نجح العداء المغربي سفيان البقالي في منح المغاربة لحظة فرح واعتزاز، إثر فوزه بذهبية سباق 3000 متر موانع في أولمبياد طوكيو، وبذلك استطاع أن ينقذ كامل المشاركة المغربية من الصفر. هذا الإنجاز الكبير الذي حققه البطل المغربي سفيان البقالي، تحت إشراف مدربه كريم التلمساني، الذي ارتبط به دائما وآمن بموهبته، جعل المغاربة يتذكرون إنجازات عويطة ونوال والگروج والسكاح وبيدوان وبوطيب وآخرين من الأعوام الماضية، كما أن البقالي حصد ذهبية سباق غير عادي، وهو3000 متر موانع، والذي بقي لعقود يسيطر عليه الأبطال الكينيون وحدهم. لكل ما سبق، استحق البقالي ومدربه فرحة الشعب المغربي به، وتهنئة الملك له، واحتفاء الإعلام الوطني به وبمنجزه الأولمبي. ومع ذلك، بقدر ما صنعت ذهبية البقالي فرح المغاربة، فهي لن تخفي الضعف الكبير الذي اتسمت به المشاركة المغربية في هذه الألعاب الأولمبية، التي احتضنتها العاصمة اليابانية، وما نجم عن سلسلة الإقصاءات المتتالية للرياضيين المغاربة من خيبات. هناك بلدان إما في مثل مستوى نمو المغرب أو أقل منه حتى، استطاعت أن تفوز بميداليات، وأن تحقق نتائج أفضل من رياضيينا، وذلك عكس مشاركتنا نحن، وهذا يجعل الأمر مرتبطا بالعقليات والتوجهات والبرامج، أي بمدى توفر سياسة عمومية في هذا القطاع، وامتلاك مخططات لصناعة الأبطال، وبالتالي الاستعداد للتنافس على الميداليات. صحيح أن جامعة الملاكمة أعلنت عن قرارات تنظيمية وتأديبية، وأقدمت على تغييرات، وذلك على إثر الفشل في اولمبياد طوكيو، ولكن، ورغم أن الأمر غير كاف، فإن الجامعات الأخرى، والقطاع الحكومي المكلف بالرياضة، واللجنة الوطنية الأولمبية، جميعهم مطالبون اليوم بالوقوف للتقييم والمحاسبة، ومن أجل إحداث التغيير، والإنكباب على صياغة مداخل لمستقبل مختلف. لا يمكن الاستمرار كما لو أن الأمر عاد، أو كما لو أن المنجز الذهبي لسفيان البقالي، يغطي على فشل الآخرين. لماذا تفشل إذن بلادنا في إحكام منظومة تتيح صناعة الأبطال والنجوم، وتأمين استمرارية الإنجازات الأولمبية والدولية والقارية؟ كيف يمكن أن نطمح لامتلاك أبطال في رياضات مختلفة، في الوقت الذي تراجع وتدنى حضور الرياضة المدرسية والجامعية؟ وفِي غياب حضور الرياضة ضمن مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية لأطفالنا وشبابنا؟ وأمام انهيار وتهميش المؤسسات التعليمية ودور الشباب وغيرها؟ كيف يمكن أيضا أن تحقق رياضاتنا نتائج، وعدد من الجامعات يخنقها التكلس والجمود وصراعات المسيرين فيما بينهم، وبينهم وبين الأندية والرياضيين؟ وكيف يمكن التعويل على رؤساء جامعات خلدوا في مناصبهم لعقود، ولم تعد لهم أدنى صلة اليوم بالرياضيين والأندية؟ وكيف يمكن تطوير الرياضة في غياب إعمال مبدأي المسؤولية والمحاسبة تجاه هؤلاء المسيرين؟ هذه كلها أسئلة لا بد من استحضارها اليوم، والحرص على صياغة أجوبة لها انطلاقا من التفكير في صورة بلادنا، وفِي مصلحة المغرب أولا. الرياضة باتت اليوم قطاعا اقتصاديا يتم تدبيره بقواعد وتخطيط وأهداف وخبرات، والرياضة أيضا صارت لها أدوار ديبلوماسية أساسية، فضلا عن الأهمية المجتمعية والتنموية، ولذلك لا يمكن تطويرها من دون امتلاك سياسة عمومية محكمة. نعرف أنه في تاريخ المشاركة الأولمبية المغربية كانت ألعاب القوى والملاكمة وحدهما من تحققان النتائج والميداليات، لكن هذه المرة في طوكيو تابعنا الضعف الكبير الذي ميز الوفد المغربي المشارك، ولاحظنا التراجع الذي صار يلف حتى هاتين الرياضتين، مع التنويه مجددا بذهبية البقالي، وكل هذا نبهنا بقوة إلى أن موازين القوى الرياضية تغيرت عبر العالم منذ سنين، وأن صناعة البطل الرياضي تعتبر"علما"في حد ذاته، وتقتضي مخططات وميزانيات وأطر، كما أن تنمية الرياضة بشكل عام والارتقاء بها وتحقيق القدرة على التنافس الدولي، يتطلب، كذلك، امتلاك سياسة عمومية حقيقية، وهذا يسائل الحكومة والقطاع المكلف بالشباب والرياضة، وهو ما يجب العمل عليه اليوم ترتيبا على ما خلفته مشاركتنا في طوكيو من خيبات، وما قدمته لنا من دروس فاضحة لضعفنا وفشلنا. شكرا لسفيان البقالي ومدربه على مشاعر الفرح بالذهب، ولكن لا يجب لذلك أن يغطي على فشل الآخرين، ولا يجب أن نغمض أعيننا على تخلفنا وتقهقرنا في مختلف الرياضات الأخرى.