العبث واللامعقول في مسرحية «نزهة بساحة المعركة» لمقت الحرب والدعوة إلى التعايش يتجلى من خلال العروض المسرحية التي قدمت في إطار الملتقى المسرحي الأول للدارالبيضاء، أن إدارة الملتقى حرصت على ضمان حضور التنوع والتعدد على مستوى التجارب والاتجاهات المسرحية. من بين هذه التجارب، عرض «نزهة في ساحة المعركة» لفرقة مسرح العين القادمة من الرباط، ليلة الأربعاء الماضي، بمسرح سيدي بليوط، حيث كان العرض يدخل في خانة مسرح العبث أو اللامعقول، وهو مقتبس عن مسرحية للكاتب الإسباني فرناندو أرابال، وتولى إخراجه، الفنان علي البوهالي، وهو من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي بالرباط، شأنه شأن بقية أفراد هذه الفرقة الفتية والواعدة. ولم يكن بالتالي مفاجئا أن يتسم هذا العمل المسرحي، بوعي نظري، تم اكتسابه أكاديميا. لقد خلا هذا العرض، إلى حد ما، من تلك الأخطاء التي يرتكبها عادة هواة المسرح، الذين لا يولون إلى الجانب العلمي، ما يستحقه من الاهتمام، وهكذا فإن كل حركة أو كل رد فعل، لم يكن اعتباطيا، بل كان يخدم الخط الدرامي للعمل المسرحي. وباعتبار أن هذا العمل، يدخل في خانة مسرح العبث؛ فإنه من المجازفة محاولة تقديم ملخص لمضمونه، ومع ذلك يمكن القول إنه يقربنا من العلاقات الانسانية القائمة أثناء الحرب، حيث أن مختلف السلوكات تكون متأثرة بهذه الوضعية المضطربة والمقلقة، وبالتالي تترجم إلى صور ذات طابع عبثي. ذلك الجندي الراشد، الذي يمارس أفعالا صبيانية، ويعامله والداه مثل طفل صغير ويقومان بتدليله، ويبلغ العبث ذروته، عندما يقع العدو أسيرا، لدى هذه الأسرة، دون أن يبدي أي مقاومة، بل أكثر من ذلك، نجد أنه هو الذي كان يحفزهما على القيام بما يمليه عليهما الواجب، أي أن يقيدا يديه ورجليه، وفي أثناء ذلك تبدي عائلة الجندي تعاطفا مع هذا العدو، وتوصي بتقييده دون إغضابه أو الإساءة إليه، إلى حد أن الأسير، يخجل من التحرر من قيوده، رغم الإلحاح عليه للقيام بذلك، لأجل أن يشاركهما تناول الطعام والشراب. لقد توفق المخرج في إيصال هذه التناقضات التي حفل بها العرض المسرحي، والتي كانت مثيرة للضحك، من قبيل ذلك المشهد الذي ظهر فيه رجال الإسعاف، وهم يتحسرون على عدم وجود قتلى أو جرحى، وتتعاطف معهم أسرة الجندي، وتعدهم بأنه بمجرد أن يظهر ميت، سيعجلان بإخبارهم بذلك. ومن بين المشاهد الباعثة على السخرية كذلك، ذلك المشهد الذي يظهر فيه الجندي وهو منشغل بتنظيف أسنانه، حيث أنه بالرغم من وجوده في لحظات الحرب، حيث أن صدى القنابل وهدير الطائرات المقاتلة يصل إلى مسمعه؛ فإنه لا يتخلص من تلك العادة الصباحية المتمثلة في تنظيف الأسنان بواسطة الفرشاة. حتى عنوان المسرحية نفسه، لا يخلو من مفارقة مضحكة، على اعتبار أن النزهة لا تكون عادة في ساحات المعارك، بل في أماكن آمنة ومريحة. وكذلك المشهد الذي يلجأ فيه الوالدان، إلى حمل مظلة مطرية، والاحتماء تحتها، من القنابل المصوبة نحوهما، ويعلقان على حادث توقف إطلاق النار، بالقول إن «القنابل سحات!»