رحل وديع الصافي، وكان الرحيل من بيروت التي أبى إلا أن تكون آخر نسمة هواء يستنشقها من هوائها، وهي كما غناها ذات يوم «قطعة سما»، فاستحق وديع «صوت الجبل» أن يتربع على عرش قلوب اللبنانيين. تمنى اللبنانيون أن يكون خبر وفاة الصافي محض «إشاعة» من تلك الإشاعات التي تنتشر بسرعة عبر صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية. لكنها لم تكن إشاعة، كانت «الحقيقة المرة .. كانت خسارة للبنان»، هكذا باختصار «مات الصافي»، لتبدأ التعازي والآهات عبر الهواتف وصفحات التواصل. ظل وديع الصافي، وهو النبع الذي ارتوت منه قلوب الملايين، طيلة حياته شامخا كشجر الأرز، سكنته لبنان فسكن قلوب أهلها وسجل اسمه خالدا في ذاكرتها. قاوم الصافي الإسفاف، وبقي وفيا للطرب الذي رسخ بصوته الشجي البهي محبته لدى كل العرب مشرقا ومغربا، تغنى بكل ما هو جميل في لبنان، فأجمع اللبنانيون، بكل أطيافهم، على حبه، ولقبوه ب»فنان الوطن والتراث» و»مطرب المطربين»، جال العالم العربي فأبهر وأمتع، فعشق العرب لبنان عبر حنجرته التي صدحت بمواويل بلاد الأرز، فمن لبنان انطلق ب (الميجانا وأبو الزلف والمعنى والعتابا والشروقي والقرادي وغيرها)، ومنها إلى العالمية كعنوان للمدرسة اللبنانية في الغناء. مؤديا أو ملحنا، نهل الصافي من التراث اللبناني، الذي حمله صوته الجبلي إلى كل أنحاء العالم، وغنى لكل القضايا محلية كانت أو عربية، للقدس ولأطفال الحجارة، للسلام والمحبة، مجد الحب والطبيعة، فعانق عشاقه الجمال وحلقوا في عوالم الخيال مع «الليل يا ليلى يعاتبني» و»يا عصفورة النهرين» و «ولو» و»يا اختي نجوم الليل شوفيها». تربت أجيال على صوته اللبناني الملامح، النقي البهي. كانت البداية سنة 1938، حين اختارته لجنة في إطار مباراة نظمتها الإذاعة اللبنانية بعد أدائه أغنية «يا مرسل النغم الحنون» ، وهي اللجنة ذاتها التي قررت أن تختار له «الصافي» كلقب فني لصفاء صوته. ومنذ ذلك الوقت، أعاد وديع الصافي، وهو من مواليد 1921، الاعتبار إلى الأغنية اللبنانية الأصيلة بسجل ضم آلاف من الأغاني، من «لبنان يا قطعة سما» مرورا ب «الله يرضى عليك يا ابني» و»عندك بحرية يا ريس» و»أبانا» صنع لنفسه مكانة، فغنى لعدد من الشعراء المعروفين، وأدى لملحنين كبار منهم الأخوان منصور وعاصي رحباني، وعبد الوهاب وفريد الأطرش. وسيوارى جثمان وديع الصافي الثرى، حسب وكالة الأنباء اللبنانية، يومه الاثنين في كاتدرائية مار جرجس وسط بيروت.