دولة رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني راعي المهرجان معالي وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور أحمد فكاك البدراني. سعادة الدكتور جبار جودي نقيب الفنانين العراقيين. مدير عام دائرة السينما والمسرح. أصحاب السمو من الفنانات الفنانين العرب الحاضرين هنا والمتابعين عن بعد السيدات والسادة من الهيئات الثقافية والإعلامية الذين يضيئون صورة المسرح ويرفعون صوته. أهلا ومرحبا بكم في افتتاح الدورة الرابعة عشرة من مهرجان المسرح العربي. اسمحوا لي بداية أن أسطر الشكر الكبير لدولة رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني، على رعايته الكريمة للمهرجان وعلى تشريفه لنا بحضوره الذي يتوج دعمه اللا محدود للمهرجان وتنظيمه، كما لا بد من توجيه الشكر الوافي لمعالي وزير الثقافة والسياحة والآثار الأستاذ الدكتور أحمد فكاك البدراني الذي حرص على مواكبة كل تفاصيل المهرجان وخطوات تنظيمه على مدار عشرة أشهر، لم تغفل عينه فيها عن رعاية خطواتنا.. وبعد، فأي كلمات يمكن أن تعبر عن الشكر والثناء للرجل الذي شد القوس قبل خمس سنوات حتى أطلق نباله اليوم وبذل ما لا يمكن تخيله من الجهد والفكر والإصرار والمحبة لضمان النجاح، سعادة نقيب الفنانين والمدير العام لدائرة السينما والمسرح الدكتور جبار جودي، والذي قاد فيلقاً من الأبطال الحقيقيين المتواضعين المتفانين، فيلقاً عرفناهم مبدعين على خشبات المسارح واليوم عرفناهم نماذج في البذل والعطاء والانتماء، وهل يكفي المقام لذكرهم، فإن بدأنا بأولهم الدكتور علي السوداني، فلربما يستمر ذكرهم وذكر أسمائهم وفضائلهم حتى مطلع الفجر، إنهم أبناء العراق، إنهم روح بغداد. وليس للكلام في بغداد أطيب من وصف أبي الطيب حين قال: بغداد أنت شفاء العين من رمدٍ بغداد أنت لقاء الله بالأممِ بغداد أنت دواء القلب من عجزٍ بغداد أنت هلال الأشهر الحرمِ أن تكون في بغدادالعراق، فهذا يعني أنك في المغرب وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وجيبوتي والصومال وجزر القمر واليمن وعُمان والسعودية، والبحرين وقطر والكويت والإمارات وسوريا ولبنان والأردن وسيدة الأرض فلسطين. أن تكون في بغداد، وعلى صهوة المسرح، لكأنك في محرابٍ والروح ترنو إلى حيث أسرى الله سبحانه برسوله محمد الذي أرسله رحمة للعالمين، أسرى به من قبلته الثانية إلى قبلته الأولى ومن هناك عرج به إلى سدرة المنتهى، هو خيط ناي، هو حبلنا السري، تمشي عليه الروح تسري، من أرض أول الحضارة إلى سرة الأرض وسلمنا إلى السماء. وإننا إذ نرفع الكلمة إليها فلأنها ليست مسألة ضمير أو امتحان ضمير، إنها الضمير، وكل حرية في هذا العالم منقوصة دون حريتها، وكل حق في هذا العالم منقوص دون حقوقها، كل كرامة في هذا العالم منقوصة دون كرامتها، كل فرح في هذا العالم منقوص دون فرحها. بيوتنا آيلة للسقوط حين تدمر بيوتها، أطفالنا يتامى حين يقتل أطفالها، حرائرنا أرامل حين تبكي نساؤها. اليوم في بغداد نرفع راية المسرح انتصاراً للجمال والحق والخير، انتصارا للحياة في مواجهة الموت، ولنعلن جدارتنا بالحياة والإبداع، فروح العروبة المبدعة حية لا تموت رغم كل من يريد لها أن تندثر. أولم يقل الشاعر محمود درويش ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا ونرقص بين شهيدين، نرفع مئذنة للبنفسج بينهما أو نخيلاً. من هذه الصورة الجارحة الواضحة الكاشفة العارفة، أبدأ الليلة هذا النشيد، وأقول ونتخذ من المسرح الحر سبيلا، ومن رؤى المسرحيين الأبرار مرشداً ودليلاً، فديثرامب المسرح اليوم يعلو نشيداً لعزة الإنسان كي لا يعيش ذليلا، وكي لا يكون حقنا في أن نصوغ مصيرنا على مذبح الطغاة قتيلا. ونحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا. نحن المسرحيون نبتدع حلمنا من قلب جرحنا، نُصَدِقُهُ ونَصْدُقُهُ، ونمضي به ومعه حتى النهاية مؤمنين أمنيين على إبقاء شعلة الوعي وَقَادَةً، فنحن الراية حين تهتز كل الرايات، ونحن البصيرة حين تغشى البصائر العتمات، ونحن الكلمة حين يبتلع الخوف الألسن وتصمت الأصوات. في المسرح