مع عودة أسعار النفط إلى الارتفاع، بعد أن اتخذت خلال الشهور الأخيرة منحى تنازليا إلى أن قاربت 105 دولار للبرميل الواحد، تتناسل الأسئلة من جديد حول ما إذا كانت الحكومة ستشرع في تطبيق نظام المقايصة على أسعار البنزين والغازوال والفيول خلال الأيام المقبلة. تطبيق نظام المقايصة، الذي يعني ربط أسعار المحروقات بالمغرب بأسعار البترول في الأسواق العالمية، وبالتالي إلغاء الدعم عن هذه المواد، كان القرار بشأنه جاهزا ولا ينتظر سوى «الوقت المناسب» لتنفيذه، حسب تصريح أدلى به نجيب بوليف، وزير الشؤون الاقتصادية والعامة لبيان اليوم في يوليوز الماضي. هذا «الوقت المناسب» كان يعني، حسب تصريح الوزير، ظرفية تكون فيها أسعار النفط قد بلغت أدنى مستوياتها حتى لا يشعر المستهلك بتداعيات ربط أسعار المحروقات محليا بأسعار النفط في الأسواق العالمية. ومع انتهاء فترة العطل الصيفية وبداية الدخول السياسي والاجتماعي، يبدو من الصعب تطبيق هذا النظام في الظرفية الحالية حيث انطلقت أسعار النفط نحو التصاعد بالغة مستوى 115 دولار للبرميل، بل مرشحة للتصاعد إلى حدود 120 دولار بسبب تداعيات حالة التوتر التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وتهديد الولاياتالمتحدة بإنزال ضربة عسكرية ضد سوريا، حسب العديد من المحللين. فمن شأن أي ارتفاع في أسعار المحروقات أن يدشن مسلسلا لزيادات في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية والخدمات اعتبارا لكون المنتجين دائما ما كانوا يستغلون أية زيادة ولو طفيفة في أسعار الغازوال لإطلاق العنان لجشعهم وللزيادة في هوامش الأرباح. غير أن مصدرا من وزارة الشؤون العامة والحكامة أشار في تصريح لبيان اليوم أن الحكومة عازمة على تطبيق نظام المقايصة على المواد البترولية وذلك في إطار إصلاح صندوق المقاصة والتحكم في المبالغ المرصودة لهذا الصندوق التي حدد لها سقف 40 مليار درهم في إطار القانون المالي الحالي. غير أن إصلاح هذا النظام مازال متعثرا رغم وجود سيناريوهات عدة لدى الحكومة من ضمنها نظام للدعم المالي المباشر لحوالي 8 مليون شخص من الفئات المصنفة «معوزة». ويتم تراجع الدولة عن دعمها للمحروقات نظرا لكون فاتورة الطاقة تمثل ربع إجمالي قيمة الواردات، وقد زادت هذه الفاتورة بنسبة 40% مقارنة بالعام الماضي. وقد تسبب هذا الارتفاع في تفاقم عجز الميزان التجاري. وتدعم الدولة أسعار مواد أساسية كالبترول وغاز البوتان والدقيق والسكر لجعل ثمنها في متناول عموم الأسر المغربية، غير أن السنوات الماضية شهدت نقاشا حادا متعلقا بمراجعة كيفية تدبير أموال الدعم التي يستفيد منها الأغنياء أكثر من الفقراء. غير أن حساسية موضوع إلغاء الدعم المباشر لسلع أساسية جعلت الحكومات المتعاقبة تفضل التروي قبل القيام بأي خطوة في هذا الصدد فيما توالت الدراسات والدراسات المقارنة من أجل بلورة صيغة مثلى ومباشرة لتصريف هذا الدعم لفائدة المستهدفين منه. وحسب إدارة صندوق المقاصة فقد سطرت الحكومة برنامج عمل لإصلاح هذا النظام وحددت له أجندة بحيث تتجلى المرحلة الأولى في ترشيد تراكيب أسعار المواد المدعمة لتقليص كلفة المقاصة، وكذا إعادة تنظيم القطاعات الإنتاجية المعنية بالمواد المدعمة من أجل تهييئها لمرحلة تحرير الأسعار وذلك بغية خلق تنافسية ما بين الفاعلين للرفع من المردودية وتحسين الجودة وبالتالي تخفيض تكاليف الإنتاج والأسعار. كما أن اللجن المختصة تشتغل على ورش آخر موازي يتعلق بدراسة مدى تأثير الحذف التدريجي للمقاصة على المستفيدين سواء المستهلكين أو الفاعلين الاقتصاديين، وتحديد الفئات المستهدفة من مشروع الدعم النقدي المباشر مرتكزين في هذا الباب على تجارب بعض الدول كالبرازيل، الميكسيك، الشيلي، إيران وكذلك التجارب المحلية كبرامح تيسير، والمساعدة الطبية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.