محاولات يائسة جديدة للتضييق على حرية الإبداع على إثر، عرض شريط «تنغير جيروزاليم» للمخرج المغربي كمال هشكار، ضمن الدورة الرابعة عشر للمهرجان الوطني للفيلم السينمائي، قامت فعاليات فنية، سياسية وجمعوية وعدد كبير من المبدعين المغاربة بالاحتجاج المضاد على حملة التي شنتها بعض الأوساط من أجل مقاطعته بل ومنعه من العرض، بدعوى أنه فيلم يدعو للتطبيع مع إسرائيل كما تدعي هذه الجهات.. والواقع أن الفيلم ليس سوى قصة يهود قرية تنغير الأمازيغية الصغيرة جنوب المغرب ورحلة تهجيرهم إلى إسرائيل بين الخمسينات والستينات، وتتخلله شهادات من هؤلاء عن حياتهم في المغرب ومشاعرهم حيال المسلمين، جيرانهم السابقين. ومعلوم أن المغرب يضم أكبر جالية يهودية في شمال إفريقيا، في حين كان عدد هؤلاء في النصف الأول من القرن العشرين قبل بدء عمليات الهجرة إلى إسرائيل نحو 250 ألفا في مختلف مناطق المغرب.. و»الملاح» اسم مشترك يطلقه المغاربة على الحي الذي كان يقطنه اليهود في مختلف المدن المغربية.. وكان هذا الشريط قد سبق تقديمه على قناة دوزيم، ووقعت برمجته في مهرجانات للفيلم الوثائقي بالداخل والخارج، وحظي بالبث على شاشات عدد هائل من الجمعيات والمراكز الثقافية، وشهده جمهور مغربي عريض، ولم يسبق أن سجل يوما أي تظاهر ضد هذا الفيلم من قبل الجمهور السينمائي الحقيقي.. وإذا اعتبرنا أن الضجة التي واكبته لم تكن بريئة من خلفيات لا علاقة لها بالفن السابع.. وهي خلفيات أصولية وقومجية لم تعد صالحة للاستهلاك الجماهيري، فإن هذه الحملة الشعواء ضد الفيلم هي محاولة لإنكار الحقائق التاريخية للمغرب، وشكل من أشكال التضييق على حرية الإبداع والرأي، ناهيك عن انطلاقها من فهم سطحي أو سوء تأويل لمضمون الفيلم، وقد ذهب البلاغ التضامني مع الفيلم ومخرجه الذي توصلت جريدة بيان اليوم بنسخة منه، مذيلا بالعديد من التوقيعات، أنه و»على إثر الوقفة الاحتجاجية ضد عمل سينمائي عرض في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، نعلن وبصوت مرتفع تنديدنا بهذا الموقف الرامي لمنع عرض فيلم «تنغير/القدس : أصداء الملاح» ونعبر بشدة عن موقفنا الرافض لكل ما من شأنه أن يقف ضد حرية التعبير والرأي والإبداع التي بدونها لن يكون هناك تطور حقيقي يتماشى مع طموح وإرادة المغرب والمغاربة في وقتنا الراهن». واعتبر مخرج الفيلم كمال هشكار الذي نال حظه من الاتهامات المجانية والمجانبة للحقيقة، أن الضجة التي أثيرت حول الفيلم لم تزعجه على الإطلاق، فالمهم بالنسبة إليه هو الإقبال الكبير الذي لقيه في كثير من المحطات آخرها المهرجان الوطني، والنجاح الذي حققه عند العرض على القناة الثانية، أما المنتقدون للفيلم فيقومون بدعاية مجانية له لا أكثر، معربا عن أمله في أن يفتح الفيلم المجال أمام نقاش عميق يفضي إلى فتح تلك الصفحة المغلقة من تاريخ المغرب، انسجاما مع التعددية التي أقرها المغرب في دستوره الجديد. وبشأن اتهامه بالتطبيع مع إسرائيل والسعي إلى تلميع صورتها، قال المخرج إن هناك الكثير من المغالطات، سيما فيما يتعلق بالتمويل الذي قال البعض إنه إسرائيلي، في حين أن إنتاجه مشترك بين المغرب وإسبانيا وفرنسا. وإن كان هشكار قد ذهب إلى إسرائيل فذلك من أجل التصوير حيث يوجد العديد من المغاربة الذين يحتفظون لبلدهم الأم بحب كبير، كما أنه زار رام الله التي التقى بها أصدقاء فلسطينيين، الأمر الذي يدعو إلى الكف عن توظيف الأمور السياسية في السينما، فهو يدين الاحتلال الإسرائيلي، ويدين جدار الفصل العنصري، ويؤيد إقامة دولة فلسطينية، شأنه شأن كل المغاربة الذين يعتبرون القضية الفلسطينية قضية وطنية. إلى ذلك، استغرب العديد من الفنانين والحقوقيين من حجم الضجة المثارة حول الفيلم معتبرينها مجرد جعجعة دون طحين، ومعربين عن خيبة أملهم في تنظيمات سياسية تختلف في كل شيء لكنها تجتمع وتتضامن وتتحد من أجل منع فيلم يمكن انتقاده فنيا إذا لم نتفق مع مضمونه. ويقول الممثل محمد الشوبي في حديث لبيان اليوم إن الذين يتظاهرون ضد الفيلم في غالبيتهم يصرحون بأنهم لم يشاهدوا الفيلم وليس لهم أية فكرة عنه، معتبرا أنهم ينطلقون من جهل مركب وعميق سواء بالفيلم في حد ذاته وبالفعل السينمائي إجمالا، ما يجعل من تظاهراتهم الاحتجاجية مجرد خرجات متخلفة تجعلنا نشعر بالحرج، وهي أيضا محاولات بائسة للتضييق المجاني على حرية الثقافة والإبداع عموما، فهم أناس يخافون من مواجهة الواقع ومن مواجهة القضايا المطروحة بمنطق العصر، ناهيك عن عدم فهمهم حتى لملابسات القضية الفلسطينية التي يدعون الدفاع عنها انطلاقا من تسييس الثقافة والإبداع. أما عن الفيلم فإنه، يضيف الفنان الشوبي، وبشهادة كل من شاهده، فيلم جميل، منطقي ذكي وواقعي، إضافة لكونه يدين السياسات العربية التي أدت بقضية القدس إلى ما بلغته من تعقيدات، وأعتقد جازما أن مثل هذه الحملات المضللة هي محاولات للتجهيل والتضييق على حرية يكفلها الدستور المغربي ومحاولة لكبح الطموح المغربي ومنعه من معانقة قيم التقدم والحرية والانفتاح.