صراعات، وقتل وضحايا، ودول تنهض ودول تدول، وفي نهاية العرض ينهض الموتى ويرجع الغائب يحيون جمهوراً يبادلهم المحبة، فلا الموت في المسرح يعني نهاية الحياة، ولا الطلقة في المسرح سوى صوت مؤثر، وما الدم سوى لون وربما يكون طيب المذاق، لا الكره حقد، ولا الانتقام أذى، ولا الغني في العرض أيسر حالاً من الفقير، إنها فلسفة المسرح وإنه سحره، المسرح ليس بياناً أو شعاراً فهو أعمق من ذلك وأنبل، إنه موقف فكري حاضر باستمرار، والمسرحي بارٌّ بالحياة، المسرحي حامل مشعل التنوير، على هديه يسير الناس، منهم من يصرخ بالغضب، منهم من يصدح بالغناء، منهم من يرسم منهم من يقول القصيد، وهنا أتسلح بصرخة السياب حين قال: من يفهُم الأرضَ أنَّ الصغار يضيقونَ بالحفرةِ الباردة؟ أسىً موجعٌ أن يموتَ الصغار. الحق لا يتجزأ بل يتكامل، تماماً كما هو تاريخنا ومصيرنا، والمسرح ظل على مدار الحقب والفترات وفياً وصامداً، أوليس الإبداع طريقنا لإحداث الفارقة، فالمسرح إذن ليس بوصلة فقط بل هو السالكون والطريق، وهو لا ينتصر للحق والخير والجمال لأننا في لحظة تاريخية معينة كالتي نعيش، بل هو دوماً يصنع الوعي الذي يحاكم ما مضى من التاريخ وما نعيش من التاريخ، ويصنع القادم من التاريخ. قوة الإيمان بالحق، لا تكسر روحها الحروب، ولا تقتلها القنابل، هيروشيما عاشت، وناغازاكي عاشت ومات قاتلها. نحن الذين نربي الحمام في أعشاشنا، ونسقي النعناع في حواكيرنا ونشرب ما يفيض عن حاجته نروي به عطشنا، نحن الذين نبكي حينما نفرح، ونكتم الدمع حين تعضنا أنياب الحزن، نحن الذين نُحَمِّلُ الطير السلام للغياب، ونفرش أهداب العين لعابر السبيل إن مر بديارنا، نحن الذين يحبون الحياة إذا ما استطاعوا إليها سبيلا، ننادي روح شاعر غزة الكبير هارون هاشم رشيد، ونردد معه برقة الأطفال نشيد العودة ونقول: سنرجع.. خبرني العندليب غداة التقينا على منحنى بأن البلابل لمَّا تزلْ هناك تعيش بأشعارنا وما زال بين تلال الحنين وناس الحنين مكانٌ لنا. فيا قلب كم شردتنا رياح تعال سنرجع هيا بنا. إنه الفعل الثقافي إعلان جدارة بالحياة. والمسرح راية الحق والخير والجمال.. فلا تنزلوها، ودافعوا بكل ما أوتيتم من الإبداع عن العمل، وإشاعة الأمل. إذا أطفأتم أنوار المسرح الذي يرفع راية الحق، عشش فيه الخراب، وزحف إلى أركانه وقلوب الناس الظلام، وصار مسرحاً للخفافيش، ومرتعاً لكل دعاة التفاهة، فقوموا إلى مسرحكم، قوموا إلى الدفاع عن الحياة، ولا تضلوا الطريق واستهدوا بالذي أبدع الكون والكائنات، وجعل لكل شيء بداية ونهاية، وجعل لكل أمر أولياء، فكونوا أولياء الخير، أولياء الحق، أولياء المعرفة التي تحفظ هوية الأمة وأركان حضارتها. اسمحوا لي قبل أن أختم كلمتي هذه أن أنقل لكم التحية العالية من لدن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، والذي يتابع بكل الاهتمام والدقة مسارات المهرجان وإبداعاتكم الفنية والفكرية، والذي أرفع باسمه وباسم الهيئة لكم التهنئة في اليوم العربي للمسرح الذي يصادف اليوم، والذي نستقبل فيه قامة مسرحية عربية كبيرة لتلقي علينا وعلى الكون رسالتها في هذه المناسبة، الفنانة اللبنانية الكبيرة نضال الأشقر، كما واسمحوا لي أن أعلن لكم في هذا اليوم عن مبادرة خاصة بدعم الزملاء المسرحيين في قطاع غزةبفلسطين، كجزء من واجبنا تجاههم وحرصاً على تمكينهم من مواصلة مسيرتهم. وختاماً هذا وعدنا، وعد المسرح: سينهض الشهداء أحياء على خشبات مسارحنا، سيحيون حيث لا يموتون، الحرب تقتل والمسرح يحيي، وحتى البلاد التي تكبلها القيود، تكون حرة على المسرح، المسرح وعد الغد القادم، والمسرح ساعة الأزمان مجتمعة، ففيه فقط يلتقي الماضي بالحاضر ويحضر المستقبل ليعيش اللحظة، المسرح يأخذ لب الأحداث، يحولها إلى أفكار، والأفكار لا تموت، تتحول، تنتج من جديد ممهورة بوعي جديد، وهذا هو دور المسرح في الملمات والحوادث الكبرى. وبغداد كانت مفتتح الكلام، وفي بغداد نختمه بما قال الجواهري فيها: والله لو لا ربوعٌ قد ألِفتُ بها عيشَ الأليفينِ أرجوها وترجوني لاخترتُها منزلاً لي أستظلُّ به عن الجنان وما فيهن يُغنيني