دمي يعاكس سائلي اللمفاوي الضارب إلى السواد، دم عدم، دم نحلة، دمي الشاسع، دمي الذي من غير اسم، دم هو على الدوام ليل 1/2 كان محمد خير الدين في الرابعة والعشرين وقت أن أصدر روايته الأولى «أكادير»، التي نركب ههنا مغامرة ترجمتها لقراء العربية. رواية تحكي قصة موظف ترسله مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى المدينة المنكوبة بزلزال 1960 ليجمع ملفات بالسكان المنكوبين. لكن تلك القصة فيها لا تعدو أن تكون مجرد ذريعة لبناء كتابة شذَرية متمردة على أعراف الكتابة السردية، فإذا «أكادير» قد جاءت نصاً مفرداً بصيغة الجمع؛ فهو يهز هزاً بنية السرد الروائي، بل يطيح بها ولا يبقي لها على قائمة، حتى أن إدموند عمران المالح عَدًّ هذه الرواية بأنها «لا تنبئ بميلاد روائي مبدع باللغة الفرنسية فحسب، بل تنبئ كذلك عن ميلاد استثنائي لشاعر كبير بأنفاس شعرية وأسطورية كبيرة». وقد توجت رواية «أكادير» بجائزة فريدة كذلك هي «Les enfants terribles» لمؤسسها جون كوكتو. وهي لذلك كله وغيره – استعادة صاحبها إلى مهاده اللغوي مثلاً – تستحق هذه المحاولة في الترجمة ضمن مشروع لنقل أدب خير الدين إلى العربية قطعنا فيه أربع ترجمات، والبقية تأتي. -18- كانت التنوك تقطع أطراف المدينة بسرعة خاطفة، لم يكن عيداً، الرمي إلى الأمام لكن ليس صوب الحشد، كان الخوف من حرب أهلية، رشقات الرشاشات، والصفوف المتراصة لقوات الأمن، كانوا يرمون البيوت أيضاً، فاضطر أولاد الزنا إلى الرد لكنهم اكتفوا بإطلاق الرصاص في الهواء، وفي اليوم الذي بعدُ وجدت جثث في الحفر، مذبوحة أو مشوهة وكان أولاد الزنا لا يزالون لم يرحلوا، ثم شرع الناس ينهبون المدينة، كانت أضواء المرور في الملتقيات مكسرة ومبرومة ومقتلعة، وزجاج المتاجر الكبيرة محطماً، والسيارات محروقة، والشوارع مسدودة، وأعمدة الكهرباء مقتلع معظمها، كانت المدينة تسير عن بكرة أبيها إلى تلاش بطيء في الدخان القذر المتصاعد من الحافلات والمستودعات المحترقة، لقد ولدت الحمى فاحشة فهي تزحف كما كان يفعل أبي وهي تشتبك بكل شيء في طريقها، ليالي إطلاق النار، هدير الشاحنات المغطاة المليئة بالجثث، عمليات الدفن من دون تعرف على الموتى، الصباحات الباكرة المرتعدة، دم مجفف على الطريق، أنا ودراجتي النارية، الشبان الذين قتلوا بأيدي العساكر، عمليات التفتيش، عمليات التنقيب، الهويات الزائفة، الإضرابات الدائمة، المداهمات، مدمنو الكحول الساخطون خطباء دهاة، هيا يا أبنائي، نحن نريد حرية عادلة، حقيقية، فناضلوا يا أبنائي، هذه التلميذة في الثانوية المصابة، التي كسرت عظمتا ساقيها نقلت مع الآخرين ولم تنقل إلى المستشفى، الهياج كأنه هدية، منظر يتقدم بمقدار، يتفكك ورائي، العين جالس فوق الأسلاك الجديدة، أسنان الربيع، الغصب المحتد، المعجزة؟ الأشياء المتصادمة، ضحكة الجندي مقلداً الوزير أو المدفع، برد الدم المسفوح، الأغبياء، البيروقراطيون الذين يتشبثون بقوتهم، المحافظون، المحافظ أثناء الاحتفال الشعبي للمقاطعات فرنسا في حديقة الجامعة العربية، الجسد البارد للحاكم المقذوف من الأرض، كأنه تمثاله، لباسه الرمادي، سيجارته الحمراء لزوماً الموقدة ليلاً لم يعد يمر من تحت بطني التي صارت لدنة من فرط السكر والصراخ، والشقاء، الخضر الرديئة المشتراة من شارع الهذيان في قلب باريس، العين لا رأس ولا قالب للتيوس، أصدقاء صديقي الكاتب الذي رحل عن بلده قبلي، لقد عرف كيف ينظم ذلك الشجار التقليدي الذي يحبطني، يستنسخني، يخفيني تحت خشب وأوغاد قد أفرطوا في شرب خمرة محمضة، من كرم الزوال تلتمع خبط عشواء تحت بطانة بذلتي الوحيد الذي أملك منذ عدة أجور، بودلير جالساً إلى طاولتي، كلا، إلى المقصف، موكب كتاب العالم، الجوائز المحتقرة، الأنا-أذهب-للعمل-في-المصنع، والرسائل التي أرتقبها كأنها لب الخبز، لن أطعم بعد، الخفايا، والسحب النملية والشاعر المولود كأنما هو مأمور بالأعاصير، يجرجر هيكل إنسان مفري الجسم بالإهانة، وهو يشرب، ويدخن، ويفعل الحب، ويلتهم مشيمة أمه، لكن الموت يشق له طريقاً تحت ظله المدمى عندما يستبد به الغثيان فيشرب حياته من عنق الزجاجة، ومتاعب المال، والناشرون مدراء السعر الموحد، وصاحب الفندق العابر، أنا كاتب، وأزن عشرة كيلوغرامات، قامتي؟ 10,0 حرروا نسخة أصلية، ها هو جوازي للسفر: المملكة المغربية الاسم العائلي؟ الأسماء الشخصية؟ مولود في؟ مكان الولادة؟ المهنة: متمرد العنوان: يهودي تائه القر الذي يسود غرفتي التي تطل على الزقاق، نافذتي التي لا تنغلق، كتابي المقلب بصورة سيئة، تيهاني، هدفي، رأسي هناك وهنا متى ستكف إذن عن أن تكون بغلاً بهذه الصورة؟ رأسي، لقياي، حافظة أوراقي، وجدي الذي مضيت أنبش قبره لمجرد أن أعرف إن كان لم يغير مكانه، الموت الذي يرفضني، أنا عفن، لحاء الشجرة العتيقة المهووسة، لحاء شجرة التفاح التي كنت وصفتها، دمي يعاكس سائلي اللمفاوي الضارب إلى السواد، دم عدم، دم نحلة، دمي الشاسع، دمي الذي من غير اسم، دم هو على الدوام ليل، دم نجمة أبسنت بأحقاد كأنها سيوف الشيلم، ذكرى سيئة، تتفجر من هاوية دموعي، دم موقد أقداح الأهوال، يعزق خفية من جبص ومن لطخات، دم رعد محتد على ظهر حمار كيف أمسكك من لحية الجريمة، دم بعدد الجزر التي تتقصف في ضحكة البدوي، دم ركاب يخب وحيداً في مواخير الإعصار، دم مستشفى، دم ماخور، دم أضحوكات نجمات بحر نافقة من العطش، ملء ملعقة من بعوض الملاريا لأجل العُقاب الهائج، دم كذبة، بانجو بدون أسئلة بالمقلوب ترسمني، دم سلبي، دم عصية، دم فرعون عندما كان الأب يقول سمكة يحلق بهدوء بين أرض وسهم، بهدوء نزهة الدعاسق، بهدوء ذلك الدفع لملحمة غزيرة، دم في عينيك من غير زاد، دم سفلس بدون فرضة للتوقيف، دم عين قاتل مستأجر