رحلة الألف ميل تبدأ دائما بخطوة أولى، كما يقول الفيلسوف لاو تسو. هذه الخطوة الأولى، اتخذتها لبنى الشرقاوي، وهي في ربيعها الثاني عشر، حين حددت هدفها النهائي بأن تتملك، يوما ما، زمام الحلم الأمريكي، وتسلك درب التميز والريادة والتنوع. مستلهمة قيم الإيثار والعيش المشترك، وهي السمة المميزة لمملكة يمتد تاريخها لأزيد من ألف عام متجذرة في الأصالة ومنفتحة على الحداثة، شمرت لبنى عن ساعديها وانهمكت في تحقيق حلمها بأن تصبح "سفيرة" الغنى الثقافي للمغرب في أرض العم سام. "منذ صغر سني، كان لدي حب وافتتان لا حدود لهما بالحلم الأمريكي، خاصة من خلال البرامج التلفزيونية والإنتاجات السينمائية"، تحكي لبنى، المزدادة في الرباط، لوكالة المغرب العربي للأنباء. ولم تكن تدرك الطريق الذي يتعين عليها أن تسلكه، لا سيما وأن ظروفها الأسرية تغيرت إثر وفاة والدها وهي لم تطفئ بعد شمعتها الرابعة عشر. لم تستسلم لبنى، المنحدرة من عائلة متواضعة، مستمدة شجاعتها من جملة ذهبية همسها والدها الراحل في أذنها قبل أن يسلم الروح لبارئها: "ابنتي، ستمضين بعيدا". "كان لتلك الجملة تأثير كبير على رحلتي في الحياة. كلماته كانت ترافقني خلال أصعب فترات رحلتي، عندما شعرت بالإهانة والتهديد والحرمان من الفرص أو حين كنت ضحية التمييز"، تصرح هذه المغربية الأمريكية، التي ترأس بفخر"Mona Lou International"، وهي شركة مقرها في فلوريدا، متخصصة في تعزيز الذكاء الثقافي والتنوع، لا سيما في مكان العمل. قبل أن تصبح ما هي عليه اليوم، كان على لبنى أن تعتمد على إيمانها وعلى كرم والدتها، التي ألفت نفسها وحيدة مع خمسة أطفال بعد وفاة زوجها. تتذكر لبنى بنبرة رضا، "عملت والدتي لتلبية حاجياتنا وحتى أتمكن من تعلم اللغة الإنجليزية، اللغة التي أحببتها كثيرا". وبفضل الدعم الثمين الذي قدمته لها والدتها، تمكنت لبنى من الانضمام إلى المركز اللغوي الأمريكي في الرباط لتعلم لغة شكسبير. متابعتها لدروس اللغة في هذه المؤسسة سيمكنها من الاستفادة من برنامج للتبادل الثقافي والاستقرار في الحاضرة الأمريكية الكبرى: نيويورك، البوابة إلى تحقيق حلم طفولتها. حلم لبنى بدأ في اتخاذ ملامحه، بيد أنها ستدرك أن الطريق بعيد كل البعد عن أن يكون مفروشا بالورود. "وجدت نفسي في بيئة عدوانية، غارقة في أسلوب الحياة على النمط النيويوركي"، تتابع لبنى، مدركة أن مغامرتها الأمريكية قد بدأت، لتوها، في هذه المرحلة. قررت بعد ذلك الإقامة في ولاية فلوريدا المشمسة في الجنوب الشرقي الأمريكي، حيث ستجمع بين العمل والدراسة، قبل الحصول على درجة الإجازة في إدارة الأعمال والمالية من جامعة فلوريدا ودرجة الماستر في العلاقات الدولية من الجامعة ذاتها. لبنى، التي ستتبنى اسم "مونا" ليسهل على الأمريكيين تذكرها، ستضيف إنجازا جديدا إلى سجلها الحافل، إذ نالت شهادة في استشارات الأعمال من كلية واشنطن للأعمال. طموح لبنى لن يتوقف عند هذه النقطة. فبعد أن عملت في العديد من الشركات، ستدرك أن هذه الدراسات لم تؤهلها للتطور في بيئة عدائية حيث تطفو حالات من العنصرية والتمييز. أدركت آنذاك الحاجة إلى تسليح نفسها بالمهارات اللازمة لمواجهة مثل هذه المواقف، ومن هنا جاء اختيارها لمتابعة تكوين متخصص في التدريب على الحياة في معهد مقاطعة أورانج بكاليفورنيا. انطلاقا من هذا السعي نحو التقبل داخل مجتمع أجنبي، بكل تقلباته، أرادت لبنى الشرقاوي تقاسم تجاربها ومساعدة الأشخاص الذين يواجهون صعوبات في الاندماج اجتماعيا ومهنيا، لا سيما بسبب خلفياتهم الثقافية. كانت تلك المرحلة التي قررت فيها إطلاق "Mona Lou International"، وهي الشركة التي تقدم، على الخصوص، التكوين والمشورة بهدف تمكين فرق العمل المتنوعة داخل الشركات من العمل بانسجام مع تقدير عميق لبعد الثقافة. أردت استكشاف طرق لمساعدة الآخرين الذين يعانون من التحديات ذاتها التي واجهتها في مساري. أردت أن أساعدهم على الخروج من منطق الهزيمة نحو النصر والانتصار"، توضح هذه السيدة العصامية التي ستؤسس أيضا الجمعية المغربية الأمريكية المهنية للنساء، وهي منظمة غير ربحية مكرسة لتمكين النساء المغربيات في الولاياتالمتحدة. دافع من نفس القيم، قررت إنشاء الجمعية المغربية الأمريكية المهنية للنساء من أجل مساعدة النساء المغربيات هنا والمهاجرات بشكل عام على اكتساب المهارات اللازمة للازدهار في المجتمع ويصبحن رائدات أعمال ناجحات ومتفوقات". ولدى الحديث عن الوطن الأم، لا تخفي لبنى حبها لهذا المغرب الألفي ومتعدد الثقافات والمتنوع. وتؤكد "أحمل هويتي معي أينما ذهبت. أنا أحمل في داخلي ثقافتي المغربية وأفتخر بها"، مقرة بتأثير هذه الثقافة على تصورها الذاتي للعالم. وتختم لبنى بالقول "أؤمن بعالم يتم فيه تقدير واحترام جميع الثقافات، عالم يوفر الفرص ويفك وثاق القلوب".