اختتمت مساء أول أمس السبت فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الرشيدية الثقافي الذي نظمته جمعية مهرجان الرشيدية تحت شعار «تافيلالت ثقافة الصحراء» بتنظيم سهرة فنية كبرى تم خلالها تكريم رائدة من رواد الطرب المغربي الفنانة لطيفة رأفت. وتميز الحفل الختامي الذي حضره جمهور واسع فاق توقعات المنظمين، بحضور أسماء فنية وازنة في عالم الفن والغناء كالفنان نعمان الحلو والفنانة سعيدة شرف وجوق مصطفى الركراكي وجوق جمعية سجلماسة لفن الملحون- أرفود وجمعية قصر السوق لفن البلدي برئاسة الفنان شريف الحمري، والفنانة الشعبية الزكود بالإضافة إلى الفنانة المحتفى بها لطيفة رأفت. وقد تحولت ساحة الحسن الثاني بالراشيدية إلى ما يشبه الطوفان البشري حيث تقاطر عليها جموع من المواطنين القادمين من مختلف قصور ومداشير مدينة الرشيدية بالإضافة إلى المدن المجاورة كأرفود الريصاني وأوفوس وكلميمة... الكل كان حاضرا ليطفئ الشعمة الخامسة لمهرجان الراشيدية على إيقاع الفرح وعشق الحياة، وكان التجاوب التلقائي مع كل الفنانين، بحيث تفاعل الجمهور الغفير بشكل حماسي مع أغنية «أولاد تافيلالت» التي أدها نعمان الحلو ومع أغاني لطيفة رأفت وسعيدة شرف وكل الفنانين الذين شاركوا جمعية الرشيدية عرسها الثقافي. وكان إيقاع الجمهور وانضباطه هو نفسه في كل السهرات الفنية التي احتضنتها ساحة الحسن الثاني طلية ليالي المهرجان، أعطى من خلال ذلك درسا في فن الفرجة الواعية ورسالة إلى من يهمه الأمر بأن الفن هو مرادف للذوق الرفيع الذي يهذب الأخلاق ولايفسدها عكس ما يحاول البعض إيهام الساكنة به تحت مبرر أن الرشيدية مدينة محافظة. وقد صرح سعيد كريمي مدير المهرجان لبيان اليوم عقب السهرة الختامية، أن الدورة الخامسة من مهرجان الرشيدية حققت كل أهدافها والتي أهمها هي إيمان ساكنة الرشيدية أن المهرجان هو ملك للجميع ومكسب ثقافي وحضاري للمدينة، مضيفا أن هناك شعورا لدى كل فعاليات المدينة بحجم مسؤولية المحافظة عليه وعلى ديمومته، بل تحكمهم رغبة جامحة في أن ينفتح المهرجان على آفاق وعوالم أخرى وأن يخرج من الوطنية إلى العالمية، حتى يصبح للمهرجان إشعاعه الدولي الذي يستحقه بامتياز. وأضاف كريمي أن الدورة كانت ناجحة ليس فقط على مستوى الفقرات والبرمجة بل على المستوى التنظيمي الذي كان احترافيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وذلك كله بفضل تمرس وحنكة الطاقات المحلية التي راكمت تجربة مهمة في هذا المجال، وهذا في نظر سعيد كريمي يشكل مبعث فخر واعتزاز لجمعية مهرجان الرشيدية، وحتى وإن ظهرت بعض الهفوات الطفيفة والتي هي عادية بالنظر لمهرجان من هذا الحجم، فإن ذلك لم يؤثر على المهرجان، بل إن هذه الدورة التي اعتبرت الأضخم والأنحج بالمقارنة مع الدورات السابقة، طوقت إدارة وجمعية المهرجان، وأصبح التراجع غير وارد بالنسبة للدورات المقبلة. وقد تمكن المهرجان حسب أدباء ومفكرين حضورا فعاليات هذه الدورة، من تحقيق التميز في خريطة المهرجانات الوطنية، بالنظر إلى خصوصية المهرجان الثقافية واشتغاله على الأجناس الأدبية بكل تلويناتها، وأصبح يستقطب أسماء بارزة في عالم الفكر والإبداع، وأن كل النقاد والمبدعين أصبحوا يترقبون جديد كل دورة على حدة، وأصبح بالنسبة