الأمازيغية في قلب التغيير شارك الأستاذ إسماعيل العلوي، رئيس مجلس الرئاسة لحزب التقدم والاشتراكية، بمداخلة هامة في ندوة «الأمازيغية في قلب التغيير»، في إطار الدورة السابعة لمهرجان «ثويزا»، بمدينة طنجة، تطرق فيها إلى حضور القضية الأمازيغية في التاريخ النضالي للحزب من أجل رد الاعتبار لهذا المكون الأساسي للهوية المغربية المتعددة، باعتباره إرثا حضاريا وتاريخيا لكل المغاربة. وأبرز الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية أن تحاليل الحزب تعتبر أن الأمازيغية كانت قبل سنة 2001 تعاني على ثلاث مستويات، يرتبط المستوى الأول بالبعد الهوياتي الذي كان يقصي جزء من المغرب ذي الشخصية المتفردة بتعددها الثقافي واللغوي، ويهم المستوى الثاني البعد السيوسيو-اقتصادي عبر التهميش الذي عرفته بعض المناطق بالمغرب من إقصاء وتهميش حرمتها من الاستفادة من البرامج التنموية، أما المستوى الثالث فيتعلق بالبعد السوسيو-ثقافي المتمثل في إقصاء الأمازيغية من التعليم والإعلام. وشدد إسماعيل العلوي على أن البعد المؤسساتي بعد خطاب أجدير 2001 رد الاعتبار للأمازيغية وشرع في إدماجها بشكل تدريجي في التعليم والإعلام، موضحا أن إحداث المجلس الوطني للغات والثقافات الوطنية من شأنه أن يساهم في حماية اللغتين العربية والأمازيغية، بالإضافة إلى مختلف التعبيرات المحلية... وفيما يلي النص الكامل لمداخلة إسماعيل العلوي في ندوة طنجة: أيتما إيستما أزول السيدات والسادة الأفاضل، بعد التحية الشخصية الحارة، أود أن أبلغكم سلام الأستاذ محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزبي، حزب التقدم والاشتراكية، وأن أعرب لكم عن أسفه لعدم تمكنه من الحضور في هذا الملتقى المبارك الذي يتمنى له ونتمنى له جميعاً كل النجاح الذي يستحقه. ولا تفوتني الفرصة لأتقدم بشكري الجزيل لمنظمي هذه الندوة المنضوية تحت لواء مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية، على دعوتهم لي للمساهمة في هذا اللقاء «الأمازيغية في قلب التغيير». أيها الحضور الكريم، أجل إني أحس بفخر واعتزاز كبيرين لتواجدي بينكم، بين أعلام سياسية ونضالية كرست حياتها ومجهوداتها وناضلت من أجل صيانة لغتنا وثقافتنا الأمازيغية كقاعدة متينة وصلبة لثقافتنا وحضارتنا الوطنية المغربية، ولقد توج هذا النضال وهذا الكفاح المستميت والمرير بالدستور الذي صادق عليه شعبنا في الأسابيع القليلة الماضية. أيها الحضور الكريم، لقد شكلت المسألة الأمازيغية، لغةً وثقافةً وهويةً، إحدى الأولويات الثقافية في البرنامج السياسي للهيئة التي أنتمي إليها وهي حزب التقدم والاشتراكية منذ سنوات السبعينات من القرن الماضي، في الوقت الذي كانت فيه هذه القضية تُعَدُّ «طابوهاً» سياسيا في البلاد، بحيث كادت تكون بل وكانت القضية الأمازيغية في عداد القضايا الممنوعُ التداولِ فيها سياسيا وعلنيا! وأبرز حزب التقدم والاشتراكية في كل وثائقه، من أطاريح مؤتمراته الوطنية وبياناته السياسية وتقارير لجانه المركزية ومنشوراته مواقفَ واضحةً في هذا الشأن، مطالبا برد الاعتبار للأمازيغية بكونها إرثاً تاريخياً وملكاً حضارياً لكل المغاربة، بعد أن تعرضت لتهميش وإقصاء ممنهجين سواء من قبل الدولة ومؤسساتها، أو من قبل بعض التيارات والحركات المجتمعية ذات الطابع القومي العروبي أو الإسلاموي المتعصب والمنغلق على ذاته. وركزت تحاليلُ الحزب في هذا الباب على الأبعاد التالية التي كنا ومازلنا نتقاسمها مع الحركة والجمعيات المناصرة للأمازيغية. البعد الأول: البعد الهوياتي