أرخت استقالة كوفي عنان الموفد العربي والدولي لسورية٬ بظلالها على المنتظم الدولي الذي بدأ يتساءل عن مصير العملية السلمية والوساطة في بلاد تنحو نحو المجهول بفعل التطورات السياسية والنزاع المسلح الذي بدأت تتسع رقعته. وسارعت أطراف المجتمع الدولي إلى الإعلان أول أمس عن أسفها لاستقالة أنان، وتبادلت بعض الأطراف كالولايات المتحدة وموسكو والصين الاتهامات بشأن إفشال مهمة أنان ورهن مصير سوريا بالمجهول وباحتمالات التدخل الأجنبي لإنهاء النزاع. وتتزايد شكوك المجتمع الدولي بفعل تصاعد النزاع وخروجه عن السيطرة حيث اشتدت المعارك المسلحة بين الجيش النظامي والجيش السوري الحر في العديد من مناطق البلاد التي كانت في السابق مسرحا للاحتجاجات السلمية فقط. ويبدو أن الواقع الدولي الحالي والانقسام في وجهات نظر الدول الكبرى عجلت باستقالة كوفي عنان أول أمس الخميس من مهمته التي عقدت عليها الدول التي تقوم بوساطة بالغ الأمل في الخروج من النفق المسدود. ويظهر ذلك في كون عنان عزا استقالته إلى عدم تلقيه دعما كافيا٬ وقال «لم أتلق كل الدعم الذي تتطلبه المهمة (...) هناك انقسامات داخل المجتمع الدولي. كل ذلك أدى إلى تعقيد واجباتي». كما تبين هذا الأمر من خلال موقف بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة الذي عبر في أول رد فعل له عن «امتنانه العميق للجهود الشجاعة» التي بذلها كوفي عنان و»لتصميمه»٬ مبديا «أسفه العميق» لإنهاء مهمته». يذكر أن عنان عين في 23 فبراير الماضي في هذا المنصب٬ لكن خطته من ست نقاط لإرساء السلام في سورية والتي لحظت وقف المعارك بين قوات النظام والمعارضة المسلحة وانتقالا سياسيا لم تأخذ طريقها إلى التطبيق. ومن أجل الإسراع باحتواء تداعيات الاستقالة٬ أكد بان كي مون أنه باشر مشاورات مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ل»الإسراع في تعيين خلف لعنان يستطيع مواصلة جهود السلام الأساسية»٬ مشددا على أن الأممالمتحدة «تظل ملتزمة ببذل جهود دبلوماسية لوضع حد للعنف» في سورية. وعبر كي مون عن الأسف لكون «الانقسامات المستمرة داخل مجلس الأمن أصبحت عائقا أمام الدبلوماسية وجعلت تحرك أي وسيط أكثر صعوبة». كما طالب بان كي مون بتجديد تفويض عمل بعثة الأممالمتحدة للمراقبة في سوريا (يونسميس)، معربا عن أمله في أن لا يفشل المجلس في تمديد تفويضها بعد ال19 من غشت الجاري. وتتسارع وتيرة التطورات العسكرية ميدانيا في الأراضي السورية ولا سيما في حلب حيث قصفت المعارضة المسلحة أول أمس الخميس مطارا عسكريا قرب المدينة. وبعدما تفوق الجيش على المعارضين المسلحين في دمشق في مواجهات لا سابق لها في منتصف يوليوز، يركز هؤلاء جهودهم حاليا على ثاني مدينة في سوريا ويؤكدون أنهم يسيطرون على «خمسين بالمائة» منها. لكن مقاتلي المعارضة أقروا الخميس – في تصريحات لوسائل الإعلام- للمرة الأولى باستخدام دبابات في المعارك الدائرة في حلب. على المستوى السياسي وفي تطور مثير٬ وردت أنباء عن توقيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما وثيقة سرية تسمح بتقديم المساعدة للمقاتلين المعارضين السوريين٬ في ما يشكل خطوة في اتجاه التخلي عن «الحذر» في التعامل مع الساعين للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد. وكان البيت الأبيض قد أعلن في السابق أن أوباما صادق أول أمس الخميس على تقديم مساعدات إنسانية إضافية بقيمة 12 مليون دولار للسوريين للمساعدة في التخفيف من وطأة «الفظائع الرهيبة» التي قال إن الرئيس السوري بشار الأسد يرتكبها.