دور التراث المعماري في تعزيز الهوية الثقافية مساهمة في ارساء نقاش عمومي يسعى الى التحسيس بدور التراث الحضري في تعزيز الهوية الثقافية والحفاظ عليها، والكشف عن السبل والوسائل الكفيلة بصيانة تراثنا المعماري وتثمينه، وتحت عنوان: التراث الحضري لمدينة الرباط: تحديات التنمية، يعقد مجلس مدينة الرباط بالمكتبة الوطنية بعد غد الخميس، جلسة مناقشة تندرج في إطار جولات منتدى العاصمة الثالث، ومن المقرر أن يتم افتتاح هذا اللقاء بكلمة يلقيها عمدة الرباط فتح الله ولعلو، كما سيعرف اللقاء حضور العديد من الخبراء والمتدخلين في المجال الحضري، حسب البلاغ الذي توصلت الجريدة بنسخة منه، وندرج أسفله نص ما جاء فيه: يتوفر المغرب على موروث ثقافي معماري هام، لكنه يعاني بالرغم من الجهود الحميدة التي بذلت لحمايته في مناطق مختلفة، في مجمله من الإهمال، بل وأصبح في الغالب مهددا أو أخذ طريقة نحو الاندثار. ويتعلق الأمر بقصور وقصبات مهجورة ومشوهة، ومدن عتيقة تعاني من كثافة مفرطة ومن التدهور، ومعالم معمارية من القرن العشرين تقع تحت قبضة المنعشين العقاريين. إن مسلسل التدهور الذي يعرفه هذا الموروث في الوقت الحالي، سيتسبب إذا لم يتم توقيفه، في خسائر فادحة لبلدنا. واعتبارا لطبيعة هذا الموروث غير القابلة للاستنساخ، يتعين على وجه الاستعجال اتخاذ تدابير صارمة تروم ليس لحماية هذا الموروث فحسب، وإنما إلى تنميته وجعله رافعة للتنمية أيضا. إن هذا المطلب المزدوج المتمثل في الحفاظ على الموروث وتنميته هو بالتأكيد أحد التحديات الرئيسية التي تجد الدولة كما الجماعات المحلية صعوبة بالغة في رفعها. فعلى المستوى المجالي، ترجع المسؤوليات المتعلقة بالتراث بالأساس إلى المفتشيات الجهوية للآثار. ومع ذلك، فإن هذه المفتشيات لا تولي سوى القليل من الاهتمام لتنمية هذه الآثار، لأن المهام المنوطة بها تهم المراقبة أكثر من التدبير: فهي مكلفة بتتبع وضعية المحافظة على الآثار العمومية المصنفة ومنع البناء غير القانوني بالقرب منها. وبالرغم من أوجه القصور المذكورة سابقا، فإن الفضل في حماية جزء كبير من الموروث المعماري لمدينة الرباط وانتقاله إلينا، وإن لم تتم تنميته بالشكل الكافي، يرجع إلى هذه الآليات المؤسساتية التي تم إحداثها في عهد الحماية. و ينطبق هذا الأمر، بصفة خاصة، على الأسوار والأبواب وجامع حسان، والتي تقدم جميعها، بالنظر إلى حجمها وأبعادها وغناها الفني ذي الأصول الإسبانية المغربية، مثالا استثنائيا يشهد على أصالة المواقع والمعالم الأثرية للعاصمة. و لقد تم إبراز قيمة هذه الآثار بكفية رائعة بفضل التخطيط الحضري الذي يحمل بصمة «هنري بروست». غير أن المباني التراثية الخاصة، سواء في الرباط أو في باقي مناطق البلاد، ما تزال غير محمية بالشكل الكافي، وبالتالي فهي مهددة أكثر بالتدهور ومعرضة لخطر الضياع. كما هو الحال بالنسبة إلى المصنفات الأصلية التي تعكس مختلف أنماط فن العمارة في القرن العشرين: الكلاسيكي الحديث، أرديكو، والفن الحديث والفن المعاصر والمورسكي الجديد. وينطبق ذلك، بشكل خاص على معظم المباني التراثية