للعديد منهم موعدا سنويا لا يمكن تجاوزه. وتميز، أيضا، اليوم الأخير من مهرجان الرشيدية، بقراءة في الكتاب الأخير لموحى سواك «إي بلوس سي أفينيتي» من طرف ثلة من الباحثين والنقاد كعز العرب لحكيم بناني ومحمد أكوجيل وعبد الكريم جورجي ومحمد حجاوي وصوفيا بنجلون التويمي وعزيز لعفو وحسن لشهب، حيث تناول هؤلاء المتدخلون رواية موحى سواك انطلاقا من مقاربتين أساسيتين: مقاربة فلسفية وأخرى جمالية، حيث اعتبر المتدخلون أن الرواية تبدأ حيث تنتهي الفلسفة، إذ تحاول الرواية الإجابة عن عدد من الأسئلة الفلسفية من مثل: لماذا نحن هنا؟ وما الذي نفعله؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ مشيرين إلى أن إنتاج الأفكار يعتبر في بلدان أخرى عملية مؤدى عنها، عكس ما هو حاصل في المغرب، مبرزين أن الرواية تتعرض دائما للتهميش والإقصاء، لأنها تروج باستمرار لقيم جديدة كقيم النسبية والاختلاف. ويتناول موحى سواك في هذه الرواية حسب المتدخلين، علاقة الإنسان بالآلة، وكيف أن الأول صنع الثانية من أجل خدمته، فإذا بها تؤثر في نفسيته وسلوكه وعلاقاته، تتحول في كثير من الأحيان إلى «علاقة حب» من قبيل علاقة الإنسان بالتلفزة والحاسوب وغيرهما، معتبرين أن شخصية عزيز في رواية «إي بلوس سي أفينيتي» الذي رأى في الشبكة العنكبوثية للأنترنيت منقدا له من البؤس الذي يعيشه في القرن الواحد والعشرين، نموذجا لهذا العشق. واعتبروا أن هذه الشخصية المعاصرة باتت تسكن عالمين، عالم واقعي وآخر افتراضي، وأن هذه التعددية جعلته يلبس جلد الحرباء، وتسببت في لاتوازنه النفسي، حيث بات عزيز الأمي والصعلوك والمراوغ نموذجا بالنسبة لحميد المتعلم والمتخلق والمحترم، غير أن الأنترنيت جعل حميد الذي لم يكن يملك الكلمة وسط أهله وذويه، يسترجعها ويستعملها بكل حرية، لكنها كانت وسيلة لتغيير قناعاته، لاجئا إلى الكذب وتغيير الهوية كأسلوب للخروج من الفقر والبؤس. مجموعة المشاهب وحميد القصري يخلبان ألباب جمهور المهرجان خلبت الأغاني المعروفة لمجموعة المشاهب والإيقاعات الكناوية للفنان حميد القصري ألباب الجمهور الغفير الذي حضر يوم الخميس الليلة الفنية الثالثة لمهرجان الرشيدية الثقافي الخامس . ويبدو أن ساحة الحسن الثاني لم تعرف من زمان مثل هذا الحفل البهيج الذي تسيد فيه هجهوج حميد القصري وماندولين الراحل مولاي الشريف المراني وكذا الأشعار الملتزمة ذات الحمولة الروحانية والأزياء التقليدية المزركشة بالأبيض والأسود والأحمر لكناوة. وانضافت أفراد فرقة الكدرة لكلميم بأزيائهم الصحراوية المتميزة باللونين الأبيض والأزرق إلى حميد القصري ومجموعة المشاهب لأداء مقطوعات موسيقية مشتركة هزت مشاعر الجمهور الذي توافد بالآلاف لحضور هذه السهرة التراثية بامتياز. ودل العزف الرائق والمزج الرائع مع إيقاعات أخرى على أن حميد القصري، المنحدر من مدينة القصر الكبير، هو أحد الفنانين الكناويين المغاربة المتميزين إذ أن أسلوبه الحمدوشي وطريقته في الأداء ألهبت حماس الجمهور كبيره وصغيره. وشكل أداء مجموعة المشاهب بالنسبة للجمهور إعادة اكتشاف فن لا يتقادم بالرغم من مرور عقود وعودة إلى سنوات السبعينات. فقد ظلت هذه الفرقة الشعبية وفية لأسلوبها الفني وطابعها المتميز الذي طبع المجال الفني في المغرب.