العام 1937، عندما حوّل المستعمر الفرنسي جزءا من ماء وادي بوفكران، ما أدخل أهالي مكناس في معركة حامية عرفتها ساحة الهديم، حيث كان يقام فيها كل يوم خميس سوق يأتي إليه الناس من كل حدب و صوب. ساحة الهديم بعيون أهلها «في جماليتها تضاهي ساحة جامع الفنا في مراكش وباب بوجلود في فاس، ولعل ما يزيد من رونقها هي تلك الصورة الجميلة التي يرسمها المسرح الشعبي المعروف بفن السرد... والمطاعم والمقاهي ومحلات بيع منتجات الصناعات التقليدية الممتدة على جانب السوق القديم»، هكذا تحدث زكرياء حداني، وهو شاعر غنائي مهتم بالتراث الثقافي المغربي. وحول عدم شهرة الساحة دوليا مقارنة بنظيرتها ساحة الفنا في مراكش وبساحة بوجلود في فاس، قال حداني «أعزو الأمر إلى عدم وجود إستراتيجية واضحة المعالم في تدبير الشأن المحلي عموما وغياب حكمة حقيقية في المجال السياحي على وجه الخصوص والذي يعرف ركودا واضحا منذ سنوات، فالزائر للساحة التاريخية يلاحظ وجود مكتب خاص بالمكتب الوطني للسياحة من دون وجود من يديره». ويضيف الفنان ابن المدينة «كيف لنا أن نتصور زائرا أجنبيا أو مغربيا باحثا عن المعلومة ويود الاطلاع على تاريخ المدينة في غياب من يرشده حول موضوع بحثه». من جهته، يعزو الصحافي محمد طاهري عدم شهرة الساحة إلى كون «التسويق السياحي في المغرب يركز أكثر على بوجلود وساحة الفنا، وخصوصا هذه الأخيرة. كما أنّ اهتمام الدولة والمؤسسات الرسمية بساحة الهديم كتراث مغربي وإنساني ثري لم يكن بالشكل المطلوب. ولهذا اضطر الكثير من رواد هذه الساحة الشهيرة من منشطي الحلقات ومروضي الحيوانات والزواحف، والمغنّين إلى مغادرتها، بسبب عدم الاهتمام». الهديم بعيون أجنبية تولاي، سائحة تركية، قدمت من اسطنبول برفقة صديقة لها لاكتشاف ساحة الهديم. تتحدث بنبرة منشرحة وتقول «لقد أعجبتني الساحة جدا، نشعر هنا بالسعادة وبحركية جميلة». سائح آخر أتى من النمسا ويدعى فيليبوس. يراود آلته الفوتوغرافية لالتقاط صور تذكارية للساحة. وردا على سؤال حول ما أثار إعجابه في الساحة، يجيب «كل شيء هنا جميل، إنها فعلا تستحق الزيارة». الزائر للساحة يستوقفه باب منصور العلج الشامخ وقبة السفراء حيث كان المولى إسماعيل، في أواخر القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، يستقبل المبعوثين الديبلوماسيين، فساحة الهديم مصدر إلهام وإيحاء، فيها الفن والثقافة وآثار الحضارة العربية الإسلامية. وفي الجانب الآخر للساحة يصطف تجار وصناع تقليديون يعرضون ما أبدعته أناملهم. تغيرات عمرانية ووظيفية تنفرد مدينة مكناس بعدد من المآثر التاريخية قلَّ ما توجد في مدن أخرى، ما أدى إلى تصنيفها تراثا عالميا من قبل منظمة «اليونسكو» في شهر دسمبرالعام 1996. ويقول الدكتور عبد الرحمن بن زيدان، وهو ناقد ومؤلف وباحث مغربي، «عرفَت ساحة الهديم تحولات عدة وتغيرات على المستوى العمراني وعلى المستوى الوظيفي، فمنذ كانت قصبة مرينية إلى أن حولها السلطان مولاي إسماعيل معلمة علوية تقابل مدخل المدينة الملكية من باب منصور، شيّدت معالم تاريخية وأسوار عرفت بضخامتها وعلوها».