في المدينة العتيقة (سواء تلك المعدة للسكن أو المحلات التجارية أو محلات الأنشطة الحرفية) التي تعاني من ضعف الصيانة بسبب محدودية الموارد المالية للسكان المعنيين وقلة وعيهم بالقيمة التاريخية والفنية للمباني التي يشغلونها. وحتى في الحالات التي تتم فيها أشغال الصيانة، فإن هذه الأخيرة نادرا ما تحترم الضوابط التقنية، مما يساهم في تدهور وضعية هذا التراث. إن هذا الوضع مازال مستمرا إلى اليوم، إذ في غياب أية آلية أو مؤسسة على المستوى المحلي تتولى مهمة تقديم المشورة والتوجيه في هذا المجال، فإن السكان الذين يستغلون هذه المباني، وهم في الغالب مكترون، يتصرفون عموما بطريقة لا تبدي أي اهتمام لهذا التراث، ويتم ذلك بعلم وعلى مرأى من البلديات التي لا تتوفر على أية آلية للمراقبة وتقديم المشورة بسبب كونها نادرا ما تأخذ علما بهذه الوقائع. إن مسألة إحداث آلية مؤسساتية جيدة لإعداد وتنفيذ إستراتيجية لحماية الموروث ليس لها جواب أو حل مؤسساتي وحيد وفريد. ومع ذلك، فإن أي مخطط سيتضمن لزاما مكونا خاصا بالتدبير التقني الذي سيتم في إطار ورشة خاصة بالتراث أو بمعمار المدينة، وسيكون من مهامها إعداد خطط لحماية التراث والتدبير التقني لرخص البناء... ومع ذلك، فباستثناء مدينة فاس، لم تقم أية مدينة من مدن المغرب بإعداد مخطط من هذا النوع. كما أن مشاركة باقي الفاعلين (المنظمات غير الحكومية، و الأفراد) تتم بشكل متقطع. فحتى في الرباط نفسها، يبقى عدد الجمعيات الناشطة في هذا المجال قليل جدا. ومع ذلك، بالنظر إلى التجارب الجيدة في هذا المجال، وخاصة تجربة المؤسسات الخاصة في فاس ومراكش، وكذلك تجربة ذاكرة البيضاء في الدارالبيضاء، سيكون من المهم جدا دراسة إمكانية مساهمة مؤسسات مماثلة في الرباط وتحديد التدابير التي يمكن اعتمادها من جانب السلطات لتوسيع نطاق عملها ومسؤولياتها. إن الطموح الوطني إلى تمكين المغرب من عاصمة ذات إشعاع دولي، والرغبة في إدراج موروثها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، يشكلان، في الوقت الحالي، حافزا قويا لتنفيذ سياسة هدفها حماية وتثمين التراث الحضري والمعماري لمدينة الرباط. وفي غياب رؤية واضحة بشان عائد الاستثمار في مجال الحفاظ على التراث، فإن الحكومة وكذلك المنتخبين المحليين لا يخصصون سوى موارد قليلة للمجال، مما يعكس قلة اهتمامهم بهذا القطاع وعدم اعتباره أولوية. وفي ظل هذه الظروف، يتعين القيام بحملات تواصلية وتحسيسية تقوم على إبراز دور التراث في تعزيز الهوية الثقافية وكذلك إظهار دوره الاقتصادي المتعاظم في خلق فرص العمل والمداخيل من خلال الأنشطة المتعلقة بالحفاظ على هذا التراث وتدبيره. ويتعين أن تأخذ هذه الحملات التواصلية لفائدة التراث أيضا شكل نقاش عمومي وهو النقاش الذي يسعى هذا اللقاء إلى الإسهام فيه. وسيعمل «منتدى الرباط»، أيضا، على دراسة الكيفية التي ستجعل من التجارب في مجال تثمين التراث، وخاصة في فاسوالدارالبيضاء، مصدر إلهام، سواء من حيث المشاريع الاقتصادية والعمرانية والثقافية، وبشكل خاص، من حيث السبل والوسائل المؤسساتية لتحقيق ذلك.