منذ سحب الحكومة المغربية مشروع القانون الجنائي من مسطرة المُصادقة بالبرلمان، في نوفمبر من العام الماضي، والجدل قائم بشأنه. خاصة بعد حديث وزير العدل عبد اللطيف وهبي، عن تبني الحكومة لتعديلات جوهرية، أهمها رفع التجريم عن العلاقات الجنسية بين البالغين خارج إطار الزواج. وهو المقتضى الذي طالما طالبت الهيئات الحُقوقية بالتراجع عنه، خاصة لاستخدامه في أكثر من مرة كوسيلة "لتصفية الحسابات السياسية مع المعارضين"، بحسب قولها. وفي أكثر من مناسبة، أكد وزير العدل، رفع التجريم عن العلاقات الجنسية بين البالغين خارج إطار الزواج، ضمن مسودة القانون الجنائي، التي تعكف وزارته على إعدادها، وستطرح للنقاش والمصادقة في وقت لاحق. الشيء الذي أشعل مواجهة بينه وبين التيارات المُحافظة، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، في شخص زعيمه عبد الإله ابن كيران، الذي اعتبر الأمر" شرعنة للزنا والفساد"على حدّ تعبيره. وقبل المضي في عرض الجدل، يشار إلى أن الفصل 490 الجنائي يعاقب كُل علاقة جنسية خارج الزواج بالحبس من شهر واحد إلى سنة. مصلحة وطنية.. وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الذي كان في السابق مُحامياً وبرلمانياً، يرى أن خطوة رفع التجريم عن العلاقات الجنسية بين البالغين خارج إطار الزواج، مصلحة وطنية وحاجة مجتمعية، وليست ترفاً، بحسب تعبيره. مشدداً على أن هذه الخطوة لا تتعارض مع روح الدين الإسلامي. وأكد أكثر من مرة على أن وزارته تمضي نحو رفع التجريم عن العلاقات الرضائية بين البالغين في الفضاءات الخاصة، بالموازاة مع تخفيف للعقوبات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي بشأن الفضاء العام. أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أبدتْ أيضاً رفضها للفصول التي تجرم العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين خارج إطار الزواج، منتقدةً استخدام القانون الجنائي الحالي لعبارات فضفاضة مثل "الإخلال العلني بالحياء"، و"هتك العرض"، مشدّدة على أنها مصطلحات ومفاهيم لا علاقة لها بالحقوق والحريات ولا علاقة لها بمصطلحات قانونية يترتب عليها الزجر. وشددت الحقوقية المغربية في أكثر من مناسبة على أنّ تجريم هذا النوع من العلاقات، لن يوقف وجودها في المجتمع. وبالتالي فإنه "لا معنى لسجن بالغين ربطتهما علاقة جنسية رضائية خارج إطار الزواج". ومنذ العام الماضي، أطلق نشطاء حقوقيون مبادرة أسموها "490" نسبة إلى الفصل الذي يُجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج في القانون الجنائي المغربي. هذه العارضة تطالب بإلغاء هذا الفصل بشكل كامل، ومعه رفع التجريم الذي يمس بأحد الحقوق الفردية للمواطنين. إذ يرى أصحاب العارضة أن هذا المقتضى القانوني "يكبل الحريات الفردية التي يُنادي بها دستور 2011′′، مشددين على أنه "من حق كل شخص ممارسة حقه دون أيّ تدخل ما دام لا يؤذي الآخرين". تعزيز للعنف ضد النساء تقريرلمنظمة "امرأة" المدنية، وقف على أن استمرار العمل بمقتضيات الفصل 490 من القانون الجنائي، يُعزز العنف ضد النساء، ويزيد من نسبه. كما يحرم النساء من الحماية والوقاية والإنصاف وجبر الضرر أيضاً. كما اعتبر أن هذا التجريم، بمثابة وسيلة يتّخذها بعض المجرمين للإفلات من عقوبات جرائمهم ضد النساء. لأن المتابعات التي تفرضها هذه القوانين تُشكل عائقا أمام النساء اللواتي يبحثن عن خدمات قانونية بسبب العنف الذي تعرضن له، أو فقط للتبليغ عنه. ويُضيف التقرير، أن تجريم العلاقات الجنسية بين البالغين