توجهات أساسية لتعزيز الاستقلالية والصلاحيات بقدر ما يطرح النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها مطلبا مجتمعيا متواترا، بقدر ما شكلت المؤسسات المحدثة لهذا الشأن موضوع نقاش مستمر بخصوص طبيعتها ووظائفها ومستوى أدائها وفعاليتها وحجم أثرها، وقد شكل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان على مدى عقدين من وجوده أكثر المؤسسات المعنية بهذا النقاش، وبالمناشدات من أجل تعزيز استقلاليته وتوسيع صلاحياته وأدواره. وفي هذا السياق جاءت التعديلات المتعلقة بإعادة تنظيمه في 10أبريل2001، التي عززت أدواره بتعزيز صلاحياته بدل وظائفه، والتي حددها في 13 صلاحية تغطي مجال الحماية والنهوض. وإذا كان تزامن هذه التغييرات قد ترافق مباشرة مع إصداره التوصية المتعلقة بإحداث هيئة للإنصاف والمصالحة، والتي ستستقطب أكتر من نصف أعضاء التركيبة الجديدة للمجلس، فإن ما يمكن ملاحظته هو أن ورش العدالة الانتقالية على أهميته، قد غطى على مساءلة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان على مستوى مدى ملئه للأدوار والاختصاصات الموكولة إليه بخصوص الحماية والنهوض بحقوق الإنسان في سياق نسخته المعدلة. اليوم وبعد حل هذه المؤسسة، وإحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يمكن أن نتساءل عن طبيعة هذه المؤسسة، صلاحياتها، تركيبتها، وعن القيمة المضافة على هذا المستوى، قياسا بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وانطلاقا من النظام الجديد الخاص بها. المجلس الوطني لحقوق الإنسان: حيثيات وصلاحيات أولا:على مستوى الشكل واللغة والهندسة: يشكل الظهير رقم 1.11.19 الصادر في فاتح مارس 2011 والمحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان تحولا هاما على مستوى هندسة هذا المتن واللغة المعتمدة مقارنة مع الظهير رقم 1.00.350 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 أبريل 2001. فمن جهة أولى تم الحرص على مراعاة شكليات تحرير النصوص التشريعية المحدثة للهيئات والمؤسسات ذات الأهلية القانونية والاستقلال المالي وخاصة في ما يتعلق بتوضيح وتدقيق كل ما يتصل بالصلاحيات وآليات ومجالات التدخل والهيكلة والتنظيم الإداري والمالي. كما أن اللغة المعتمدة في صياغة الظهير الجديد تختلف عن لغة صياغة الظهائر السابقة وهو ما سوف يتضح فيما سيأتي من استقراء لبعض المضامين الواردة فيه، والمعتمدة أساسا على ما راكمته مختلف أدبيات ومفاهيم منظومة حقوق الإنسان، ويتضح هذا المنحى التحديثي في الصياغة اللغوية عندما نقارن بين ظهير 10 أبريل 2001 و الظهير الجديد المؤرخ في فاتح مارس 2011. ومن جهة ثانية وعلى مستوى هندسة النص، أعتمد في صياغة الظهير الجديد المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان على هندسة تمكن من مقروئية أفضل وتتوخى التمفصل والانسجام بين مختلف مكونات المتن. فعلى مستوى النص الجديد فقد بلغ عدد مواده 59 مادة بينما لم تتجاوز مواد النص السابق 18 مادة، كما تم اعتماد هيكلة محكمة تتمثل في: باب تمهيدي يتكون من مادتين (2)، وخمس (5) أبواب تتوزع على النحو الآتي: باب أول: من أربعة فصول و29 مادة خصصت لتحديد اختصاصات المجلس؛ باب ثان: من فصلين و12 مادة خصصت لتركيبة المجلس ولجانه الجهوية؛ باب ثالث: من 10 مواد خصص لهيكلة المجلس وقواعد تسييره؛ باب رابع: من 4 مواد خصص للتنظيم الإداري والمالي؛ باب خامس: من مادتين خصص للأحكام الانتقالية والختامية. ثانيا: على مستوى ديباجة الظهير: تشكل ديباجة النصوص التشريعية معطى أساسيا في تقديم وتقريب المقاصد الكبرى والأسباب والأهداف التي استوجبت إخراج النص إلى حيز الوجود. لذلك نجد أن ديباجة الظهير المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان قد اشتملت على 14 حيثية تتجاوز في الشكل والمضمون والعدد، الحيثيات التي اعتمدت في صياغة الظهير السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ونقف هنا عند ما يمكن أن نعتبره مستجدات على هذا المستوى: أدرج النص السابق «حماية حقوق وحريات المواطنين» ضمن إزداوجية الحقلين المدني والديني واعتبرت ديباجة النص السابق أن