يبدو أن خبر قيام الشرطة القضائية بزيارة مقر أثير (راديو مارس) للتحقيق في تصريحات وردت في أحد حلقات برنامج «المريخ الرياضي» بخصوص وجود تلاعبات في لقاءات البطولة الاحترافية، لم تلق صدى واسعا أو تجاوبا من طرف أغلب المتدخلين، وكأن قطاع الرياضة ليس معنيا بمحاربة أشكال فساده، بالرغم من خطورة المسألة التي وصلت إلى أروقة جهاز الشرطة، حيث تبحث الأخيرة عن أدلة بخصوص تصريحات أدلى بها بعض حكام البطولة الوطنية. تصريحات خطيرة تتهم مباشرة مديرية التحكيم بجامعة كرة القدم، بالتدخل السافر في نتائج بعض المباريات حسبما يخدم مصالحها ومصالح المقربين منها. ظهور اتهامات بالمباشر ولد رد فعل وحراكا إيجابيا من لدن الأجهزة المكافحة للفساد، حيث تعهد وزير العدل والحريات العامة مصطفى الرميد بتحريك المساطير القانونية لفتح تحقيق حول صحة الاتهامات، وهو ما حصل فعلا بالزيارة المفاجئة للشرطة القضائية ل(راديو مارس)، والتي جاءت بهدف الوقوف على تسجيلات للحلقة التي عرفت بث تصريحات الحكام، في أفق استدعائهم للتحقيق معهم فيما أدلوا به، وهل يملكون أدلة حية على صحة اتهاماتهم، حتى لن ينقلب كلامهم عليهم، ويصبحوا في حكم المذنبين. وبالتالي، فالتحقيق في الموضوع سيكون الحكم الفاصل في تحديد هوية الطرف المذنب وتبرئة الآخر، على أمل أن لا تتدخل أطراف للتلاعب في الحكم النهائي ومحاولة طمر الحقيقة التي تكشف عن عيون الفساد التي أصابت بدورها قطاع الرياضة. تحدث الحكام على الأثير المشهور عن أشياء مخزية، لكن الدلائل على صحة أقاويلهم لم تظهر بعد، قالوا أن هناك محسوبية داخل مديرية التحكيم، وكيف تتم عمليات التلاعب وبيع وشراء نتائج المباريات، وأن أي حكم تسول له نفسه مخالفة الأوامر أو التمرد سيطرد دون سابق علم. وفي المقابل فإن الطرف المتهم بالتلاعب أي مديرية التحكيم ما يزال بريئا حتى تثبتت إدانته وفق أعراف القانون، والذي حق له الدفاع عن نفسه ضد اتهامات لم تسلك طريقا سليما، فاتهام شخص ما بالفساد على شاشة التلفاز أو الراديو قد يجر على صاحبه ويلات لا تحمد عقباها، في غياب حجج وبراهين تقوي موقفه، خاصة وأن الطريقة المثلى لمحاربة الفساد معروفة، وإن كانت طريقته مليئة بالحفر والمكبات. توصف واقعة تدخل الشرطة القضائية دون انتظار تقدم أي طرف بشكاية في الموضوع، بأنها سابقة في تاريخ الكرة الوطنية، لكنها ليست سابقة على صعيد الكرة العالمية، فمثلا لو أخذنا ما حصل بإيطاليا مؤخرا، حيث عمد اتحاد الكرة بمعية نيابته إلى الإعلان عن أسماء أندية ستحاكم في فضيحة التلاعب بنتائج مباريات لصالح شركة مراهنات، ولن ننسى كيف تعامل اتحاد الكرة بصرامة بالغة مع نادي جيفونتيس أحد أعرق أنديتها، وسحب منه لقبي الكالتشيو مع نزوله إلى الدرجة الثانية. صحيح أن إيطاليا تسبقنا بسنوات ضوئية فيما يخص النصوص القانونية المنظمة للساحة الكروية، وإسناد مهمات التحقيق والبحث والعقاب للقضاء الرياضي، وليس المدني، لكن استحضار النموذج الإيطالي هنا يأتي لإبراز أن فيروس الفساد ليس مقتصرا على مجالات دون أخرى، وأن الرياضة مكان خصب لاستغلال بشع لأشخاص همهم الوحيد تحقيق الأرباح على حساب قطاع تبقى الأخلاق قيمة أساسية تحضر في أية لعبة رياضية. إن تخليق الحياة الرياضية، والتي يسعى المغرب إليه بنص الدستور الجديد والرسالة الملكية السامية، لن يتأتى له إلى بمحاربة أشكال الفساد لاعتبارات تتماشى مع طموحاته في تطوير هذا القطاع، وجعله قطاع خال من ميكروبات تسيء له، بيد أن ذلك لن يسمح لنا بمحاولة تزييف واقع يقول إن الساحة الكروية تشهد اختلالات عدة، وما التلاعب بالنتائج سوى نقطة من فيض.. وإذا كنا نسعى للتخليق الفعلي والشامل، فعلينا أن نستخلص العبرة من نماذج تحارب الفساد الرياضي ونقتدي بها مستقبلا، على أمل أن تعمم الشرطة القضائية زياراتها عند ظهور أدنى اتهام، ولما لا أن تأخذ المبادرة وتزور الجامعات والجمعيات الرياضية، لعلها تسهم في نفض التراب عن ملفات سوداء أخرى لم تر النور بعد.!!!