انطلقت الجمعة الماضي بالرباط، أشغال المنتدى الدولي حول الانتقال الديمقراطي والمسارات الدستورية في العالم العربي، بمشاركة العديد من الشخصيات المرموقة على الصعيد الدولي في المجالات السياسية والاقتصادية والأكاديمية والإعلامية. وأكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الطيب الفاسي الفهري في الجلسة الافتتاحية للمنتدى أنه بصرف النظر عن تنوع العوامل والمؤثرات التي تقف وراء التغييرات التي حدثت في مجموعة من البلدان العربية، فإن المجتمعات العربية تظل في أمس الحاجة لركيزتين متلازمتين ومتكاملتين تتمثلان في البناء الديمقراطي وتأمين شروط المواطنة الحقيقية من جهة، والانفتاح الاقتصادي والتنمية البشرية من جهة أخرى. وأبرز الوزير أن ما حصل في تونس ومصر وليبيا يؤكد، بكل وضوح، أنه لا تنمية اقتصادية واجتماعية دون انفتاح ديمقراطي وسياسي أفرادا وجماعات في ظل شخصنة السلطة وتآكل الشرعية والانغلاق السياسي والجمود الإيديولوجي، مشددا على أن المجتمعات العربية قادرة على خلق قاعدة قيم تمزج بين المبادئ والقواعد الكونية للديمقراطية والمكونات الذاتية. وأكد الفاسي الفهري قائلا «فإن تعبيد الطريق نحو الديمقراطية في منطقتنا العربية، بقدر ما يتطلب تآلفا بين التعبيرات الجماعية والاحترام التام لكل فرد، فإنه يقتضي الاعتماد على مؤهلاتنا في قيام نظام سياسي قادر على الجمع بين الموروث الكوني والخصوصيات الوطنية والمحلية». وأبرز، في هذا الصدد، أن المغرب يقدم تجربة مميزة في الجمع المتناسق بين ما هو وطني وما هو محلي، بين ما هو شامل وخصوصي، وأخيرا بين المصلحة العامة ومصالح الشرائح المجتمعية، وذلك من خلال جعل هذه المقاربة هدفا استراتيجيا للعمل السياسي الوطني. وخلص إلى التعبير عن يقينه بأن الإصلاحات الدستورية والسياسية المقدامة والرصينة والاستباقية في المغرب ستكون موضع اهتمام ودراسة ومصدر استئناس وإثراء للتجارب الحالية للبلدان العربية المعنية بالانتقال الديمقراطي وتوطيد دولة الحق والمؤسسات. ومن جهته، أبرز رئيس النادي الدبلوماسي المغربي السيد المهدي ميمون أن هذا المنتدى يروم تسليط الضوء على الثورات التي عرفتها المنطقة العربية وانعكاساتها التاريخية على الصعيد الدولي، باعتبارها موضوع الساعة، معتبرا أن «النظام الديمقراطي هو المسار الذي اختارته هذه الشعوب وأنه على المجتمع الدولي أن يرافق هذا المسار، لأن الحكومات تذهب والشعوب تبقى». وشدد على أن التغيرات التي يعرفها المغرب لا يرجع تاريخها إلى هذه السنة، مبرزا أن المتتبعين بدقة لشؤون المغرب يدركون أن هذا الأخير انخرط منذ مدة في مسار متعدد الأبعاد واعتمد منهج الحوار والتسامح وسار وفق مقاربة سلمية تحترم حقوق الإنسان، كما أنه ما فتئ يدعو جميع الدول التي تشهد ثورات إلى احترام صوت الشعب والإنصات إليه. وبدوره، قال نائب رئيس مجلس الوزراء المصري سابقا يحيى الجمال إن ثورة 25 يناير بمصر «لم تكن نباتا شيطانيا خرج فجأة، وإنما كان نتيجة تراكم مرحلة امتدت على الأقل 15 سنة»، مضيفا أن هذه المرحلة شهدت اعتصامات وإضرابات واحتقانات ودعوات للتغيير. واعتبر أن الثورة استطاعت أن تسقط النظام، «لكن لم نتمكن حتى الآن من بناء نظام ديموقراطي جديد لأن التقدم يقوم على قدمين: سيادة القانون والديمقراطية واعتماد المنهج العلمي في التفكير». ومن جهته، قال الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط يوسف العمراني إن 2011 سنة هزت المنطقة العربية بسبب التغيرات السياسية التي شهدتها هذه الأخيرة، معتبرا أنه لا يمكن اليوم تقديم حصيلة والخروج باستنتاجات من هذه الثورات لأن لكل دولة خصوصياتها وديناميتها الخاصة وتجربتها التي يتعين احترامها، كما أتيحت لهذه الدول الفرصة لإقامة تجربتها في مجال البناء الديمقراطي. وأبرز العمراني أن كل بلدان هذه المنطقة بحاجة لدعم أصدقائها وكل المؤسسات والشركاء، مشيرا إلى أن أوروبا تدعم مسلسل التغيير هذا وستحاول تغيير سياستها الأوروبية للجوار بعد ما فهمت أن منطقة المتوسط يجب أن تحظى بالأولوية. وعبر عن ثقته ب»أننا في مرحلة تاريخية ومهمة ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار الشراكة التي تمنحنا الفرصة لدعم التغيير السياسي وتركيز عملنا في الأيام المقبلة على الحكامة الجيدة والتنمية الاقتصادية». أما الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي عن منطقة جنوب المتوسط بيرناردينو ليون، فأبرز أن المغرب شهد مؤخرا مسلسل إصلاحات سياسية «مثيرا للإعجاب»، مؤكدا أن أوروبا تدعم مسلسل الإصلاح السياسي بالمغرب و»لها ثقة» فيه. وأشار إلى أن أوروبا تعاملت بسرعة مع التغيرات التي عرفها العالم العربي وذلك من خلال إعادة توجيه سياستها للجوار وخلق منصب ممثل خاص لجنوب المتوسط ولجنة عمل (تاسك فورص) خاصة بمنطقة جنوب المتوسط بهدف بحث سبل تقديم المساعدة لبلدان شمال إفريقيا. وبدوره، اعتبر رئيس الجمعية المغربية للقانون الدستوري عبد العزيز المغاري أن الدينامية الحالية في العالم العربي «بمثابة انتقام من النظام العالمي الجديد وعدم قدرته على تحفيز ودعم الديمقراطية».وأضاف أن الورش الدستوري مفتوح في البلدان العربية، لكن بمستويات ووتيرات مختلفة، مسجلا أن التحدي الحالي بالنسبة للمغرب هو تفعيل الدستور الجديد الذي يشكل تعبيرا منهجيا عن فكرة وإرادة الإصلاح. وتواصلت أشغال هذا المنتدى في اليوم الموالي الذي نظمه النادي الدبلوماسي المغربي والجمعية المغربية للقانون الدستوري بتعاون مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، من خلال مجموعتي عمل تناقشان محوري: «أي مسار للمشاورات الدستورية من أجل انتقال ديمقراطي بالعالم العربي؟» و»أي تدابير دستورية لضمان نجاح الانتقالات الديمقراطية في العالم العربي؟»