الفكر المغربي فكر عقلاني ضد «لاعقلانية الشرق» استضافت أكاديمية الفكر الليبية، المفكر المغربي محمد بلال أشمل، وهو أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي وباحث في شؤون الفكر الأسباني، وله العديد من الكتب التي تحوي مقالات ودراسات في الفلسفة والفكر من بينها: التأريخ للمستقبل، الديموقراطية ودولة الجهات، سؤال المشروع الثقافي في تطوان، الفلسفة والسلام مقالات ودراسات، فلسطين كأفق للتفكير مقالات ودراسات، حوار الفكر المغربي الإسباني، الفلسفة وسؤال المغرب وتحولاته الثقافية والفكرية مقالات ودراسات، الفلسفة الإسبانية في التداول الفكري المغربي مقالات ودراسات، وغير ذلك من الكتب. بدأ الدكتور أشمل محاضرته بالقول: «اسمحوا لي أن أتطارح معكم بعض المسائل التي ستكون موضع استشكال، خاصة وأن موضوعي يدور حول الفكر المغربي المعاصر، وهذا الفكر قد سكن التاريخ والجغرافيا، ولكنه ليس فكرا ثابتا ساكنا، ولكنه فكّر متحرك يؤسس لوجوده تحت الشمس وأمام تخوم الآخر المتعلقة بالجانب الأسباني وأفريقيا وتخوم المشرق العربي. وحيث أن الفكر المغربي هو واسع وشامل، ينبغي أن نجتزئ منه قطعة واحدة، وهي ما يسمى الفكر المغربي المعاصر، والتساؤل أي فكر نحن بصدده؛ هل هو الفكر المادي الذي يتشكل في المادة ولا يخرج منها، أو ذلك الذي يتشكل في السكون؟، هل هو فكر واحدي أم متعدد؟ هل هو فكر محاور أو إقصائي يحاول أن يقصي الآخر، وعن أي مغرب ترانا نتحدث؟! هل يتعلق الأمر بمغرب الإرادة والامتثال أم مغرب الإدارة والواقع؟ هل يتعلق بمركب الجغرافيا أم بمظهر التاريخ؟ هذا الفكر المغربي ينبغي لنا أن نفكر بما يقوم به. نحن لم نسع إلى التفكير فيه تفكيرا فلسفيا، على الرغم من الجارة المجاورة لنا اسبانيا التي جعلت هذا الفكر معها على سبيل المشكلة. أول هذه المسائل للتفكير هي في «دون كيخوته»، ثانيا: التفكير في أسبانيا. إذن أي مغرب لدينا لكي نقول أن لدينا فكرا مغربيا معاصرا؟ هل هي معاصرة التاريخ أم الحداثة أم معاصرة الإبداع أم الإتباع؟ هل المعاصرة رغبة أم صفة لصيقة؟ وما العمل في ظل ثقل التاريخ وثقل التراث؟ هل يكفي أن يعيش المرء في القرن العشرين لكي يكون معاصرا؟ كل هذه الأمور نجدنا مضطرين للخوض فيها قبل الخوض والانتقال للفكر المغربي المعاص». ثم أشار المحاضر إلى أنه سوف ينتقل لمجالات يراها مناسبة وطيبة للاستشكال في نحوها وهي مجالات التراث، ولعل أشهر من طرح هذا الموضوع المرحوم محمد عابد الجابري في كتابه المعروف «نحن والتراث». ولكن لماذا التراث؟ هل استكمل هذا التراث بحيث يشكل كنظرية للماضي فيطرح نظريته للحاضر؟ الموضوع الإستشكالي الثاني هو الحداثة. فهل نقول بأننا حداثيون لمجرد أننا نقر ونعرف الحداثة، أم أنها نظرية معرفية وثقافية مختلفة. والمجال الثالث هو «السياسة». فلعل معالجة كثير من القضايا يراها النظراء تكمن في الفكر السياسي. لكن الأمر يتعلق بتردد سياسة الاختلاف مابين الماضي والحاضر ومابين الحضارة والتراث. وهناك مجال آخر ينطوي على إستشكال في الفكر المغربي هو صعود هذا الفكر الذي تعطينا مظاهره حدودا ذهنية لتشكيله: أولا: هي الواحدية المرجعية لهذا الفكر. كثيرون اعتقدوا بأن هذه المرجعية كانت الفرنسية، حتى لو اعتقدوا بأن الفرنسية لعبت دور الوسيط دائما في نقل مصادر الفكر الفلسفي. وهنا نسأل على سبيل التمثيل: هل دخل ماركس المغرب دخولا ألمانيا، وهل دخل هيجل المغرب دخولا ألمانيا. إن مصادر هذا الفكر ضرورية مهما كانت اللغات التي تنقلها، ضرورية لتعدد مشارب الفكر وتلاقح الفكر اللغوي. وهناك ظاهرة عدم التناول الفكري للخطاب الديني، مع وجود خيارات دينية تدعو لفصل الدين عن الفكر في الوقت الحاضر. ولقد تدافعت الأفكار الراهنة بهذا الخصوص، ولكن لم يتم التعمق في تناول هذه الظاهرة، وانما اتخذت من مظهرها السطحي، على اعتبار أن الدين ليس من التراث كما يعتقد البعض. ومجال آخر للاستشكال في الفكر المغربي هو الترجمة، وما أدراك ما الترجمة. ولو نظرنا إلى هذا الكم الذي يردنا من الترجمات لوجدنا الكثير منها تشوبه الخلل والخطأ والضلالة. إذن ينبغي على الترجمة أن تنفتح على أرخبيلات فكرية أخرى وجزر فكرية أخرى، وإذا جمد النص المغربي على النص الفرنسي فقط، فلن يستفيد من هذا الوقت المتاح لنا للتلاقح الفكري والثقافي. وأنا أستغرب كيف لم نستفد من هذا التلاقح وتعديد المصادر المعرفية ونحن نبعد 15 كم عن قشتالة، ولا نجد في مصادرنا شيئا واحدا وهو الثقافة الأسبانية، حتى نستفيد من هذا التزاوج والتلاقح المعرفي؟». تطرق بعد ذلك إلى الحديث عن عقلانية الفكر المغربي، عبر التأكيد على أن الفكر المغربي،فكر عقلاني ضد «لاعقلانية الشرق»، وكثيرون هم من يفتخرون في الفكر المغربي بهذه المقولة ويرددون هذا الزعم، ولا أدري هل يعتمد ذلك على مبررات عقلانية مقنعة أم لا؟! ثم ألم يعرف الجابري بالترجمة، لقد كان الراحل الجابري في عداد المجهولين المغمورين، لولا أنه ترجم إلى اللغات الأجنبية وبخاصة الأسبانية، وعندما علموا برحيله كتب، ميغيل موراتينوس «وزير الخارجية الأسباني» مقالا تأبينيا عنه، وكذلك الأمر بالنسبة للعروي وآخرين. كيف لا يستطيع الفكر المغربي تطعيم نفسه بالثقافة القشتالية، وهناك مشكلة أخرى، وهي أنه ينشغل بقضايا تجمع العرب والمسلمين جميعهم مثل قضايا «القرآن»، كما فعل الجابري، وقضايا الإنسان «الشخص» كما فعل العروي وأركون مثلا». وانتهى المحاضر إلى مجموعة من الخلاصات، منها أنه إذا كان الفكر المغربي قابلا لأن يستشكل، فلأنه ينطوي على مجموعة من الأشياء الحركية مثل: أولا: القضايا التي يعالجها، وذلك لأنه حيوي وحركي. ثانيا: الفكر المغربي غني من جهة الآمال والأمنيات. ثالثا: إنه ينطوي على إمكانات التطور والنماء». ودعا بعد ذلك إلى ضرورة إغناء الفكر المغربي من خلال التجارب الاسلامية. كما دعا إلى ضرورة التفكير لإحداث حلقة التفكير المغربي الفلسفي، حيث يقدم فيه أقطاب الفكر المغاربي أفضل وانضج ما لديهم. ويمكن أن يشكل ذلك الدعامة الأساسية للتوحد والتفاهم والتآخي في الحوار، لأن الفكر السديد يخلق التصرف الرشيد.