قدم الشعب السينغالي الدليل على أن الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة سلوكان ممكنان في إفريقيا، وعلى عكس ما حصل في مالي مثلا، فان السينغال نجح في عبور محطة الانتخابات الرئيسية بسلام، وصوت الناخبون لفائدة رئيس جديد للبلاد، واقر الرئيس المنتهية ولايته بهزيمته، وهنأ منافسه الذي فاز، وهي خطوة تعزز تميز دكار في منطقة تسودها الفوضى السياسية والأمنية. إن الذي برز في السينغال، بمناسبة الانتخابات الأخيرة، هو الشعب الذي أقبل على صناديق الاقتراع، وفي دورين متتاليين، حيث أن هذا الشعب هو نفسه الذي كان قد توج عبداللاي واد رئيسا، وهو الذي اختار اليوم معارضه ليخلفه، كما أن الطبقة السياسية في البلاد نجحت أيضا في تفعيل تصويت مجد، فبعد وصول واد وماكي سال إلى الدور الثاني، دعا مرشحو الدور الأول ناخبيهم ومسانديهم إلى الالتفاف حول مرشح المعارضة، وساهم ذلك في رسم معالم النتيجة النهائية للاقتراع، وخرج البلد فائزا، وأشاد العالم كله بالخطوة الجيدة للسينغال. وفي السياق نفسه، فان الرئيس المنتهية ولايته، والذي كيلت له الكثير من الاتهامات من طرف معارضيه بشأن استغلال موارد البلاد في حملته الانتخابية، وتعرض لضغوط كثير من العواصم العالمية لثنيه عن الترشح أصلا، لم يتردد في الأخير في الإقرار بهزيمته، وفي المبادرة إلى تهنئة خصمه الفائز، وساهم بذلك في تقوية التجربة الديمقراطية لبلاده، وجعلها تتطلع إلى أفق أكثر استقرارا وحيوية. لقد أبانت الرئاسيات السينغالية الأخيرة على أن الشعب السينغالي استفاد من تراكمات تجاربه العديدة مع العمليات الانتخابية، كما أنه تجاوز حدة الصراعات الاثنية والقبلية وتأثيراتها السياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى استمرار حياد المؤسسة العسكرية، وهذه القضايا الثلاث هي التي تعتبر قيودا تكبل العديد من البلدان الإفريقية (مالي، ساحل العاج...)، وهي التي أيضا جنبت الشعب السينغالي عبر تاريخه ويلات ومآسي الانقلابات العسكرية. وإذا نجح الرئيس الجديد في استثمار مميزات التجربة السينغالية، وخصوصيات شعبه، وتجاوز سلبيات عهد واد، خصوصا على صعيد القضايا التنموية والاجتماعية، وفيما يتعلق بمحاربة الفساد وتوسيع فضاءات الممارسة الديمقراطية، فان دكار بإمكانها أن تكرس نموذجا جيدا للحياة الديمقراطية في بلد إفريقي، خاصة إذا تعززت منظومة العمل السياسي الداخلي، وجرى إنماء الوعي المدني وسط الشعب. إن الحراك الديمقراطي الذي شهدته بعض المجتمعات العربية، وكان الشعب السينغالي أيضا قد باشره من خلال احتجاجات ومظاهرات في الشوارع، بإمكانه الوصول إلى القارة السمراء من خلال بوابة مثل السينغال، وبإمكان نجاح مثل هذه التجارب الديمقراطية القطرية، أن يعزز دينامية ديمقراطية على مستوى القارة، وبالتالي تغيير الصورة التي يستقبلها العالم عنها، والانتقال من مشاهد الانقلابات والقتل وسفك الدماء والجوع والمرض والتخلف إلى مسلسلات للدمقرطة والإصلاح والتنمية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته