المخرج محمد العسلي يواصل نبشه الدقيق في العوالم السفلية للواقع المغربي لا أحد كان يفكر في أن «الأيادي الناعمة» يمكن أن تصير خشنة لتبحث عن الخلاص في ملاذ آخر وإنهاء ألم متواصل لا نهاية له. هذا ما حاول المخرج المغربي محمد العسلي أن يرصده بعيون خفية في شريطه الجديد (أيادٍ خشنة)، المشارك في ضمن مسابقة (آفاق جديدة)،في إطار فقرات مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الخامسة. في شريطه (أياد خشنة) يواصل العسلي النبش في الواقع المغربي، بأساليب تمزج بين الحكي السردي والصور الجمالية الدالة، فمع الحلاق مصطفى (أدى الدور محمد بسطاوي)، قدم العسلي حالة الإنسان المغربي والعربي عموماً ، ومعاناته في التأقلم مع الظروف التي أصبحت بمثابة أعراف في الحياة اليومية من أجل البحث عن لقمة العيش بكل الوسائل المتاحة. فالحلاق مصطفى الذي يحلق لنخبة المجتمع من وزراء وقضاة ومسؤولين كبار، لا يفتأ يتنقل بسيارته الصغيرة برفقة مساعده الكهل، الذي يعشق العزف على آلة القانون، نحو وجهتهم الممكنة، فيبدأ مصطفى في حلق شعر الوزير السابق المقعد، بينما مساعده يقلم أظافره، وهو يؤدي تقاسيم على معشوقته آلة القانون، فيرصد المخرج هذا المزج بين الحلاقة وأنغام القانون ليصنع صورة مركبة غاية في الإبهار. لكن مصطفى، يفكر دائما في القادم من الأيام، في الحلو والمر، في السهل والممتنع، فور انتهائه من قصر شعر زبونه الوزير المقعد، يحاول استمالة زوجة الوزير لتنعم عليه بأفضالها وخدماتها التي ستكون في الحقيقة مصدر رزقه الرئيسي في المستقبل. بيد أن نقطة التحول في بؤرة الشريط ستأتي من جهة جارته (أدت الدور هدى الريحاني) التي تسعى للحاق بخطيبها بإسبانيا (الفردوس المفقود)، لتلجأ مجبرة إلى مصطفى حتى يساعدها على إنجاز شهادة زواج وشهادة ولادة لولدين، وهميين ، حتى تتمكن من تحقيق مرادها وتنال موافقة اللجنة الإسبانية المكلفة باستقدام العمالة الزراعية للعمل في حقول «الفريز» (الفرولة)... لكن المهمة المستحيلة والمجحفة ، والتي يتعين عليها أن تنجزها بنفسها، تتمثل في «تخشين» يديها، وكيف يتأتى لها ذلك وهي ليست إلا مدرسة في روض أطفال، على اعتبار أن هذا الشرط أساسي في موافقة لجنة منح التأشيرات وهو الأمر الذي لا تنجح فيه لأن يديها ناعمتين رغم محاولاتها المتكررة لبلوغ هدفها اعتمادا على مستحضرات نباتية، إذ سيرفض طلبها، وبالتالي يتبخر حلم الرحيل إلى «الإلدورادو». فيلم «أياد خشنة»، إذن تحفة العسلي الثانية، التي يعود بها في عرض أول بأبوظبي السينمائي، ليحقق تجاوبا عفويا مع ثلة من النقاد ومن جمهور متعدد الأعراق والأهواء لأنه نجح في إسقاط ثلاث تهم تلصق بالسينما المغربية، دفعة واحدة، وهي أن «الأشرطة المغربية معطوبة بأزمة اللهجة، ومحاصرة بتوجيه التمويل الغربي، ونمطية في معالجة قضاياها». يشار إلى أن السينما المغربية تشارك في فعاليات مهرجان أبوظبي السينمائي، الذي سيستمر إلى غاية 22 من الشهر الجاري ، بخمسة أفلام روائية طويلة .