لحانات شراساتي، دم بدون بلا حشمة، دم يتنازل يفرخ قمر الرمل على وجه رئتيَّ، دم سبوس في شبه جزيرة الأحد، دم خشبية، زياتيني من دم تصفق أجنحتها، دم حوصلة دجاجة وخراطيني المختالة المسحورة، دم من الوابل الذي يهمي عليَّ من البصلة، دم انتفاخ، دم سوق للبراغيث يأتي إيماءات، دم لنناقش أسعار التبغ، دم في المصنع الأحمر لشطحي، دم يفوح برائحة الطحالب والبول، دم ضربة خنجر لمافيا مشؤومة، دم وسواس، دم وحيد دوماً فرس نحيل، دم تضرب بجمع يدك على خدَّي السلفيين، عندما يقمق منخراي من مكتوب الياسمين، دم شوارع الدارالبيضاء خلال المظاهرات الطلابية، دم أنصت إليك، دم أحذرك من توتر لأم أربع وأربعين، دم وإلا فمرسى يتنضد فوق أذرع البازلت، دم قذارة، أحفر ورق بردي وحجراً أسود حجري الأسود للتحريض، دم طمث، دم إن كان أخي قد سهر على زينة مبيدات الأرق تقول لما كانت الورود ههنا، دم ارفع يديك، دم همجية، طبقتي من اللصوص مصدر قِدمي سيئة العائد، دم صاعد من بدغات في أيادي لتُشَد، يتعذر كشفها حتى في صنارة العصاعص، معجم روائحي غير اللاتمحى، دم حي قصديري من غير أن يحمر الملك خجلاً ليالي حباحب، دم لكنني أنبح كلب حقيقي، أفرغ لوحدي أبناك الدم، دم هيجان إلق المتوسط المتجول في هذه الحديقة حيث كانت الصدقة تعقد دكات، دم مملح ومدخن، دم زلزالي يبدؤني من إصبع الرجل، مثوليتي هي صياح السقاوات، دم معذِّب، طفيلية برغوثة ودماميل، أواه مأسواي عندما يقتل العرب الذئب، دم حار، دم رئيس، امحاء اسم شعلتك، دم يترك لي ظلاً، أنا مغمض العينين منذ الأسطورة، أيها الطبل السيئ لم تفصح عن اسمك من مصهر ويرقان، دم أرة لبحيرات مرجانية من قارات ضد من يظهر هذا المرجان المتقيح، دم ترسانتي، دم قنطرتي الوعرة، دم أفضل من العيش، دم أسوأ الصفات، دم حيوات كثيرة ونحل كثير، تحين عودتي، دم أدين لك أحلك، انصرف، أألم من عظمتك القاطعة، دم لا أعرف، دم وحيد في هذه الأنا التي وحدها لا يتبدل، دم لعبة محزنة، تخدرني بساقيك كساقي جلكا، إنك تقيلني من وظائف الملاك اللهوب، دم مخالف للطبيعة، دم عملة زائفة، أراوغ وليس عن سهو يسلمني الدم، أمضي إلى ضوضاء المدن بدون اسم حقيقي، وفي كل مكان ألاقي سحباً ذرية، وفوق جميع الخيوط الهاتفية تحط أجرام سيئة النية وأعمدة ماء، إنني لا أكلمك إلا لأننا نظل غير منفصلين، تقول، نحن غير قابلين للفصل، نحن قابلان للفصل، أرد أنا حالفاً في اللحظة نفسها حين يتم اغتيالي، لقد بنيتك بذوقي، وببراعة الفخاخ، وما فاتني أن آخذ بنصيب من سحر فودو الذي خلعه من العرش الأوروبي ذو الأسنان القاطعة، واليدين شديدتي الطول، ومن علم العظاءة المتبسمة، أبو الآباء، أبو السمكة العجوز التي صنعتها الرتيلاء المقدسة أمام أبي الآباء وأم الآباء، إنني لم أجعلك على مقاس الله، ولا رفعتك بطول الكرة الأرضية، أعطيتك صوتي، فنحن متعادلان.