هذه المهمة: «تعد أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية بصفتنا أمير المؤمنين» (الحيثية رقم 2 في ديباجة ظهير 10 أبريل 2001). بينما جاءت صياغة الحيثية في الظهير الجديد (ظهير فاتح مارس 2011) بالإشارة الواضحة إلى أن الالتزام بصيانة «حقوق وحريات المواطنين... أمانة دستورية من صميم مهامنا السامية. كما أنها تجسيد لوفاء المملكة بالتزاماتها الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها». الربط الواضح والصريح بين السياسات العمومية وإعمال مقاربة حقوق الإنسان والحرص على: التطبيق الأمثل للمفهوم الجديد للسلطة، القائم على صيانة كرامة المواطن وسيادة القانون ومساواة الجميع أمامه» (الحيثية رقم 4) استحضار الظهير الجديد لتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة وجعلها أحد الأهداف الأساسية لإنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان من خلال التنصيص على:»تحقيق الأهداف الاستراتيجية للتجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية» (الحيثية رقم 5) استناد الظهير الجديد على «مبادئ باريس» التي تعتبر المرجعة الدولية المصادق عليه من قبل الجمعية العمومية. للأمم المتحدة في 20 دجنبر 1993، فيما يخص المواصفات الواجب توفرها في المؤسسات الوطنية المكلفة بالنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها. رفع مجلس حقوق الانسان من «الاستشاري» إلى «الوطني» ضمن رؤية تندرج في سياق ما أسماه الظهير الجديد «تجديد الصرح المؤسساتي لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها وطنيا وجهويا» (الحيثية رقم 13)، وقد تكرس هذا المنحى في الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 من خلال المرتكزين الثاني والسابع ضمن المرتكزات السبع التي تعتمد كأرضية للتغيير الدستوري المرتقب، ويهم المرتكز الأول «تعزيز منظومة حقوق الإنسان بكل أبعادها.... ولا سيما دسترة التوصيات لهيئة الإنصاف والمصالحة والالتزامات الدولية للمغرب». أما المرتكز الثاني فيهم دسترة هيئات الحكامة الجيدة وحقوق الإنسان وحماية الحريات. ثالثا: على مستوى الاختصاصات ومجالات التدخل: لا بد من الإشارة إلى التمايز بين محتويات الظهير السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والظهير الجديد فيما يخص الاختصاصات، شكلا ومضمونا وامتدادا، ففي الوقت الذي تضمن الظهير الأول 12 مادة فقط، اختلط فيها مجالي الحماية والنهوض بحقوق الإنسان، فإن الظهير الجديد قد أفرد 25 مادة تم فيه التمييز والتدقيق للاختصاصات ما بين: مجال الحماية وخصص له 10 مواد؛ مجال النهوض وخصص له 12 مادة ومجال مستحدث مرتبط بما أسماه الظهير «إثراء الفكر والحوار حول حقوق الانسان والديمقراطية» وخصص له 3 مواد. كما استوعب الظهير الجديد الحقوق البيئية ضمن مجال اهتماماته (الحيثية رقم 3) كمجال ظل مغيبا في الظهير السابق. مجال الحماية غطت المواد العشر (10) مجمل اختصاصات المجلس بشأن مجال حماية حقوق الإنسان (المواد : 3-4-5-6-7-8-9-10-11-12)، والمعطى الأساسي في استقراء هذه المقتضيات يكمن بالأساس فيما يلي: تقديم أجوبة وإمكانيات جديدة لما لوحظ من أوجه التقصير والخلل في التجارب السابقة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان؛ إطلاق حرية المبادرة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان مع تمكينه من الوسائل والآليات القانونية للاضطلاع بمهامه، والتي بمقتضى الظهير الجديد ستغطي العديد من المجالات؛ الحرص على تمفصل عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان مع كل المتدخلين كل في مجال اختصاصه وخاصة التنصيص على التنسيق مع السلطات العمومية؛ إستحداث آليات تمكن من قياس نجاعة تدخل المجلس في مجال الحماية (المادتين 7و8): للحرص على متابعة مآل الشكايات المعروضة على المجلس ووجوب إخبار المعنيين بالأمر وتوجيههم وإرشادهم واعتماد كل التدابير اللازمة من أجل مساعدتهم في حدود اختصاصه وكذا اعتماد مسطرة لتلقي الشكايات والاستماع للأشخاص والأطراف المعنية. توسيع اختصاصات المجلس الوطني لحقوق الإنسان- وفقا لأحكام الظهير الجديد- لإجراء