دعا الوزير الأول عباس الفاسي تجمع دول الساحل والصحراء (سين صاد) إلى اعتماد أنجع الآليات وبلورة تصور براغماتي جماعي يتأسس على مبدأ الاعتماد على النفس والاستغلال الأمثل للثروات الطبيعية والطاقات البشرية لتحقيق التنمية المنشودة لأعضائه وتعزيز التعاون في ما بينها. وأكد عباس الفاسي في كلمة أمام الدورة الثانية عشرة لمجلس رئاسة تجمع دول الساحل والصحراء المنعقدة بالعاصمة التشادية نجامينا يومي 22 و23 يوليوز الجاري على ضرورة توفير كافة الظروف الاقتصادية والسياسية لوضع حد لهجرة الأدمغة، «التي تعتبر ثروتنا الحقيقية»، وحماية البيئة لضمان تحقيق التنمية المستدامة. وأضاف في هذا الصدد «إن توفير الشروط الضرورية لتخليق الحياة العامة وتفعيل سياسات الحكامة، لكفيل بأن يشكل نقطة عبور لا محيد عنها لمحاربة الفقر والتهميش وتحقيق الأمن الغذائي عبر برامج مندمجة ومتكاملة تستجيب لبيئتنا وخصوصياتنا الاجتماعية». وتابع الوزير الأول أن التجمع أصبح في أمس الحاجة إلى مواصلة ترسيخ مبادئ التعاون جنوب -جنوب المبنية على التكامل وروح التآخي والتآزر، التي تصب في جوهر مبادئ تجمع دول الساحل والصحراء، وهي المبادئ التي تؤمن بها وتعمل على ترسيخها المملكة المغربية». وذكر في هذا الصدد بأن «صاحب الجلالة الملك محمد السادس، جعل من التعاون جنوب -جنوب نقطة ارتكاز أساسية في العلاقات الخارجية للمملكة مع امتدادها الطبيعي في إفريقيا، مشيرا إلى أن هذا التوجه أكده جلالته مرة أخرى، في الرسالة التي وجهها إلى المشاركين في الدورة ال25 لقمة فرنسا إفريقيا والتي أكد فيها جلالته أن المملكة تضع القارة التي تنتمي إليها في صميم تحركاتها على الصعيد الخارجي. كما أكد جلالة الملك في هذه الرسالة، يضيف عباس الفاسي، حرصه على «تطوير هذه العلاقات مع عدد كبير من البلدان الإفريقية الشقيقة، في الميادين الاجتماعية الأساسية، بموازاة مع العمل على توسيع نطاق قطاعات الاستثمار المنتج ليشمل النقل الجوي والبحري والخدمات المالية والبنكية، وهي القطاعات التي تعرف انخراطا أوسع للمقاولات العمومية والخاصة». وجدد الوزير الأول في هذا الصدد التأكيد على استعداد المملكة لدعم التعاون بين دول تجمع الساحل والصحراء في جميع المجالات الحيوية كمحاربة التصحر ومواجهة الكوارث الطبيعية والمحافظة على البيئة باعتبارها ركيزة أساسية من أجل إرساء التنمية المستدامة. وذكر الوزير الأول بأنه سبق للمملكة أن تفاعلت، بتوجيهات سامية من جلالة الملك، بشكل إيجابي وسريع مع النداءات الصادرة عن عدة دول افريقية لتقديم الدعم المتمثل في مساعدات عاجلة من ضمنها مواد غذائية أساسية وطبية، لمواجهة الآثار المدمرة للجفاف والفيضانات التي مست دول إفريقية شقيقة. كما أشار إلى تمويل المغرب لعدة مشاريع من ضمنها تلك المتعلقة بالأسمدة، بهدف تحسين مردودية وتنافسية الإنتاج الفلاحي، مساهمة منه في المجهود الرامي إلى محاربة التصحر والعمل على تحقيق الأمن الغذائي لبعض الدول الصديقة. وفي السياق ذاته، أكد الوزير الأول على أهمية التنسيق المحكم بين كافة الدول المعنية لمواجهة شبكات الهجرة غير القانونية وتهريب الأسلحة والاتجار في البشر وكذا المجموعات المسلحة والمنظمات الإجرامية والإرهابية، التي اتخذت من منطقة الساحل والصحراء, قاعدة خلفية لها ولأنشطتها. وشدد الفاسي على أن «مواجهة هذه الظواهر، وعلى رأسها ظاهرة الإرهاب، تستدعي مجهودا جماعيا وتنسيقا محكما بين كافة الدول المعنية بدون استثناء، ضمانا للفاعلية في مواجهة المتطرفين الذين يهددون أمن واستقرار وسيادة دولنا». وقال «إن إثارة هذا الموضوع، يدفعنا حتما إلى التطرق إلى إشكالية التنمية الشاملة في قارتنا، مع ما سيستدعي ذلك من تعبئة وطنية وتضامنية عبر برامج مندمجة ومتكاملة تراعي المصالح الحيوية لشعوبنا وتؤمن حاجيات أطفالنا وأجيالنا المستقبلية وتقيهم من آفات الفقر والتهميش». وأشار الوزير الأول، من جهة أخرى، إلى أن بؤر التوتر السياسي والعسكري في إفريقيا وفي كل بقاع العالم، لها انعكاسات وخيمة ومدمرة، معتبرا أن هذه الأزمات، تشكل عائقا أساسيا أمام الاستقرار الداخلي وتعيق المسيرة التنموية الوطنية والتعاون الإقليمي البناء، بالإضافة إلى أنها تمثل، على وجه الخصوص، خطرا على مقومات السيادة الوطنية لكافة الدول وعلى وحدتها الترابية». وقال الوزير الأول في هذا الصدد «إن إطالة عمر هذه الأزمات بشكل عبثي وبدون أي مبرر منطقي، يشكل أكبر تحد مطروح على دولنا وعلى الأمن القومي الإفريقي، نظرا للإنزلاقات السياسية والأمنية الناجمة عن وضع هكذا مواصفاته، والذي يفتح شهية المجموعات المتطرفة والإرهابية». وجدد الوزير الأول في الختام دعوة المملكة «إلى إعمال الحكمة وروح التبصر وإلى التعاطي مع هذه الأزمات التي تنتشر هنا وهناك على المستوى الإفريقي، بناءا على مبادئ الحوار والتوافق, لتجنيب منطقتنا المآسي الناجمة عن استعمال القوة والعنف».