ناقش خبراء مغاربة مؤخرا بالرباط في ندوة حول «سؤال القيم في المجتمعات المعاصرة» نظمها المركز المغربي للثقافة والفنون العريقة»، تأثير التطورات المجتمعية والاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية على منظومة القيم، التي اعتبروها صمام الأمان لحفظ التوازن داخل المجتمعات. فبعد أن أكدوا على أن العالم اليوم، وأمام الحراك المجتمعي والتطور التكنولوجي والاقتصادي السريع، يعرف بروز قيم جديدة غير تلك المتعارف عليها فلسفيا ودينيا واقتصاديا وثقافيا، أبرزوا أن السبيل إلى ضبط القيم الوليدة والظواهر المصاحبة لها هو اللجوء إلى سياسات استباقية «مفكر فيها»، وذلك لمواجهة مخاطر محتملة تقوض المنظومات الأخلاقية والقيمية كمخاطر العولمة والتقنيات الدقيقة وغيرها. فبالنسبة للأستاذ بنسالم حميش، يتجلى حل مواجهة العولمة مثلا و»شرورها»، و»الاقتصاد الذي لا يعترف بالأخلاق ولا بالقيم»، بالدرجة الأولى في حماية دولة الحق والقانون، فنجاح سياسة اقتصادية ما متعلق بمدى انعكاسها إيجابا على الأفراد وتحقيقها للرفاه الاجتماعي والاقتصادي. وبما أنه لا يمكن اختزال القيم في «قيم الخير والجمال والحقيقة» المتعارف عليها في قاموس الفلاسفة، يمكن التأمل في القيم الجديدة كالتماسك والوحدة والتلاحم وترجمتها في الواقع بالتشريع لها. أما الاقتصادي إدريس الكراوي فأشار إلى أن القيم كانت، تاريخيا، وما زالت ، شرطا أساسيا لديمومة أي نظام اجتماعي، كما كان الرفاه الاجتماعي والتطور السياسي للأنظمة لصيقا بثوابت أخلاقية، مستخلصا أنه بدون روابط اجتماعية وبدون مرجعيات ترسم وتحدد الإطار المرجعي للعيش الموحد يفقد المجتمع روحه ووسائل المناعة الداخلية . وذكر بأن القيم هي وليدة الأوضاع المتغيرة باستمرار، والقيم من إنتاج الواقع وتستلهم منه، مشيرا في هذا الصدد إلى قيم وليدة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية منها على سبيل المثال «التضامن ، والكرامة، والعدالة، والانفتاح، والتسامح». وبعد أن أكد على استحالة عدم مسايرة المتغيرات التي تحصل في العالم، شدد الكراوي على أن حل أزمة القيم والمعضلات المصاحبة لها، يكمن في «التوحيد حول قيم محددة» واعتماد تصورات استباقية واستثمار خزان الموروث. من جهته ركز الأستاذ إدريس العلوي المدغري على الأسئلة الكبرى التي تواجه الإنسانية اليوم، والتي تضعها في مفترق الطرق ، خاصة أسئلة الأخلاقيات الناتجة عن زحف التكنولوجيات الدقيقة (النانو)، التي تنتهك حرمة الإنسان وحريته الشخصية وبالتالي منظومة القيم. وخلص إلى أن الحل يكمن في حكامة رشيدة على المستوى الدولي والإقليمي والوطني .