التحقيقات والتحريات بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان، وإنجاز التقارير بشأنها، وتقديم توصيات لمعالجة تلك الانتهاكات، وكذا الحرص على متابعة مدى إعمالها من قبل الجهة المختصة أو المسؤولة على الانتهاك، إضافة للإمكانيات الجديدة بشأن زيارة أماكن الاعتقال والسجون ومراكز حماية الطفولة ومستشفيات الأمراض العقلية ومراكز الاحتفاظ بالأجانب في وضعية غير قانونية، وذلك بهدف المراقبة والعمل على «تحسين الأوضاع». حدد الظهير الجديد أيضا مجالا جديدا لتدخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان يهم التدخل الاستباقي لإيجاد حلول لحالات خرق حقوق الإنسان من خلال آلية الوساطة بمشاركة الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان. مجال النهوض بحقوق الإنسان: خصص الظهير الجديد 12 مادة لمجال النهوض بحقوق الإنسان (المواد من 13 إلى 24) وتتحدد مضامينها المستجدة في ما يلي: توسيع مجال تدخل المجلس فيما يخص ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بتخويله حق تقديم كل التوصيات التي يراها مناسبة بهذا الشأن للحكومة والبرلمان معا. تمكين المجلس من آليات لتتبع مدى تنفيذ السلطات العمومية للملاحظات والتوصيات الصادرة عن أجهزة المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان. الاهتمام بمجال النهوض بمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني والعمل على ترسيخها من خلال آليات التتبع والتنسيق والتواصل والتوعية وتطوير علاقات التعاون والشراكة وتبادل الخبرات مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. التشجيع على إقامة علاقات تعاون مع كل الجهات المعنية بحقوق الإنسان وطنيا ودوليا بما فيها مختلف السلطات العمومية وجمعيات المجتمع المدني، وكذا إفساح المجال للمجلس للمساهمة في تنمية قدرات مختلف هؤلاء المتدخلين عبر برامج للتكوين والتكوين المستمر في مجال حقوق الانسان. تكريس الشفافية والحق في الوصول إلى المعلومات عبر تمكين المجلس من نشر وثائقه تلقائيا في الجريدة الرسمية، وإطلاع البرلمان بمجلسيه على حالة حقوق الإنسان بالبلاد في جلسة عمومية، فضلا عن إمكانية رفع المجلس لاقتراحات وتقارير خاصة وموضوعاتية إلى الملك بدون أية قيود. على مستوى مجال إثراء الفكر والحوار حول حقوق الإنسان والديمقراطية: أفرد الظهير لهذا المجال الجديد فصلا كاملا من ثلاث مواد (المواد 25-26-27) وعهد إلى المجلس بهذا الخصوص بمهام محددة تتمثل في: تنظيم منتديات لإثراء الفكر والحوار حول قضايا حقوق الإنسان وتطوراتها وآفاقها. المساهمة في إحداث شبكات التواصل والحوار مع المؤسسات والخبرات الوطنية والأجنبية المماثلة والمتعددة المشارب. تشجيع وتحضير كل المبادرات الهادفة إلى النهوض بالفكر الحقوقي والعمل الميداني والتنموي المتصل بحقوق الإنسان وطنيا وإقليميا ودوليا من: خلال إحداث «جائزة وطنية لحقوق الإنسان» تمنح لكل شخص أو هيئة مستحقة. الآليات المستحدثة لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها على المستوى الجهوي: خص الظهير الخاص بالمجلس الوطني، ذات الصلة، ب 8 مواد: أربعة منها تهم الاختصاصات ومجالات التدخل وآليات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها وهي في مجملها مماثلة لإختصاصات المجلس على الصعيد الوطني. (المواد 28-29-30-31)، كما مكن اللجن الجهوية من المساهمة في إحداث «مراصد جهوية لحقوق الإنسان»، بمشاركة الجمعيات والشخصيات العاملة في مجال حقوق الإنسان والمنتمية لمختلف المشارب الفكرية والثقافية وذات الإسهام المتميز في ترسيخ قيم المواطنة المسؤولة وأناط بها مهمة «تتبع تطور حقوق الإنسان على الصعيد الجهوي لحقوق الإنسان» كما أفرد الظهير الجديد 4 مواد (المواد 40-41-42-43) لكيفية تشكيل هذه اللجان الجهوية وتعيين رؤسائها واختيار أعضائها. ويمكن اعتبار هذه الاختصاصات الجديدة تحولا أساسيا من شأنه أن يفتح أفقا فعليا للعمل الحقوقي من خلال تجاوز عوائق عمل الآليات الممركزة، وخلق دينامية جديدة وتفاعل إيجابي بين جمعيات حقوق الإنسان العاملة عن قرب وآليات المجلس على الصعيد الترابي (اللجان