أغلب من يتعرضون لتسممات بدنية جراء مواد مخدرة هم من فئة الشباب والأطفال مقاربة تأطير المدمنين أثبتت فعاليتها في الحد من استهلاك المخدرات وانتقال الأمراض يشكل اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، الذي يصادف يوم 26 يونيو من كل سنة، مناسبة لاستحضار الجهود المبذولة على الصعيدين الوطني والدولي في مجال مكافحة المخدرات، ووقفة لمقاربة الأساليب المعتمدة وطنيا لمعالجة هذه الظاهرة، خاصة على مستوى الشخص المدمن من الناحيتين الصحية والنفسية وفي علاقته بمحيطه والمجتمع ككل. ويتبنى المغرب منذ أزيد من ست سنوات استراتيجية وطنية لمكافحة هذه الآفة من خلال تعبئة كافة الموارد البشرية والمالية، وذلك وفقا لمقاربة شمولية ومندمجة تسعى من جهة إلى إقرار تنمية مستدامة بأنشطة اقتصادية بديلة (زراعات بديلة)، ومن جهة ثانية إلى تشديد الخناق على شبكات تهريب المخدرات وتعزيز التعاون الدولي، خاصة من خلال تبادل الخبرات والمعلومات والتكوين في هذا الإطار، وتوظيف التكنولوجيات الحديثة على مستوى مراقبة النقط الحدودية. الإدمان ظاهرة مرضية ويعد الإدمان على المخدرات، حسب المختصين، مشكلة طبية وظاهرة مرضية مرتبطة بعوامل وراثية وبيئية و»نورو-بيولوجية»، مقرونة بالاستعمال المتكرر للمواد المخدرة، ما يجعل المرء من الناحيتين النفسية والجسدية هشا ومسلوب الإرادة، وفي حاجة دائمة بل ومتزايدة إلى هذا السند الوهمي، ويتطلع دائما إلى استدامة أثر جرعة تصبح مع الوقت غير كافية، مما يضطره إلى الاستزادة ليغرق بالتالي في دوامة من المتاعب الصحية والاجتماعية والمادية التي قد تصيبه بالعجز الكامل عن متابعة حياته بالتوازن المطلوب. ويوضح البروفيسور جلال التوفيق، المختص في علاج الأمراض العقلية والنفسية، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الإدمان، الذي قد يكون على المشروبات الروحية أو المخدرات أو الأدوية المهدئة أو المنومة أو المهلوسة، يسبب أضرارا مدمرة لكفاءة جميع وظائف أعضاء الجسم ويعرض لعدد من الأمراض كسرطان الفم والبلعوم والحنجرة والمريء والتهاب وتلف وتشمّع الكبد وبطء الاستجابات وردود الفعل الحركية وضعف مناعة الجسم ومقاومته للأمراض والإصابات الجلدية الناجمة عن تكرار الحقن الوريدية والوفاة في حالة استعمال جرعات زائدة. ويضيف الدكتور التوفيق مدير مستشفى الرازي بسلا والمركز الوطني للعلاج والوقاية والبحث في الإدمان، أن الإدمان يتسبب في تقّلب المزاج ونقص التركيز والقلق والعصبية الزائدة والاكتئاب أو المرح الزائد عن حده، فضلا عن الاضطرابات العقلية كانفصام الشخصية والاضطرابات السلوكية التي قد تنتهي في أحيان كثيرة إلى ارتكاب جرائم وجنايات. ويشدد على أن الإدمان مشكلة اقتصادية واجتماعية لأن الشخص المدمن يكون دائما على استعداد لدفع أضعاف قيمة المادة المدمنة لكي يحصل عليها، كما أنّ إنتاج هذا الشخص يقل ويتدهور ممّا يسبب في فقدان وظيفته وضياع مصدر رزقه، ويتقاعس عن قيامه بالتزاماته العائلية، وهو ما يؤدي إلى تفكك وانهيار الأسرة وتشرد الأبناء. الإدمان ظاهرة عالمية ويؤكد الدكتور التوفيق، أن الإدمان أصبح مشكلة تؤرق المنتظم الدولي، وبات يستدعي تكاثف جهود الهيئات الدولية والإقليمية، وأصبحت ترصد له الكفاءات العلمية والطبية والاجتماعية لاستئصال