راهنية الفكر الاشتراكي تظل مطروحة وتؤطرها شرعيات متعددة اعتبر الأستاذ خالد الناصري، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ووزير الاتصال السابق، أن السؤال حول راهنية ماركس، لايزال مطروحا بحدة، ولم يغب نهائيا، بل كان هناك تغييب له لحوالي 20 سنة، بسبب مجموعة من العوامل، تتمثل أساسا في زحف إيديولوجي وثقافي وسياسي للنظريات الليبيرالية الموغلة في الرجعية، التي ساهمت في طمس الحقيقة وجعلت الرأي العام والنخب المثقفة ينسون أن ما حصل في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من انهيار جدار برلين ومنظومة الاتحاد السوفياتي، ليس سوى القشرة الفوقية لواقع معقد لم يتم الالتفات إليه كما يجب. وأضاف الناصري، الذي استضافه «فضاء الأطر» لحزب التقدم والاشتراكية بالدار البيضاء، صبيحة أول أمس السبت، في لقاء عمومي حول موضوع «راهنية ماركس وأسئلة اليسار بالمغرب»، أن اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، ناقشت، في بداية التسعينيات، هذا الموضوع، في عدة اجتماعات لها امتدت لحوالي ثلاثة أشهر، وخلصت في الأخير، أن هناك فعلا أخطاء تاريخية ارتكبت في الاتحاد السوفياتي سابقا، وأن تجربة الاتحاد السوفياتي هي التي فشلت، وأن الفكرة الاشتراكية لا يمكن القول أنها فشلت. وأكد أيضا، أن راهنية الفكر الاشتراكي، تظل مطروحة وتؤطرها ثلاثة شرعيات. الشرعية الأولى فلسفية، وتتجلى في كون ماركس مايزال أحد عمالقة الفكر السياسي والاقتصادي، وأن هناك اليوم إعادة اكتشاف ماركس، حيث لم يعد يلتفت إليه أصحاب المرجعية الاشتراكية، بل أصحاب المرجعية الليبرالية واليمينية. أما الشرعية الثانية، فهي الشرعية السياسية المتمثلة في كون العديد من المفكرين والمنظرين والمناضلين، باتوا اليوم يتساءلون أكثر من أي وقت مضى، إن لم يكونوا قد تسرعوا أكثر من اللازم في دفن فكر ماركس ونظريته في الوقت الذي دفنت فيه تجربة الاتحاد السوفياتي سابقا. في حين، أرجع المحاضرالشرعية الثالثة لراهنية الفكر الاشتراكي إلى الشرعية المغربية، حيث قال في هذا الصدد، أن أول من أدخل الفكر الاشتراكي إلى المغرب، أدخله باسم الماركسية، مسجلا بالمناسبة، أن الفكر التقدمي والاشتراكي، دخل إلى المغرب عن طريق أدبيات الحزب الشيوعي المغربي، وهو المعطى الذي طالب المحاضر باستحضاره دائما، لأنه معطى تاريخي لا يرتفع. وأوضح الأستاذ الناصري، أن حزب التقدم والاشتراكية، حتى وإن لم يدمج رسميا الماركسية في المنظومة المرجعية، فهي تظل حاضرة بقيمها الإنسانية، من خلال أطروحة الحزب التي تعتمد على رافدين أساسيين، يتمثلان من جهة في تراكمات الفكر السياسي العربي وتراكمات الفكر الإنساني التحرري التقدمي من جهة أخرى. وأكد على أننا في حاجة إلى أداة تحليل تتسم بالنجاعة الفكرية، وتسمح لنا بفهم الحاضر وتحليله من أجل السير إلى الأمام، وأن الماركسية أفادتنا كثيرا في هذا المنحى التحليلي، لكونها مبنية أساسا على المنهجية الجدلية التي اقتبسها ماركس من الفيلسوف الألماني هيجل، وتعمل على تدبير المتناقضات انطلاقا من اعتبار أن الحياة محركها المتناقضات وفي كل مناحي الحياة وفي الحياة الاجتماعية، مضيفا أن الجدلية هي التي تسمح لنا بفهم الواقع من أجل تغييره. بعد ذلك، انتقل المحاضرإلى الحديث عن المغرب المعاصر، وقال، إن ما يمكن أن يقال عنه، أنه مجتمع يعيش طفرة تغيير لم يسبق لها مثيل، طفرة انتقال اجتماعي وتاريخي على حد تعبيره، تتداخل فيها المرجعيات والتموقعات والمتناقضات، في مرحلة معقدة ومركبة، تلتبس فيها الآفاق أمام المحللين، لأنه قلما كنا في مرحلة مثل هذه، قبل أن يستدرك، أن هناك بعض الأسئلة المقلقة التي تبين أننا في حاجة إلى أداة لفك رموز المرحلة. وشدد المحاضر على أن الآليات المنهجية التي يقوم عليها الفكر الماركسي هي التي ستساعدنا على فك هذه الرموز شريطة إدماج هذا الفكر الماركسي في السياق الاجتماعي الذي يعرفه المغرب، وأكد على أننا في حاجة إلى مقاربة ذكية لاستمزاج النظرية من أجل فهم الواقع وتغييره. وعرج المتحدث في محاضرته على الهزة العنيفة التي يعرفها النظام الرأسمالي اليوم، وانعكاساتها السلبية على الشعوب، مما دفع بأصوات كثيرة، ضمنها عدد من المفكرين، إلى الإعلان أن الاشتراكية لم تدفن مع جدار برلين، داعيا في نفس الوقت، الجميع إلى إعادة اكتشاف الاشتراكية، وإعادة صياغتها، لأن القيم والمثل الاشتراكية في نظره قيم أزلية. كم لفت المحاضر الانتباه، في مداخلته، أن الماركسية أساء إليها عدد من الماركسيين أنفسهم من خلال توظيف مادوي، جعل الماركسية تفتقد كنهها العميق والغني، وأن هذا كان جزء من الخلاف بين حزب التقدم والاشتراكية والحزب الشيوعي الفرنسي والسوفياتي سابقا، وأن هذه الخلافات سببها المرتكزات الفلسفية والإيديولوجية التي يتبناها كل طرف. ولدى حديثه عن المغرب مرة أخرى، قال أن مظاهر التعقيد متزايدة في تشكيلة المجتمع المغربي، مما يزيد من صعوبة تحليله، وأنه مع بداية القرن 21، هناك تعايش لعدة مجتمعات داخل المجتمع المغربي، وأعطى أمثلة لذاك من خلال الازدواجية التي تتمثل في عدة مجالات، ولم تسلم منها حتى الدارجة المغربية التي أفرزت دارجة جديدة. وطرح المحاضر في ختام مداخلته، مجموعة من الأسئلة، اعترف شخصيا أنه يجد صعوبة كبيرة في تقديم أجوبة عليها، آملا أن تتم الإجابة عنها قريبا، ضمنها، هل هناك انسجام في المرجعيات السياسية انطلاقا من تموقعها الطبقي؟ كيف تتأسس الأحزاب والنقابات والجمعيات والصحف؟ وما معنى اليوم، الطبقة العاملة، الطبقة البورجوازية والطبقات الوسطى؟ إضافة إلى أسئلة أخرى، تسائل دور الدين والتدين، وما معنى أن تكون اشتراكيا؟ وما معنى وحدة اليسار؟ وأسئلة أخرى...