حيث أن المغرب يتمتع بشخصية متفردة ومتميزة بمَيْسَمِ التنوع والتعدد ثقافيا ولغويا مما يشكل نقطة قوة للشعب المغربي ومصدر غِنىً لنسيجه البشري وصورته الحضارية. فالمغرب بلد عريق يستمد تاريخيته من انتماءاته المتعددة لثقافات تلاحقت وتلاقحت وتفاعلت على مر العصور.. ومنها إضافة إلى الثقافة الأصل، الأمازيغية، الثقافة والحضارة الإسلامية-العربية والصحراوية، والإفريقية والمتوسطية في جميع تجالياتها: الكنعانية، الفينيقية والإغريقية والقرطاجية والرومانية دون إغفال آثار الوافد العبري والأندلسي،.. وغيرها من الثقافات التي طبعت المغرب الكبير سواء كانت من الثقافات المسيطرة أو كانت من ثقافات الأقليات.. وكانت الأمازيغية، بما هي حضارةٌ أصلية للمغرب، هي الوعاءَ التاريخي والثقافي والاجتماعي الذي استطاع أن يستوعب هذه الروافد وهذا الاختلاف والتعدد بكثير من الإبداعية الخلاقة. وبالرغم من هذا الواقع الذي لا يمكن التنكر إليه، أبى المغرب الرسمي ولمدة طويلة من الزمان أن يعترف بأن الأمازيغية جزءٌ أساسي من مكوناته السوسيوثقافية، وتعرضت بذلك الأمازيغية للإقصاء الممنهج لاسيما من برامجَ وسياساتٍ عموميةٍ عديدة سنتها حكومات ما قبل وبعد الاستقلال بدعوة وجود مغربين: مغرب نافع ومغرب غير نافع. البعد الثاني: البعد السوسيو- اقتصادي بحيث عانت مناطق محددة ناطقة باللغة الأمازيغية بألسنتها أو لويناتها الثلاثة أو الأربعة، من تهميش وإقصاء موضوعيين فظيعين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ولم تتمكن من نيل حظها من المجهودات التنموية التي عرفتها البلاد قبل وغداة الاستقلال، لأسباب سياسية مرتبطة بمواقفَ لأطرافٍ في الدولة، قبل وبعد الاستقلال، من بعض القبائل والمناطق التي أبلت البلاء الحسن في مقاومة الاستعمار والنضال من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية والاعتراف بخاصياتها... وبالتالي حُرِمت هذه المناطق عملياً من البرامج التنموية والخدماتية للدولة من طرق ومسالك وتعليم وصحة وبريد وعدالة.. حتى أصبحت بعض المناطق الجبلية معزولةً عن باقي الوطن وعن العالم الخارجي وكأنها تعيش في مدار آخر. البعد الثالث: البعد السوسيو- ثقافي في هذا الجانب تنتصب مشكلةُ التعليم وإدماج اللغة والثقافة الأمازيغية في النظام التربوي الوطني، ومشكلةُ إدماجهما في الإعلام العمومي. وفي هذين المجالين مورس إقصاءٌ غيرُ مبررٍ البتة. كما يتمثل هذا البعد أيضا في غياب دعم حقيقي للجمعيات الثقافية ومختلف أشكال التعبيرات الإبداعية والفنية الأمازيغية. والامتناع عن السماح باعتماد اللغة الأمازيغية في المحاكم، وحتى منع الآباء والأمهات من إطلاق أسماء أمازيغية على أبنائهم.. وغير ذلك من مظاهر الحيف الاجتماعي والثقافي إلى أن حصل تجمع أجدير الذي نادى فيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالقطيعة مع كل هذا الواقع المزري ومكن من تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. البعد الرابع: البعد المؤسساتي وهو البعد المتعلق مباشرة بالاعتراف الرسمي بالأمازيغية في الدستور المغربي. أو ما أصبح يعرف بدسترة الأمازيغية. حيث كاد الأمر أحيانا أن يعتبر من باب المقدسات التي لا ينبغي الاقتراب منها. في ظل هذه المعطيات والحقائق التاريخية، ناضل حزبنا إلى جانب مختلف مكونات الحركة الأمازيغية من أجل رد الاعتبار للثقافة والهوية واللغة الأمازيغية في بلادنا وعيا منه أن رد الاعتبار هذا هو في العمق رد الاعتبار لشعبنا وإنصافه بأكلمه وفي تنوع روافده. ويمكن الاعتزاز اليوم