ليل بلا قمر يهرول الغروب بصخب دامع.. برونق ملون عجزت كل الطلاءات أن تنتج شبيها له.. مساء آخر صامت باهت.. تعطلت فيه حركة الأشعة... يجن الليل مستهلا بعتمة تضغط على نفسي.. فراغ.. حيرة.. قلق... شوق للقياك... مارد جبار يسحب الخيال.. احتجاز في يقظة وسط حلم منقوص.. تخلو طرقات اللقاء من عطر الياسمين... تصرد تلك المدن الدافئة بعبس الرماد المتسخ.. بعبثية مشتتة تقلب الفصول وتدهس الراحة والاطمئنان... دروب ملغمة بالهجر والجنون والشرود... في ركن غير بعيد أياد ناعمة ترفض ملامسة الجراح وتتركها تنزف غبر عابئة بالألم.. تبتلعني الحيرة لم أجد جواب تندمل به جراحي.. بلا مبررات... بلا قوانين بلا تداول ولا نقاش.. دق جرس وأعلن مرسوم بكلمات أخرى سحقت ما سبق... أضاعت أحرف ثلاث من أبجدية الحروف كانت معي محفوظة في غياهب قلبي أذابتني مع ملح الطريق... تحبل أحرف أخرى وتلد اسمك.. أسقطت بقية الحروف من القواميس اليومية فشحت وعقرت واغتالت نسائم الأمنيات... تطحنني عجلة الزمان هي لا ترجع للوراء ولا تزيح الحزن حتى وان ذبحت الربيع ومزقت قطع السحب المتناثرة لا مجال لانحراف القدر...قطرات ندى معلقة في حيرة وخيبة أضاعت خرائط العودة والاستقرار...فشلت لأكون شهرزادك... فشلت لأكون أوتار عزفك.. استعصى على القلم البوح فقد أعصابه وحكمته... نامت المفردات في فصل القحط حيث يزدهر الموت وينبت وردا على أوراق سوداء شكلتها باقة غرست في يدي أنياب شوكها.. كل الأشياء فقدت قيمتها لا جديد في نبض الثواني ولا بهرجة في ألوان الأزهار... حتى الطيور لم يبقى منها إلى نوح البوم... لم يعد لي مزاج في السفر على طرقات الوهم كل المسالك مجهولة البدايات والخواتم...زوابع وأعاصير وغيوم سوداء تزمجر رعدا وتشعل الكون برقا دون خط فاصل بين الرعب والسكون... يلمع سيف جلادك عند مرفأ الفجر... مادمت قد قتلتني فلماذا مازلت ترقص على ركح أحلامي..لقد عشقتك وطنا نفيت نفسي فيه وأضعت كل جوازاتي لعبور آخر... فكان عشقي هو آخر انتفاضة لم تحسم في تاريخ الاحتجاجات...كنت اشتاقك دون إرادتي احلم أن أرى صورتي في عينيك حتى حلما طارئ... كان صدري ممتلئا بأنفاسك... اشتم ريحك من داخلي... اشعر أني أضم يديك واقبل وجنتيك قبلة نازفة خارجة عن الزمن في مملكة الصمت بعد أن احتكر صوتك كل القصائد واختزل الألحان... لا تطلب مني الآن همسا أو كلاما... لا وقت لدي أحاول إخلاء سكنك من صدري فقد جمحت خيول السكينة وامتطاها فرسان الغضب جفت الجداول وقفرت كل الحقول وتحول القلب صحراء محت كل مظاهر السراب... جرحي بليغ لم يلتئم بعد.. ثرية هي ذاكرته هزمته الأنواء التي طالما حاربها... تعاطفت النجوم معه وانطفأ بريقها ألما...احتاج وقتا فغبار الشوارع عتم المكان وتعذرت الرؤى.. العين.. تدمع.. تنزف.. تهطل.. انتهى الكلام..وحان وقت الفراق وعلي قبول القرار المحتم.... اعلم انه لا يوجد حبا للأبد... ولم اعد البطلة في السجل اليومي.. رقم في ملف غرور رجل اجتمعت حوله كل النساء.. لا يهمني من احتلت قلبك وقلمك وفكرك ورقمك السري وحياتك وحضنك وحلمك... لا تعنيني من تروي ظمأك... حلمي هرب من رحلة المناجاة وطول السهر... لن تغلق باب السماء ولن تهدم الدنيا ولن يتوقف دوران الزمن... لن التفت للوراء... سأمضي فعتمة الليل لن تدوم وغضب الفصول سيهدأ وتنقشع السحب واحتجب أنا من أمام عينيك في ميلاد الربيع.