ايه .. يا جليلة قلبي وشعلة ذاكرتي. أعوام وأعوام قد مضت حتى غدت حكايتنا أسطورة ترددها الأديان.. لكنهم أبدا لم يعرفوا حقيقة ما جرى، فكل الذي قالوه كان بعضا مما خفى. نعم كان أبي يعقوب يحبني، لكنه ما كان رحيما بي. اذ يعذبني بلهيب أسلاف عتات ظل مشتعلا في روحه. نعم كان أبي يعشق أمي، ولهذا أيضا كان يجلدها بسياط جبروته وغيرته. نعم كان إخوتي يغارون مني، لكنهم ما غدروا بي، بل أنا الذي غدرت بنفسي وأويت إلى قعر بئر معتم مهجور هربا من حياة ظلم ورعب ومهانة. وما كذب إخوتي عندما آتو ابي بثوبي المدمى بأنياب ومخالب ذئب معتوه. فالذئب كان ذئب ثورتي أنا ومخالب ضنكي وأنياب نقمتي التي نهشتني عن طفولة ضياع ومذلة. * * * اعترف الان يا زليخة، انا الذي ورطتك في الغوايا. اه لو تعرفي يا معبودتي كم حاولت ان اقاوم واقاوم سحرك حتى قبل ان تلحضيني. رغما عني كنت افتعل الاسباب لكي امر صدفة بقربك واجعل مخدوميك يحتاجون حضوري في قصرك. او تتذكري فراشات كانت تنساب مع انسام الصباح عبر نافذتك؟ انا الذي كنت ابعثها بعد ان اعطرها بنفحات ولع مجنوك بك. او تتذكري وعولا كانت تتهادى عبر دروب نزهتك؟ انا الذي كنت اطلق حريتها بعد ان ارتل لها اشعار مديح حسنك. كنت يا مليكتي، اراك في النجوم ليلا وفي البساتين والانهار نهارا، وعندما تمرقين امامي، كنت احس بالاثم والحزن، لاني ادرك حينها بان الغواية قد ملكتني. اعترف الان باني انا الذي ابتغيت في اعماقي ان اعيش تجربة السجن، لكي اتطهر من اثام متخيلة حفرتها الازمان في تلافيف روحي. وكان حبي لك اعظم تلك الآثام. * * * ايه يا زليخة، انا يوسف، اهكذا تفرقنا الازمان؟ الاعوام تمر يا معبودتي، لكن بئر غدرك ونكرانك ما زل يقبع في اعماقي انا بعد ان اخرجتني الحياة من بئر طفوتي. حتى الآن ما زلت آثار انيابك وانت تنهشين بروحي وكرامتي وكل احلام برائتي. احوم مجنونا في قيعان بئرك، اعوي مستغيثا الرحمة الرحمة الرحمة يا سيدة مصيري، يا امي وامتي واختي وابنتي ومعشوقة كوني. يا رائعة يا طاغية يا وفية. يا قاتلتي وظالمتي وواهبتي نسغ الحياة. كنت امضي العمر احبو واحبو واحبو، وما ان بلغ حافة انوارك، حتى يدفعني حراسك لاسقط من جديد في غياهب بئرك.. يا حنونة... يا خؤونة.... * * * نعم أنا أخاطبك يا زليختي، ليس لأني محتاج لك بل لأني اعرف بأنك محتاجة لي. فانا الآن قد تصالحت مع ذئبي وتحررت من غياهب بئري. فدعيني أكون معك لكي تتصالحي مع ذئبك وتتحري من غياهب بئرك. فتعالي.. تعالي يا معبودتي يا جذوتي يا أمي وأمتي، فها أنا أتطهر من آثام أسلافي وأسمو إلى أنوار ذاتي وفي طريقي لأبلغ ملكوت خالقي.. تعالي تعالي يا زليختي.. أنا يوسفك.. ويحك أما تهب على قلبك أنسام حنين!