افتتحت فيروز أول حفلاتها الأربعة، مساء الجمعة الماضي بفستانها الأبيض، أطلت فيروز على صالة جمعت أكثر من 3500 شخص، جاءوا من مختلف المناطق اللبنانية إلى هذا المكان الذي يكتشفونه للمرة الأولى، وهناك من حضروا من سوريا متغلبين على جراحهم محاولين تناسي هموم ثورتهم الدامية على وقع صوت مطربتهم. وبدا الحضور وكأنه نسي متاعبه كلها، صفق وغنى معها «القمر بيضوي ع الناس» و«على جسر اللوزية»، و«طيري يا طيارة طيري» و«حبيت ما حبيت». واستعادت فيروز أمجادها في هذا الحفل الذي بقي في غالبيته الساحقة مخصصا لإبداعات الأخوين رحباني، منصور وعاصي، ولم ينل زياد الرحباني الغائب الحاضر أبدا إلا جزءا يسيرا منه، وكأنما فيروز أرادت أن تثبت أن إرث الأخوين رحباني ملكها، ولها أن تقدمه متى شاءت وكيفما أرادت رغم اعتراض أولاد عاصي ومطالبتهم بحقوقهم المادية والمعنوية فيه. وهكذا سمع الحضور قمريات فيروز، وكل مفردات الضيعة التي أنتجتها عبقرية الأخوين رحباني. أغنيات من الأفلام والمسرحيات، حيث طغت السهريات والصبحيات، وهب الهوا، وسمعنا صوت البلابل، وغنى الكورس مجموعة من أغاني البحرية والصيادين. وبقي الجيل الشاب ينتظر تلك الأغاني التي عايشها وعاصرها، فما إن كانت تطل أغنية مثل «صباح ومسا» و«إيه في أمل» حتى يجد أن فيروز عادت إلى قديمها. أمر أصاب الشباب بشيء من الخيبة، إذ حتى الأغنيات القديمة التي أدتها لم تكن في الحقيقة في غالبيتها من أشهر أغنياتها وأكثرها شيوعا. مع ذلك فإنها فيروز التي ما إن ترفع يدها حاملة الدف ملوحة به، حتى يجن جنون الحضور ويقف هائجا مائجا، غير مصدق أن هذا المشهد يحصل أمامه بالفعل. لم تقدم فيروز مسرحية رحبانية قال أولاد منصور إنهم سيقفون في وجهها لو أعادت إنتاجها على المسرح دون إذنهم، لكنها استعارت أغنيات من تلك الأعمال، وحوارات غنائية منها. وفي آخر الحفل، حملت الدف وغنت «تبقى بلدنا» ذاك الدويتو الجميل الذي كان قد جمعها مع نصري شمس الدين. أنهت فيروز بأغنيتها التي أصبحت تقليدية في آخر الحفلات «بكرة بارجع باوقف معكن، إذا مش بكرة البعدو أكيد»، في تأكيد جديد على أن فيروز لن تعتزل كما رددت إشاعات سبقت الحفل، بسبب استغراب البعض أن تغني جارة القمر من دون مناسبة كبيرة، ترتبط بشريط جديد، أو ضمن إطار مهرجان. واستطاع شاب أن يتسلل إلى المسرح في ختام الحفل رغم الحراسة المشددة وانهال على يد فيروز تقبيلا، وفي ما يبدو أنها ارتبكت ولم تعرف ما تفعل. واستطاع الشاب أن يفعل فعلته وينزل عن المسرح بسرعة البرق، قبل حتى أن يتمكن الحراس من إدراك ما يحدث.