ما هو عدد العمال المهاجرين الذين لقوا حتفهم في قطر قبل مونديال 2022، خصوصا في مواقع البناء؟ يبدو أن هذا السؤال الواقع في صلب الانتقادات الموجهة إلى الإمارة الغنية، لن تكون له إجابة محددة. وأوضحت الصحيفة البريطانية التي عملت على بيانات قدمتها سلطات خمس دول في جنوب شرق آسيا، أن "شهادات الوفاة" التي استندت إليها "غير مصنفة حسب المهنة أو مكان العمل". لكن وسائل إعلام غربية عدة استخدمت عدد الوفيات هذا على أنه وقع حصرا في مواقع بناء ملاعب بطولة كأس العالم، عازية الوفيات إلى حوادث ونوبات قلبية بسبب الحر والإرهاق… وقالت منظمة العمل الدولية الموجودة في الدوحة منذ العام 2018، في نونبر 2021، إن هذه الحصيلة "أعيد تداولها على نطاق واسع (…) دون تضمين السياق دائما (…) فيما عزيت هذه الوفيات في كثير من الأحيان إلى عمليات بناء ملاعب كأس العالم". لكن السلطات القطرية تنفي ذلك بشدة، وتقول إن هذا الكلام "افتراء" و"عنصرية"، وتهدد باتخاذ إجراءات قانونية. وقال مسؤول حكومي لوكالة فرانس برس في هذا الصدد "اتخذنا مروحة واسعة من الإجراءات (…) لتحسين حياة جميع العمال في قطر". وأضاف "ما زال هناك عمل يجب القيام به"، لكن "لا أحد يستطيع أن يجادل بأن كأس العالم سر ع التقدم في بلادنا". كما يتحدث الاتحاد الدولي لنقابات العمال الذي يتفاوض مع السلطات على الإصلاحات الاجتماعية، عن "تقدم كبير" في هذا المجال، مشيرا إلى أنه ما زال يجب القيام بالمزيد. وتقول اللجنة العليا المنظمة للمونديال إن هناك ثلاث وفيات حدثت في مواقع بناء البنى التحتية المرتبطة مباشرة بالبطولة، خصوصا الملاعب. وهذه الحصيلة ذكرها أيضا رئيس (فيفا) جاني إنفانتينو في ماي. ولم تتحدث أي منظمة غير حكومية دولية معروفة عن حصيلة 6500 قتيل. وطلبت منظمتا "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" من (فيفا) إنشاء صندوق تعويضات للعمال المهاجرين، دون الإشارة إلى عدد معين. وأوضح الفرنسي جان بابتيست غيغان، وهو مدرس ومؤلف كتاب حول الجغرافيا السياسية للرياضة، "أصبح هذا الرقم رمزيا لأنه يجيب على سؤال لا يمكن لأحد أن يجيب عليه". ووثقت منظمة العمل الدولية، مع الإشارة إلى النقص في البيانات المتاحة، 50 حادث عمل مميتا في مكان العمل لموظفين في عام واحد، في 2020، و500 إصابة خطرة. وأوضحت المنظمة "كان معظمهم (الضحايا) عمالا مهاجرين من بنغلادش والهند ونيبال، في مجال البناء خصوصا. السقوط وحوادث المرور هي الأسباب الرئيسية للإصابات الخطرة، يليها سقوط أشياء على الأشخاص في مواقع البناء". ومن بين الأسباب الرئيسية لعدم الوضوح حول هذا الموضوع، بحسب المصادر التي قابلتها وكالة فرانس برس، نقص الأدوات الإحصائية في قطر. بالنسبة إلى منظمة العمل الدولية، فإن هذه الثغرات "تجعل من غير الممكن تحديد رقم قاطع". ودعت إلى "زيادة الجهود للتحقيق في أسباب الإصابات أو الوفيات التي قد تكون مرتبطة بالعمل لكنها غير مصنفة كذلك". ولخص نقابي فرنسي زار مواقع البناء مرات عدة الوضع قائلا "بدون مقياس حرارة، من المستحيل قياس درجة الحرارة". وقال مصدر مقرب من منظمات غير حكومية إنه على سبيل المقارنة، سجل قطاع البناء في فرنسا في العام 2019، 215 وفاة، "لكنه بلد يزيد عدد سكانه 20 مرة عن عدد سكان قطر". وقال مدير برنامج العدالة الاقتصادية والاجتماعية في منظمة العفو الدولية ستيف كوكبيرن، إنه من دون التحقيق في "وفيات العمال، من الصعب معرفة عدد الذين لقوا حتفهم بسبب الحر الشديد، لكن لا شك في أن المسألة بالغة الخطورة". وتابع "سواء في مواقع البناء المرتبطة ببطولة كأس العالم أم لا، ما زالت آلاف الوفيات التي سجلت في الأعوام العشرة الماضية من دون تفسير، وعلى الأرجح ترتبط مئات منها على الأقل بظروف العمل الخطرة". وأشار مصدر مقرب من منظمات غير حكومية دولية إلى أنه "من السهل جدا الاختباء وراء هذا الغموض. إذا كانت السلطات القطرية لم تتعمد وجود هذه الثغرات، فهي تتخذ منها الآن درعا لحماية نفسها". وهناك معطيات أخرى مفقودة بحسب قوله، وهي وفيات عمال عادوا إلى منازلهم مرضى، خصوصا بسبب "مشكلات في الكلى" ناجمة عن المياه السيئة التحلية التي تقدم للعمال.