، تشبيها لها بالأمطار، وشتان بينهما، على اعتبار أن الأولى هي مصدر للقتل والدمار، في حين أن الثانية، هي واهبة الخير والنماء. وتم توظيف مكونات السينوغرافيا، بكيفية مقتصدة، حيث لم نلحظ ما يمكن اعتباره زائدا، هناك أكياس رملية، موضوعة بصورة دائرية، لحماية المقاتل، مشكلة بذلك متراسا، وهذا له دلالته؛ فاللحظة لحظة قتال. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك عدة النزهة، وأغراض الجندي، ووسيلة النقل –الدراجة الهوائية- التي قدم على متنها والداه، وطبعا كان هناك حضور لأسلحة الجنديين. هذه العناصر المحدودة، كانت كافية لتقديم صورة مقربة لساحة المعركة، هذه الساحة- للمفارقة- لم تشهد قتالا عنيفا، على مدى العرض بكامله، الذي استغرق حوالي ستين دقيقة، بل على العكس من ذلك، طغى عليه في كثير من المشاهد، الرقص والغناء.. ولأجل تعميق الاتجاه العبثي للمسرحية، كان الشخوص، وبالأخص والدا الجندي المدلل، يتخاصمان في ما بينهما لأسباب تافهة جدا، كما أنهما معا، كانا بدورهما لا يزالان يحملان بدواخلهما البراءة الطفولية، والتي كانت تنعكس على سلوكهما، إلى حد تجعل المتلقي يتعاطف معهما. ويبلغ العبث ذروته، عند إبراز الخطورة التي يشكلها العدو، والمتمثلة فقط في وضع الحجيرات في قلب حذاء خصمه! الحرب إذن، لا تنطوي كليا على ما هو سيئ، بل يمكن أن تفرز لنا علاقات إنسانية مثالية، باعتبار أن الأزمة تدفع المرء إلى التعاطف مع محيطه، غير أن قمة التعاطف، هي عندما يشمل هذا العطف العدو ذاته، وهذا لا يمكن أن يتم إلا باعتماد حاسة سادسة –إذا جاز القول- وهو ما سعت إلى إيصاله مسرحية «نزهة في ساحة المعركة»؛ ففي الوقت الذي اقتحم الجندي منطقة عدوه، كان من المفروض أن يصوب نحوه فوهة البندقية ويرديه قتيلا في الحال، غير أن هناك تيارا مر بينهما، بسرعة خاطفة، ونهاهما عن القيام بما يفرضه عليهما واجب القتال. ولرد الفعل هذا خلفيات؛ فكلا الجنديين، سيعترف في ما بعد أنه يجهل السبب الذي يجعله يشارك في القتال، ويقتنع بجهله، كما لو أن الأمر لا يهمه، بل أكثر من ذلك، سيكون وجوده في ساحة القتال، عن طريق الصدفة. وما أكثر الحروب التي تشتعل وتدوم طويلا وتخلف خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، دون أن يكون هناك ما يبررها. وكما يقال «بعد الحرب لا شيء يتبقى غير الصحراء»، وهذا ما عمل صاحب هذه المسرحية على إبرازه، من خلال تأكيده على عبثية الحرب. هل كان هدف المخرج أو بالأحرى معد هذا العرض المسرحي، هو إضحاك الجمهور، إذا كان الأمر كذلك؛ فيمكن القول، إنه أفلح في مبتغاه، وهذا ليس بحاجة إلى إثباته، على اعتبار أن ضحكات الجمهور التي تابعت هذا العرض، لم تكد تتوقف، على امتداد المشاهد. أما إذا كان الغرض هو إيصال رسالة؛ فيمكن القول كذلك إن هذا الغرض هو الآخر تحقق، ويتمثل بإيجاز شديد في مقت الحرب، والدعوة إلى التعايش والحفاظ على هذا الكون وصيانته.