البلد في صدمة. وحجم الكارثة مهول وآثار الدمار عميقة ومتعددة ومتشعبة. الشعب والمجتمع ينجزان هبة تاريخية رغم المعيقات الهيكلية. الغالبية العظمى في استعداد للمزيد من العطاء والتعبئة رغم ضغط الظرفية العامة الناتجة عن فشل اختيارات سياسية عقيمة… في خضم ذلك هل يجب التردد في اتخاذ قرارات منسجمة مع أجواء التعبئة الشاملة التي تعرفها / ويجب أن تعرفها البلاد؟ نعم هناك سلم من الأولويات وسلسلة من الإجراءات التي لا تتشابه في أبعادها، منطلقاتها وفي رمزيتها؟ الحرص على استئناف الدراسة مثلا في وقت وجيز ليس من صنف / مستوى إلغاء أو تأجيل تظاهرة ثقافية. هناك قرارات ذات بعد جيو – سياسي استراتيجي تتداخل ضمنه مصلحة وتموقع البلد ضمن الصراع الإقليمي والعالمي؛ وهناك قرارات وإجراءات ذات حمولة رمزية ورسائل موجهة أولا للمعنيين بالأمر مفادها جملة بسيطة: "إننا معكم". في هذا السياق لا يجب التردد ولو لحظة في الإعلان عن تأجيل / إلغاء الدورة 23 من المهرجان الوطني للفيلم المزمع عقدها في طنجة من 6 إلى 14 أكتوبر المقبل. وخلافا للتفسيرات الشعبوية التبسيطية التي تطرح الجانب المالي / المادي للمطالبة بإلغاء مجموعة من التظاهرات الفنية والثقافية، فإن المسألة اختيار ثقافي سياسي ينم عن وعي مطابق لحساسية المرحلة. إن المقاربة "المالية" التي تطرح مطلبا مغريا في ظاهره مغلوطة من أساسها، أولا لكون هذه المهرجانات لا تتوفر على ميزانيات مستقلة وهي تابعة لممولين عموميين وخواص؛ وثانيا أن "الفلوس كاينة" يجب فقط التوجه للعناوين الصحيحة وخاصة حسن التصرف في تدبيرها. ونحن بصدد حالة المركز السينمائي المغربي نقول إنه لا يتحكم إلا في جزء بسيط من ميزانية المهرجان الوطني، ويمكن فعلا أن يحول هذا الجزء إلى الصندوق 126 أو من الأحسن في نظري أن يساهم به مع شركاء آخرين (جهة مراكش تانسيفت مثلا) في تمويل إنشاء قاعة للعروض السمعية البصرية بمدينة أمزميز التي عرفت دمارا كبيرا، وإعادة إعمارها يتطلب إمكانيات ضخمة وذكاء إيكولوجيا ثقافيا إنسانيا. إن القول بأن التشبث بالمهرجان فيه نوع من رفع التحدي والإعلان عن "استمرار الحياة" قول مردود عليه. تعبير إنشائي يخفي حسابات مصلحية فئوية ضيقة. "وتستمر الحياة" إحالة إلى سينمائي عالمي هو عباس كياروستامي الذي عبأ أدواته التعبيرية وانتقل إلى كردستان في شمال إيران (الحوز؟) المنطقة التي عرفت زلزالا رهيبا (أكثر من 50000 قتيل) لتصوير ثلاثية كوكر الشهيرة. من من سينمائيينا انتقل إلى الحوز لتصوير وتوثيق عودة الحياة واسترجاع بعض من ملامح الصمود والبطولة لدى السكان والمنقذين على حد سواء؟ إنه سؤال طبعا بلاغي لأن الجواب معروف. رب ضارة نافعة. إن توقف المهرجان لدورة، لدوافع إنسانية وتضامنية، قد يكون مناسبة لإعادة التفكير والتأمل في سيرورة المهرجان وهل لازال فعلا يجيب عن حاجة موضوعية للسينما المغربية. كل المؤشرات تدل أن الفكرة في شكلها الحالي التي ولدت سنة 1982 قد استنزفت طاقتها الإيجابية وأصبحت نوعا من الطقس السنوي الممل الذي بدأ يفقد بريقه من دورة إلى أخرى. لقد كان لنا منذ الإعلان عن تاريخ الدورة 23 تحفظ كبير في اختيار التوقيت. لقد كان في السابق يتم تنظيم المهرجان باختيار بداية السنة المدنية (فبراير/ مارس) وجاء ذلك نتيجة تجربة طويلة. ثم حصل التراجع عن ذلك (عقدة الأب؟) في سياق تراجعات كثيرة عرفها التدبير المؤسساتي للسينما. إن العودة إلى شتنبر (2022) وأكتوبر (2023) نوع من السطو على ذاكرة مهرجان ناجح هو مهرجان الفيلم القصير المتوسطي الذي تم إقباره في صمت. أضف إلى ذلك أن المهرجان أصبح يعاني من الروتين ولم يعد ذلك الموعد الذي يتم فيه اللقاء من أجل الاحتفاء بالأفلام، وتجديد أواصر اللقاء بين السينمائيين.. وقد ساهم في تمييع الفكرة العدد الكبير من المهرجانات. ومنذ سنوات أصبح عرض الأفلام في طنجة مجرد لحظة تقنية بروتوكولية تخلو من أي حماس. إن الأهداف التي أنشئ من أجلها المهرجان تم استنفادها مما يطرح التفكير في طريقة جديدة تتماشى مع المعطيات الجديدة ومع روح العصر.. ولعل الظروف الذاتية والموضوعية أصبحت ناضجة للتفكير في تنظيم ليلية خاصة بالسينما المغربية على شاكلة ليلة الأوسكار الأمريكية أو السيزار الفرنسية مع هيئة ناخبة / تحكيمية موسعة (كل من له بطاقة مهنية محينة) نابعة من مختلف الغرف المهنية. مما سيعفينا من سجالات عبثية مثل التي عشناها السنة الماضية مع فضيحة لجنة التحكيم الرئيسية ومهزلة لجنة تحكيم الفيلم الوثائقي. إنها دعوة للتأجيل من أجل التعديل.