لأول مرة.. صحافيون وقضاة وجها لوجه أعلن مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، عن إحداث لجنة وطنية يعهد إليها قيادة التشاور حول إصلاح قانون الصحافة وتلقي المذكرات والمقترحات ودراستها، على أن تعد مشروعا يسلم للحكومة في غضون الثلاثة أشهر القادمة على أساس أن يكون جاهزا لإحالته على البرلمان في دورة أكتوبر المقبل. وقد عهد لرئاسة هذه اللجنة إلى الصحافي ووزير الاتصال الأسبق محمد العربي المساري وستضم في عضويتها شخصيات أكاديمية ومهنية، وقد أعلن عن هذه اللجنة خلال اليوم الدراسي الذي نظمته أمس الخميس، بالرباط، وزارة الاتصال ووزارة العدل والحريات والفدرالية المغربية لناشري الصحف والنقابة الوطنية للصحافة المغربية حول «قانون الصحافة وعلاقة القضاء بالصحافة» بمناسبة اليوم العالمي لحرية الإعلام. في هذا السياق، قال الخلفي في كلمة له بالمناسبة، بخصوص تصوره لقانون صحافة ينسجم والتحولات الجوهرية التي عرفها في ظل الدستور الجديد إن» المغرب بإمكانه التوفر على قانون للصحافة خال من العقوبات السالبة للحرية «، مشيرا إلى أن الحوار الذي كان قد انطلق على عهد الوزير الأسبق محمد نبيل بنعبد الله سنة 2004 والذي توصل إلى مشروع قانون يتضمن حوالي أربع عقوبات سالبة للحرية من أصل 24 عقوبة شكل خطوة متقدمة في حينه، وأن الآن في ظل دستور جديد من الممكن التوصل إلى قانون خال من كل العقوبات السالبة للحرية. وشدد الخلفي على أن الجو الديمقراطي الذي يعرفه المغرب أصبح مواتيا لإخراج مثل هذا القانون، الذي يجب أن تراجع فيه المعايير المعتمدة في تحديد التعويضات المالية الباهضة والغرامات ضد الصحفيين، مؤكدا على ضرورة إعداد قانون جديد ينظم مهنة الصحافة. من جانبه، ذكر مصطفى الرميد وزير العدل والحريات، أن أم المشكلات التي تؤرق الصحافيين هي الحرية التي لا يحق لأي كان أن يزايد عليها، مشيرا إلى أن الفصل 28 من الدستور نص عليها وأكد على أنه لا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وأن للجميع الحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية، ومن غير قيد عدا ما ينص عليه القانون صراحة، بل لقد أوكل الدستور إلى السلطات العمومية نفسِها مهمة التشجيع على تنظيم قطاع الصِّحافة بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية، على أن الضابط لكل ذلك (تحقيقا لمفهوم الحرية المسؤولة) يقول وزير العدل والحريات هو»وضع قواعد قانونية وأخلاقية من شأنها تأمين الحرية المنشودة وحفظها من الشطط الذي قد يوصلها إلى حافة المس بحقوق الأفراد والجماعات، إذ أن الحرية تشهد للحرية وتدعمها وتعضدها، ولا تخالفها أو تعاندها، فالحرية كيان واحد، وضمير موحد». وأضاف الرميد أن الدستور الجديد كفل الحق في المعلومة وجعله غير قابل للتنفيذ إلا بمقتضى القانون بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة، مشيرا إلى أن التنزيل الإيجابي لهذه المبادئ الدستورية يقتضي وعيا كبيرا وقدرة على الفصل الإيجابي بين حدود الحق والواجب وهو ضابط من شأنه أن يمكن أي سلطة تشريعية من أن تمثل المعايير الدولية المعمول بها في هذا الشأن. وقال وزير العدل والحريات إن»قانون الصحافة أسال ولا زال يسيل الكثير من المداد وشكل غير ما مرة موضوع سجال ذهب المهتمون فيه مذاهب شتى، واختلفت في شأنه الآراء وتعددت المقاربات»، مشيرا إلى أن القوانين التي تُكتب لها الحياة هي تلك التي تكون نتاجا للمخاضات العسيرة واستجابة للضرورات الملحة وهي التي تراعى فيها حقوق كافة المعنيين دون تغليب لجانب على آخر، كي تأتي مستوفاة لشروط العدل، مستجيبة لحاجيات الأفراد والجماعات، دون إفراط ولا تفريط، فليس ثمة قانون عَصي على الإصلاح وليس ثمة شريعة غير قابلة للتطور. واعتبر مصطفى الرميد أن العلاقة بين القضاء والصحافة يتعين أن تكون علاقة انفتاح، وأن على القاضي أن لا يبقى في برجه العاجي الذي يعزله عن محيطه الخارجي بل لا بد له من الانفتاح الإيجابي والتواصل مع كافة فعاليات المجتمع وعلى رأسها الصحافة. وأوضح الوزير أن العلاقة بين الصحافة والقضاء ظلت تشكو دوما من نقص في التواصل بين الطرفين وهو ما أثر سلبا في الكثير من الأحيان على طبيعة تلك العلاقة. بدوره شدد يونس مجاهد رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، بخصوص قانون الصحافة، على أن المشكل ليس في النصوص أو الاجتهادات القانونية وإنما المشكل الحقيقي يكمن في القدرة على تمثل التطور الذي يعرفه المغرب في ظل الدستور الجديد، وفي مدى توفر الإرادة السياسية للإصلاح والتنزيل السليم لمقتضيات الدستور، وذكر بموقف النقابة الوطنية للصحافة المغربية من كل القضايا ذات الصلة بحرية الصحافة والإعلام وبالتراكمات التي أنجزتها عبر مراحل مختلفة بمعية شركائها في المجتمع المدني والسياسي. وجدد نقيب الصحافيين المغاربة تأكيده على أن أي إصلاح يتعين أن يكون وفق منهجية تشاركية مع المهنيين سواء تلعق الأمر بقانون الصحافة أو بالمجلس الوطني للصحافة. ووصف مجاهد العلاقة بين الصحافة والقضاء ب «المهمة جدا» على اعتبار أنه كيف ما كان القانون فلا بد أن يمر عبر التأويل القضائي، مشيرا إلى أن تجاوز سلبيات الماضي في العلاقة بين الطرفين تقتضي خلق قضاء متخصص بالنظر إلى القضايا الدقيقة التي تثار في العمل الصحفي. من جانبه، أكد نور الدين مفتاح رئيس الفدرالية المغربية لناشري الصحف على أن أي تعديل لقانون الصحافة يجب أن يكون منسجما مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، داعيا إلى ضرورة إخراج قانون الحق في الوصول إلى المعلومة إلى حيز الوجود لأن في غيابه تكثر الإشاعة كما أن غياب تنظيم ذاتي للمهنة يؤدي إلى منزلقات، واعتبر في هذا السياق على أن توصيات الحوار الوطني حول الصحافة والمجتمع تشكل سقفا مريحا لكل المهنيين. وأوضح بخصوص العلاقة بين الصحافة والقضاء أنها ظلت متشنجة ولم يسبق للطرفين أن تواصلا فيما بينهما، مشيرا إلى أن الصحافي لم يكن يوما فوق المساءلة لكن هذه الأخيرة يتعين أن تكون في إطار القانون. وأشار مفتاح أن ذلك يقتضي التوفر على قضاء مستقل يعمل وفق المعايير الدولية بالإضافة إلى إحداث غرفة متخصص بقضاة متخصصين لأن قضايا الصحافة لها خصوصياتها.