خارج إطار الزواج، جعل النساء عرضة للعنف المستمرّ والمتكرر. موضحاً أنه بعد ارتكاب الفعل الأول للعنف الجنسي، يلجأ الجناة لاستخدام إمكانية المقاضاة في حالة التبليغ كآلية تحكم وتخويف للنساء، وجعلهن في موقع عزلة، مع تعريضهن لأفعال جنسية لاحقة، غير رضائية. واعتبر التقرير هذه المقتضيات الجنائية، وجهاً من أوجه العنف السياسي الممارس ضد المرأة، وأحد الأسباب التي تعزز هشاشة أوضاع النساء وعرضتهن لجرائم أخرى. ضرب للهوية.. نجيب البقالي، المُحامي والبرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية، ربط إباحة العلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار الزواج، بإمكانية ظهور العديد من الظواهر الأخرى في المجتمع المغربي، كأطفال الشوارع مجهولي الآباء، والأمهات العازبات، وما تجره الظاهرتان من آفات اجتماعية، بحسب قوله. البقالي، قال ل"المفكرة القانونية"، إن إزالة التجريم المنصوص عليه في القانون الجنائي، سيمثل ضرباً لمؤسسة الأسرة، وهدماً لقواعدها. مشدداً على أن العلاقة الجنسية الوحيدة التي يُمكن القبول بها، هي العلاقة التي تتمّ داخل إطار الزواج. دون غيرها من العلاقات الأخرى الدخيلة على هوية المجتمع المغربي. ولفت إلى أن أزمات نسب الأطفال، هي بسب هذه العلاقات الجنسية التي تُمارس خارج إطار مؤسسة الزواج، مُشدداً على أن من يقول أن أغلب المغاربة يُمارسون هذا النوع من العلاقات، "يُسيئ إلى الشعب المغربي"، مؤضحاً أن أغلب الشباب يرفضون هذا النوع من العلاقات، لأسباب كثيرة. داعياً إلى حماية مؤسسة الأسرة من الهجمات التي تستهدفها، بحسب تعبيره. نقاش مغلوط.. نقاش الحلال والحرام، ليس في محله. يقول عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، رافضاً حصر النقاش بشأن رفع التجريم عن العلاقات الرضائية خارج إطار الزواج بين البالغين، في زاوية دينية صغيرة جداً. تشيكيطو، قال ل"المفكرة القانونية"، إن النص القرآني جاء بشكل عام، وتفسيراته من خلال السنة النبوية، جعلت أمر ضبط العلاقة الجنسية شبه مستحيل، خاصة إذا كانت تُمارس في فضاء خاص، إذ كيف يُمكن أن تتواتر شهادة أربعة أشخاص تتوفر فيهم شروط دقيقة، على أن العملية الجنسية كاملة. إذا كان الأمر يجري داخل منزل مُغلق؟ ولهذا، يورد تشيكيطو، أن المنازل لها حُرمتها، ولا يجب انتهاكها بالاقتحام أو بالتجسس على أصحابها. وهو الشيء الذي يُشرعنه التوجه الداعم لإبقاء التجريم الجنائي للعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، المُمارسة داخل المنازل. كما يدعم ثقافة "شرع اليد" التي تثير الفتنة واللا أمن. وعلى المستوى الإجرائي، يوضح الحقوقي المغربي، أن هذا النص كان بمثابة العصا التي تُستعمل للانتقام من مجموعة من الفاعلين في مجال حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين، ناهيك عن نصب الكمائن من طرف بعض المواطنين، للنصب أو إسقاط الظلم على مواطنين آخرين. وخلص المتحدث إلى أن كُل هذه المعطيات تفرض علينا في الوقت الحالي تعديل النص القانوني، ورفع التجريم عن العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين في الفضاءات الخاصة". وبالتالي فالمفروض يجب أن يتم تعديل هذا النص، ولا نرى لذلك سبيلا، سوى عبر إطلاق نقاش رصين يراعي مصلحة المواطنين ويسمح بالتعايش، بعيداً عن محاكم التفتيش وتقمص دور موزعي صكوك الغفران. وختم بالقول: باختصار إن المجتمع لا يحقّ له التدخل في ما يجري داخل منازل الناس. لكن إذا تعلق الأمر بالفضاء العام، فالحفاظ على الحياء العام واجب.