المصريون ينتقمون من البلطجية بقتلهم وبتر أوصالهم وسحل جثثهم قبل اندلاع ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، كان البلطجية جزءا من الإستراتيجية التي تدير بها وزارة الداخلية والحزب الوطني البلاد، حيث كانت الأجهزة الأمنية ولا سيما جهاز أمن الدولة المنحل يستخدم جيشاً من المجرمين يزيد عدده على 500 ألف شخص في قمع المعارضين والناشطين السياسيين وتزوير الانتخابات النيابية. وكان أبرز استخدام من قبل نظام مبارك للبلطجية أثناء الثورة، حيث حشد الآلاف منهم للاعتداء على المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير يومي 3 و4 فبراير- شباط الماضي في ما عرف إعلامياً ب»موقعة الجمل». ولكن بعد نجاح الثورة في إسقاط نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وحل جهاز مباحث أمن الدولة، وإسقاط هيبة الشرطة، إنفرط عقد البلطجية، وراحوا يعثيون في الأرض فساداً، وأصبحوا يعملون لحساب أنفسهم، يسرقون وينهبون ويمارسون عمليات السطو المسلح على المحال التجارية والمصانع والشركات، فضلاً على انتشار أعمال قطع الطرق والاستيلاء على سيارات المواطنين وتجريديهم من ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح، وخطف الأطفال ومقايضة أسرهم على حياتهم مقابل مبالغ ضخمة من المال. وصارت مصر كلها تحت رحمة البلطجية في ظل تقاعس الشرطة عن القيام بدورها في حماية الأرواح والممتلكات. لم يجد المصريون بداً من الدفاع عن أنفسهم، ورد الصاع صاعين للبلطجية، حيث أبدعوا طرقاً بشعة للانتقام من البلطجية ووضع حد لإجرامهم من خلال مهاجمتهم بمنازلهم أو بأوكارهم في صورة مجموعات كبيرة من الناس، والقبض عليهم وقتلهم، ثم تقطيع أوصالهم وسحل جثثهم في الشوارع، وتكررت تلك العملية الانتقامية أكثر من مرة، وسط تأييد شعبي واسع النطاق وانتقادات حقوقية وصمت رسمي. نصف مليون بلطجي ووفقاً للإحصائيات، فإن نحو 500 ألف بلطجي أي مجرم جنائي «مسجلون خطر» ينتشرون في أنحاء الجمهورية، منهم نحو 95 ألف هاربون من السجون أثناء الثورة، وهناك عشرة ملايين قضية بلطجة منظورة أمام القضاء، وهذا ما يفسر سر لجوء المجلس العسكري إلى محاكمة البلطجية عسكرياً، لاسيما بعد الحكم بعدم دستورية قانون البلطجة الذي صدر منذ عدة سنوات. نهاية بشعة لبربار كانت بالبداية في مدينة دسوق محافظة كفر الشيخ، حيث حاصر المئات من أهالي حي المنشية منزل أحد البلطجية ويدعى أحمد بربار، بعد الإفطار، وإقتحموه ثم أخرجوه منه وأحرقوا المنزل، ثم قتلوه وقطعوا أوصاله وطافوا بجثته أنحاء الحي، قبل أن يلقوا بها أمام قسم الشرطة وقد فصلوا الرأس عن الجسد. لكن ما جعلهم يقدمون على تلك الخطوة الانتقامية؟ والإجابة تأتي مؤكدة أن «بربار» مسجل خطر من الفئة «أ» متخصص في أعمال البلطجة وفرض السيطرة والسرقة بالإكراه وتجارة وتعاطي المخدرات، وهارب من سجن وادي النظرون أثناء الثورة، حيث كان يقضي عقوبة السجن لمدة عشر سنوات، ولديه سجل جنائي حافل بالجرائم الخطيرة، وسبق اتهامه في23 قضية مابين شروع في قتل وسرقة بالإكراه وبلطجة واغتصاب ومخدرات وحيازة سلاح أبيض وسلاح ناري وأقراص مخدرة وفرض إتاوات وإحداث عاهة. ومنذ هروبه من السجن دأب على فرض إتاوات أي تحصيل مبالغ مالية من الأهالي غصباً عنهم بصفة دورية، حتى لا يحرق لهم منازلهم أو يحدث عاهات مستديمة في أطفالهم، وكان الجميع يرضخون له خشية بطشه، إلى أن زاد في إجرامه، فلم يكن أمامهم سوى مواجهته، وإحراق منزله وقتله ثم سحل جثته في الشوارع، وهم يهتفون «الله أكبر»، فيما تعالت زغاريد النساء وتصفيق الأطفال. ورغم بشاعة الفعل، إلا أنه لاقى إستحسان غالبية المصريين، لاسيما أنهم يعلمون جيداً أن الأبشع هو بقاء البلطجي حراً طليقاً، ما شجع الكثير منهم على تكرار السيناريو