أنه بفضل هذه النضالات الطويلة والمستميتة تحققت في هذا المضمار عدة مكاسب للمغرب والمغاربة. وإذا كان المغرب، في هذا النطاق، قد شرع في الإدماج التدريجي للأمازيغية في النظام التعليمي، وفي الإعلام العمومي، وحقق تقدما مهما في مجال الحريات، فإنه اليوم يُتوِّج هذا المسار بالاعتراف الرسمي باللغة والثقافة الأمازيغيتين في قانونه الأسمى ألا وهو الدستور المغربي. وإذا كان ورش إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام لا يزال مفتوحا على العديد من الاجتهادات والمجهودات بالرغم مما تحقق من تقدم ملموس في هذا المجال، فإن الورش الكبير اليوم الذي نقترحه في حزب التقدم والاشتراكية، والذي نتمنى أن يساهم فيه الجميع، هو ذلك العمل الجبار الذي ينتظرنا جميعا من أجل استكمال واستثمار مسألة دسترة الأمازيغية. لأن دستور مغرب اليوم لا يعترف فقط باللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، وإنما أيضا يفتح الباب واسعا أمام تنمية هذه اللغة للمزيد من تأهيلها وجعلها معتمدةً ومستساغةً في الحياة والمرافق العامة. الشيء الذي يتطلب الشروع الفوري في التفكير الجماعي من أجل أجرأة هذا الاعتراف الرسمي الدستوري. وفي الآجال التي يفرضها الدستور نفسه. ولعل الفضاء الملائم لممارسة هذا التفكير وإعمال هذه الأجرأة هو المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي سيحدث بموجب الدستور الجديد الذي ينص على أن مهمة هذا المجلس تكمن على وجه الخصوص في «حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا، ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات»، معنى هذا أن علينا أن لا نغتر ولا نظن أننا «قطعنا الوادي ونشفوا رجلينا» كما يقول المثل المغربي الشهير، علينا، عكس هذا الظن، ألا ننسى أن الدساتير مهما كان مستوى صياغتها وتقدمها تبقى إنتاجاً بشرياً، وهي بالتالي لا ولن تَرقَ إلى الكمال. لذا على المواطنين والمواطنات أن يتحلّوا باليقظة الكاملة وأن يبقوا معبئين من أجل تفعيل مضامين الدستور الإيجابية حتى لا تبقى حبراً على ورق. وفي هذا الصدد التحسيسي – التعبوي، أود أن أذكر بمبادرة قام بها مؤخرا حزبي، حزب التقدم والاشتراكية، وتمثلت في عقد ملتقى وطنيٍ، في مطلع شهر يونيو الماضي بالرباط، من أجل تدارس سبل أجرأة الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية، بمشاركة عدد هائل من مكونات الحركة الأمازيغية. وانبثقت عن هذا الملتقى لجنة للتتبع ستشرع في عملها في الأيام القليلة المقبلة. ولا بأس أن أخبركم أننا سننظم في السياق ذاته، وبعد اجتماع أعضاء هذه اللجنة، ملتقى آخر في رمضان المبارك المقبل، للمزيد من تعميق التفكير في السبل الناجعة لتحقيق هذه الأجرأة. وختاما يمكن التأكيد على أن المغرب سائر لا محالة وبشكل لا رجعة فيه بفضل إرادة أبنائه الراسخة، في الطريق الصحيح لاستدراك ما ضَاع وما فات لجعل الثقافة واللغة الأمازيغيتين في صدارة اهتمامات الدولة والمجتمع، وفي صدارة السياسات الثقافية والاجتماعية والتنموية. فعلا - أيتها الأخوات، أيها الإخوة- الأمازيغية هي في قلب التغيير، لذا نعاهد أنفسنا ونعاهدكم أيها الحضور الكريم، أننا سنبقى، في حزب التقدم والاشتراكية، معكم على درب النضال سائرين بدون تعصب ولا دغمائية، ولكن بدون هوادة ولا استسلام إلى أن نحقق هدفنا المتلخص في «وطن حر وموحد وشعب سعيد ومتلاحم». مداخلة اسماعيل العلوي في ندوة «الأمازيغية في قلب التغيير»، في إطار الدورة السابعة من مهرجان «ثويزا»، بطنجة يوم السبت 23 يوليوز 2011