مسبباته ولعلاج ضحاياه والحد مما يترتب عنه من مخاطر إقليمية ودولية. وسجل البروفيسور التوفيق، استنادا إلى الإحصائيات التي تم استعراضها خلال المؤتمر الإقليمي لشبكة «المنارة» الذي شارك فيه المغرب مؤخرا، وجود ارتفاع متواصل لنسبة تعاطي المخدرات بالحقن عبر العالم، وبالنتيجة ارتفاع مأساوي في نسب انتشار أمراض السيدا والتهاب الكبد الفيروسي بنوعيه «ب» و»ج»، مشيرا إلى أن 13 مليون شخص يتعاطون المخدرات بالحقن عبر العالم وينتشرون في 158 دولة. المغرب: مقاربة عقلانية وحقوقية تجاه المدمن ويؤكد البروفيسور التوفيق أن الولوج للعلاج يعد حقا من حقوق الإنسان الذي أوصت به الأممالمتحدة منذ سنة 2006، ودعت إلى تبنيه من خلال توفير الخدمات والحقوق الصحية للمدمن، والاعتراف به كإنسان وكمريض يحتاج إلى الدعم والعلاج لا إلى قضبان تقمعه وتحوله من مدمن إلى مجرم. وأشار إلى أن المغرب يتبنى، في هذا السياق، مقاربة عقلانية وحقوقية تجاه الشخص المدمن وذلك من خلال إنشاء وحدات لعلاج الإدمان على المخدرات وتوفير خدمات صحية وتتبع حالة المريض والقيام ببحث ميداني لاستجلاء عوامل ظاهرة الإدمان على الصعيد الوطني عموما أو داخل المؤسسات التربوية بصفة خاصة. وأبرز الدكتور التوفيق أنه بالرغم من أن استهلاك المخدرات يشكل خطرا كبيرا على حياة الفرد والمجتمع فإن الخطر الأكبر أن تتم مواجهة مدمني المخدرات ببرامج تستند إلى مقاربة التجريم أو بعلاجات تعتمد المنع، موضحا أنها برامج أبانت عن فشلها، إذ أن أقصى ما تنتهي إليه أنها تدفع بالمدمنين إلى الاختباء مخافة السجن، ما يحول دون وصول التدخلات الوقائية والعلاجية المناسبة ويؤدي بالتالي إلى تفشي الأوبئة في أوساطهم، في الوقت الذي أظهرت فيه سياسة تأطير المدمنين والتي تبنتها عدد من البلدان، ومن بينها المغرب، نجاعتها في الوقاية والحد من استعمال المخدرات وبالتالي تفادي انتقال عدد من الأمراض الناجمة عنها كفيروس السيدا والأمراض الأخرى المتنقلة جنسيا. برنامج استبدالي للحد من الإدمان على الهيروين وأبرز البروفيسور التوفيق أن المغرب يتبنى البرنامج الاستبدالي بمادة «الميطادول» للحد من الإدمان على مادة الهيروين وهو برنامج يتم تطبيقه بالمركز الوطني للعلاج والوقاية والبحث في الإدمان بسلا والذي أثبت نجاعته في العلاج بشكل نهائي من الإدمان على هذه المادة. وأضاف أن المغرب قام خلال هذه السنة بإنجاز بحث حول تعاطي وإدمان المخدرات في الثانويات على الصعيد الوطني، وذلك لاستشراف آفاق المستقبل حول تفشي هذه الظاهرة لدى الشباب، وخاصة التلاميذ، وبحث سبل الوقاية منها. وسجل البروفيسور جلال التوفيق أن المغرب هو البلد الوحيد، على صعيد القارة الإفريقية والعالم العربي، العضو في المجموعة المرجعية للأمم المتحدة والمجلس العلمي لمجموعة «منتور الدولية» التي تعنى بالوقاية من المخدرات، وساهم، من موقعه هذا، في صياغة العديد من البرامج التي تهدف إلى الحد من الإدمان على المخدرات. وأعلن البروفيسور أن المغرب سيقوم خلال السنة المقبلة بإنجاز استبيان جديد على الصعيد الوطني بعد أول استبيان قام به سنة 2006 (الأول من نوعه على صعيدي العالم العربي والقارة الإفريقية)، لوضع مؤشرات لتتبع تطور ظاهرة الإدمان على المخدرات وكيفية التصدي لها وفقا لمقاربات عقلانية وحقوقية.