من المؤسف حقا الإقرار بأن الرياضة المغربية لم تحقق إنجازات كثيرة على مدار أزيد من قرن من الممارسة والتنافس، سواء خلال فترة الحماية الفرنسية أو بعد استقلال البلاد، بل حتى في الألفية الثالثة ما تزال الكثير من رياضاتنا عاجزة عن بلوغ قمة الهرم رغم توفرها على إمكانيات لم تكن متاحة في السابق. ومن المؤسف أيضا أن ترتبط الإنجازات القليلة-في المجمل- بمجهودات فردية لرياضيين استثنائيين، وفي رياضة واحدة هي ألعاب القوى، بداية بالثنائي الذهبي سعيد عويطة ونوال المتوكل، مرورا بالبطلين إبراهيم بولامي وخالد السكاح والأسطورة هشام الكروج، انتهاء بالأيقونة سفيان البقالي. فالجيل الرائع لمنتخب كرة السلة في الستينيات ذهب ولم يعد، وإنجازات الملاكمة لم تتخط 4 ميداليات أولمبية و4 أخرى في بطولات العالم، أما باقي الرياضات الشعبية فلم تحرك ساكنا وظلت إنجازاتها متواضعة ومرتبطة بمسابقات محلية أو إقليمية أكثر من التوهج على الصعيدين القاري والدولي. وحتى وإن كان منتخب كرة القدم يطارد لقبا قاريا ثانيا منذ 47 سنة، فقد نجح مؤخرا في تخطي إنجازه التاريخي في نهائيات كأس العالم 1986 بالمكسيك، بملحمة استثنائية أوصلته إلى دور نصف نهائي مونديال قطر 2022، مزكيا للتطور المذهل التي عرفته الكرة المغربية في العقد الأخير ليس على مستوى المنتخب الأول، بل على صعيد نتائج الأندية والكرة النسوية. وتزامنا مع الملحمة الخالدة للفريق الوطني، اختارت "بيان اليوم" نبش إنجازات الماضي البعيد والقريب، للرياضة المغربية، إنجازات على قلتها، لن ننساها أبدا. ذهبية ربيعي في بطولة العالم للملاكمة بعيدا عن إنجازات قليلة ومتفرقة لرياضتي كرة القدم وألعاب القوى، كان على الملاكمة المغربية الانتظار إلى أكتوبر من سنة 2015 لتصعد منصة التتويج بالمعدن النفيس ببطولة العالم للهواة، وتأتى ذلك عبر البطل الواعد محمد ربيعي الذي أحرز ذهبية وزن 69 كلغ في دورة الدوحة. وبعمر ال22 سنة، سطر ربيعي على أفضل إنجاز في تاريخ الملاكمة المغربية والعربية بعدما تفوق عن جدارة واستحقاق بثلاث جولات نظيفة في نزاله مع المصنف الأول الكازاخستاني دانيار يلوسينوف، إنجاز وضع المغرب في المركز الخامس في سبورة الترتيب مناصفة مع فرنسا. وحتى قبل انطلاقة البطولة، قدم ربيعي الذي دخل المنافسات بعباءة بطل إفريقيا، أوراق اعتماده بقوة بعد تألق لافت ضمن منافسات السلسلة العالمية للملاكمة (WSB)، إذ حقق 7 انتصارات متتالية بألوان فريق "أسود الأطلس"، ليتم اختياره أفضل ملاكم من طرف الاتحاد الدولي للملاكمة. واستهل ربيعي الذي بدأ في سن الثامنة مداعبة القفازين بنادي شباب البرنوصي بالدار البيضاء، مشواره في البطولة من دور ثمن النهاية بانتصار ساحق على الأرجنتيني ألبرتو بالميت (3-0)، ثم تفوق بذات النتيجة على البريطاني جوش كيلي، قبل أن يزيح في طريقه إلى النهائي الصيني ليو وي. ويؤكد ربيعي (29 عاما) في تصريحات له عقب عودته إلى أرض الوطن، أن هذا الإنجاز لم يأت من فراغ، بل كان وليد سلسلة من الاستعدادات النفسية والبدنية والتكتيكية، دامت على مدى سنتين، بدعم من الطاقم التقني والأوساط المحيطة به، مشيرا إلى أنه لم يكن متوقعا في البداية، بالنظر إلى التجربة العالية والألقاب المتعددة لمنافسيه الأربعة. في ذات السنة، وبناء على إنجازه العالمي، اختير ربيعي أفضل رياضي مغربي في استطلاع للرأي أنجزه القسم الرياضي للإذاعة الوطنية، كما اختير أيضا أفضل رياضي عربي من الاتحاد العربي للصحافة الرياضية. وبعدما اكتفى بميدالية برونزية في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016 ودخل عالم الاحتراف طيلة السنوات الأخيرة، قرر ربيعي العودة إلى أحضان المنتخب الوطني للمشاركة في بطولة العالم 2023 المقررة بأوزبكستان شهر ماي القادم، أملا في تكرار إنجازه الذهبي، إضافة إلى الاستعداد إلى خوض غمار أولمبياد باريس 2024.