بحزافيره في مناطق أخرى، ففي مدينة بورسعيد شرق القاهرة، أقدم الأهالي على مهاجمة بلطجي وقتله، انتقاما منه، لأنه دأب على الاعتداء عليهم وابتزازهم مالياً، وسرقتهم بالإكراه. سحل بلطجي وبتر أوصال أربعة آخرين وفي القاهرة، وتحديداً في منطقة بولاق الدكرور الشعبية المزدحمة، كان الأهالي يعيشون في حالة دائمة من الرعب والفزع، بسبب انتشار البلطجية بالحي، ودأبهم على قطع الطريق الدائري، وسرقة المواطنين بالإكراه جهاراً نهاراً، وكان لمقتل رجل بسيط على أيديهم بعد سرقة سيارته منه، وقعاً مؤلماً عليهم، حيث كان الرجل يعول أسرة مكونة من أربعة أطفال، بالإضافة إلى والديه المريضيين. لم يكتف البلطجية بذلك، حيث حاولوا سرقة توك توك من صاحبه مرة أخرى، واقتادوه تحت تهديد الأسلحة النارية للمزارع القريبة من المنطقة، لكنه استغاث بصوت مرتفع، فهرع الأهالي لنجدته، واستطاعوا القبض على خمسة من البلطجية، وانهالوا عليهم بالضرب المبرح، ففقد أحدهم عينه، وتركوه ينزف، وربطوا أحدهم من قدميه في دراجة نارية وطافوا به شوارع المنطقة، بينما كان العشرات يطعنونه بالسكاكين، حتى لفظ أنفاسه، فيما تولت مجموعة ثالثة من الأهالي تأديب أربعة بلطجية آخرين من خلال تعليقهم على جذوع الشجر وجلدهم ثم بتر أيديهم. ارتياح شعبي شعبياً، تلقى عمليات قتل البطجية والتمثيل بجثثهم ارتياحا واسعاً بين المصريين، لاسيما أنهم يعتبرونه بمثابة رادع نفسي للبلطجية في ظل الغياب الأمني عن الشارع، ويقول محمد بدوي فني مصاعد بالجيزة ل «إيلاف» إن هذا هو العقاب الأمثل للبلطجية الذين جعلوا من حياتنا جحيماً لا يطاق، وأضاف أن البلطجية أشاعوا الرعب في قلوب الناس، فلم يعد أحد قادر على الخروج ليلاً، وإلا فإن حياته في خطر، حيث ينتشر البلطجية في كل مكان ويتربصون بالمارة وراكبي السيارات، ويستولون منهم على متعلقاتهم تحت تهديد السلاح، وقد يقتلون الضحية لو حاول مقاوتهم. كما أن بعض الناس يخشى على الخروج من المنازل ليلاً للعمل، خشية أن يقتحم البلطجية منازلهم وسرقتها الاعتداء جنسياً على بناتهم وزوجاتهم. مشيراً إلى أن الجميع في بولاق الدكرور سعداء بالقصاص من البلطجية، ولفت إلى أنه منذ القبض على هؤلاء البلطجية وقتل أحدهم وقطع أيدي الآخرين، إنخفض معدل السرقات بالإكراه في المنطقة إلى الدرجة صفر، وصار الجميع يسير في أمان. وإنتقد بدوي القبض على الأهالي الذين قاموا بمعاقبة البلطجية، مشيراً إلى أنهم فعلوا ما هو صحيح، لأنهم لو سلموا البلطجية لقسم الشرطة سيتم الإفراج عنهم، ويعودوا لينتقموا ممن قبض عليهم من الأهالي. عقاب مستحق ورغم بشاعة الانتقام، إلا أن البلطجية يستحقونه، إنهم يفعلون الشيء نفسه بالبسطاء، هكذا تحدثت أمنية سليم طالبة بالجامعة ل»إيلاف»، وقالت إن البلطجية يقطعون الطرق ويستولون على متعلقاتهم وأموالهم، بل ويقتلونهم، وتابعت: مازالت أتذكر كيف أنهم سرقوا توك توك من صاحبه بمنطقة العمرانية، وقتلوه وسحلوه في الشوارع، ثم علقوا جثته على باب منزله أمام أطفاله. ماذا فعلت الشرطة؟!، إن قتل هؤلاء بمثابة دفاع عن النفس، وينبغي عدم محاكمة قاتليهم، إنهم كانوا في حالة دفاع عن النفس. رفض حقوقي حقوقياً، يرفض الناشطون الحقوقيون عمليات الإنتقام من البلطجية بتلك الطريقة البشعة، ويقول شريف هلالي رئيس المؤسسة العربية لدعم حقوق الإنسان إن الإعدام خارج دائرة القانون والقضاء مرفوض تماماً، وأضاف ل»إيلاف» أن العقاب بهذه الطريقة يدخل مصر في حالة من الفوضى، مشيراً إلى أنه في حال إلقاء الأهالي القبض على أي من البلطجية يجب تسليمه إلى الشرطة، لتقديمه إلى القضاء، وليس قتله أو بتر أعضائه أو التمثيل بحثته. داعياً الشرطة إلى ضرورة العودة لممارسة دورها بكل فاعلية للمكافحة الجريمة التي تفشت في المجتمع بشكل غير مقبول. عن إيلاف