لا يمكن تصور صدور كتاب ما بدون أن يكون مغلفا. لا بد إذن من الغلاف لكي يستحق الكتاب اسمه. الكتاب بدون غلاف، لا يعدو أن يكون مجرد أوراق مضمومة إلى بعضها البعض، لكننا سنتحفظ من تسميته كتاب. كيف يكون حال الكتاب المجرد من الغلاف عند عرضه للبيع؟ سيتم التنقيص منه حتما، وإن كان جديدا، وإن كان قد خرج لتوه من المطبعة. أولا، ستكون أوراقه قابلة للتلف بسهولة، الكتاب بدون غلاف كائن هش، بالنظر إلى أن الغلاف له وظيفة أساسية تتمثل في وقاية الكتاب، وقاية أوراقه من التمزيق والإتلاف. النظرة إلى كتاب بدون غلاف ليست هي النظرة نفسها إلى الكتاب المحتوي على غلاف، بصرف النظر عن قيمة هذا الغلاف. نظرتنا إلى غلاف الكتاب لا تقف عند هذا الحد، سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه تتم مقارنته من خلال النقد بكونه جزءا لا يتجزأ من النص الذي يحتويه، أكان هذا النص رواية، مجموعة قصصية، ديوان شعري، دراسة… إلى غير ذلك. الغلاف من هذا المنظور يعد إحدى عتبات النص القابلة لدراستها لأجل فهم النص في حد ذاته. إنه تتم مقاربته كما تتم مقاربة عتبات النص الأخرى: اللوحة، العنوان، التجنيس، الاستهلال، التصدير، المقدمة.. إلى غير ذلك من العتبات. هناك كتاب يولون أهمية كبيرة جدا لأغلفة إصداراتهم. المؤلف قد لا يراجع النص، قد لا ينقحه ويصححه، وقد يكون غير مقتنع به، لكن في المقابل تجده حريصا على أن يكون الغلاف حسب المواصفات التي يعشقها. تبعا لذلك، نجد العديد من الإصدارات الجديدة في مختلف المجالات، وبالأخص في المجال الإبداعي، أهم ما فيها هو أغلفتها. نصوص رديئة، ولذلك يحرص أصحابها على التمويه على الرداءة بواسطة أغلفة تشتمل على لوحات جميلة. زوق تبيع، كما نقول في تعبيرنا الدارج. المؤلف بهذا المعنى، مجرد محتال. يقترح عليه الناشر لوحة ما لغلاف إصداره الجديد، فيرفضها. يحصل جدال بينهما، بالنظر إلى أن الناشر يستحضر حقوق التأليف الخاص بصاحب اللوحة، يفضل أن تكون اللوحة مهداة من طرف فنان تشكيلي أو يقوم هذا بتصميم الغلاف بشكل تطوعي لأجل تجنب تبعات حقوق التأليف. صار الإعلان عن الكتب الجديدة يسبق في كثير من الحالات خروجها إلى الوجود. من قبل، أي قبل ثلاثة عقود تقريبا، لم يكن بالإمكان حدوث ذلك، بالنظر إلى أن ناشري الصحف والمجلات الورقية، لم يكونوا يقبلون الإعلان عن صدور كتاب ما إلا بعد التوصل بنسخة منه، نسخة بلحمها ودمها، إذا جاز هذا التعبير المجازي. اليوم، بفضل أو على الأصح، بسبب وسائط الاتصال الرقمية، صار بمستطاع كل واحد منا أن ينشر على نطاق واسع وقتما شاء إعلانا عن صدور كتاب جديد له. يكفي أن يكون لديه غلاف جاهز. لقد صار ظهور أغلفة الكتب أكثر من ظهور الكتب في حد ذاتها. لقد حدث في العديد من المرات، أن اطلعت على إعلان عن صدور كتب من طرف أصحابها، لكن هذه الكتب لم تخرج قط إلى الوجود، وسيكون من العبث أن ننتظرها، لأنها بكل بساطة، لا وجود لها أصلا. كل ما يتوفر عليه صاحب الإعلان هو الغلاف، ولا شيء آخر غير الغلاف. أين الرواية؟ أين المجموعة القصصية؟ أين الديوان الشعري؟ أين؟ أين؟ أين؟.. أصحابها وحدهم يعرفون أين توجد.