الجهوية). رابعا: على مستوى تركيبة المجلس وقواعد تسييره: جاء ظهير إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان على هذا المستوى بمقتضيات جديد استهدفت بالأساس ضمان فعالية أدائه وتحصين استقلاليته ومراجعة تركيبته في اتجاه التعددية والتنوع في الاهتمامات والمشارب والتخصصات، ويمكن أن نجمل أهم المستجدات في: تقليص عدد الأعضاء إلى 30 عضوا (بدل 44 عضوا قي صيغة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان) الحرص على ضبط المعايير المعتمدة في العضوية والتنصيص على معايير:» التجرد والنزاهة، والتشبث بقيم ومبادئ حقوق الإنسان، والعطاء المتميز في سبيل حمايتها والنهوض بها، والكفاءة الفكرية والخبرة والتجربة» (المادة 34) إضافة إلى الحرص على «التعددية والكفاءة والخبرة وتمثيلية المرأة والتمثيلية الجهوية» (المادة 35) إشراك البرلمان بمجلسيه في اختيار 8 أعضاء وضمنهم عضوان من البرلمان، فضلا عن تمثيل ممثلي بعض الفئات السوسيو-مهنية (قضاة، محامون، أطباء، مهندسون، صحافيون، جامعيون) تمتيع أعضاء المجلس بضمانات قانونية «تكفل حمايتهم وتضمن استقلاليتهم، سواء أثناء مزاولتهم لمهامهم أو بمناسبة قيامهم بأي نشاط له صلة وثيقة بهذه المهام» (المادة 37) وهو إجراء لم يكن واردا في الصيغة السابقة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والذي يمكن اعتباره بمثابة نوع من الحصانة التي بات يتمتع بها الأعضاء وهي مشروطة بما أوردته المادة 37 نفسها، وكذا المادة 38 التي تشير صراحة إلى ما يلي: «يلزم أعضاء المجلس بالامتناع عن اتخاذ أي موقف أو القيام بأي تصرف أو عمل من شأنه أن ينال من استقلاليتهم. ويلزمون أيضا بواجب التحفظ بخصوص فحوى مداولات المجلس وسائر أجهزته ووثائقه الداخلية». إعادة النظر في طريقة مشاركة ممثلي السلطات العمومية في عمل المجلس من خلال مقتضيات المادة 36 والتي تعطي سلطة تقديرية واسعة للرئيس لدعوة كل ممثل «سلطة عمومية أو مؤسسة عامة أو خاصة، وكل شخصية مؤهلة لمساعدة المجلس على تحقيق أهدافه» وتمتد هذه الصلاحية لإمكانية دعوة الرئيس لشخصيات أو هيئات أجنبية أيضا. خامسا: على مستوى التنظيم الإداري والمالي للمجلس: كرس الظهير الجديد المحدث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في مادته 54 إستقلالية هذا المرفق من خلال تمتيعه بصفة «مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي» ووسع من أهليته فيما يخص تنوع موارده المالية (المادة 55) بحيث أصبح بإمكانه أن يحصل موارد مالية جديدة من أي هيئة وطنية ودولية خاصة كانت أو عامة» وأصبح بإمكانه تحصيل مداخيل وتلقي الهبات والوصايا إضافة للميزانية الخاصة المقيدة في الميزانية العامة للدولة. ملاحظات بخصوص العلاقة التفاعلية بين المجلس والبرلمان: يتضح من خلال مختلف الفصول المتعلقة بالحماية والنهوض ومجال إثراء التفكير في مجال حقوق الإنسان، التوجه نحو توسيع صلاحيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتعزيز أدواره واستقلاليته. ويتيح الظهير الجديد المحدث بموجبه المجلس الوطني لحقوق الإنسان فرصة هامة لإحداث جسر للتواصل والتفاعل بين ميادين عمل واهتمامات هذا الأخير والجهاز التشريعي، غير أن نجاح ونجاعة هذه العلاقة بين المؤسستين تستوجب في نظرنا توخي مجموعة من الشروط والإجراءات المواكبة بما يتيح العمل على: توسيع مجال تطبيق وإعمال المادة 24 من الظهير وخاصة الفقرة الأخيرة : «يقدم رئيس المجلس أمام كل مجلس من مجلسي البرلمان في جلسة عامة، عرضا يتضمن ملخصا تركيبيا لمضامين التقرير، بعد إحالته على رئيسيهما»، وذلك من خلال ملاءمة النظامين الداخليين لمجلسي النواب والمستشارين بما يتيح لممثلي الفرق البرلمانية التدخل ومناقشة التقرير وتقديم رئيس المجلس للتوضيحات والمعلومات التكميلية التي قد تستلزمها المناقشة داخل البرلمان. إفساح البرلمان للمجلس الحضور والمشاركة في أشغال اللجنة البرلمانية التي تندرج حقوق الإنسان ضمن اختصاصاتها بمناسبة مناقشات الميزانيات الفرعية أو غيرها من المناسبات. مساهمة المجلس في بناء قدرات الأطر العاملة في البرلمان في مجال حقوق الإنسان ضمن مقتضيات المادة 23 من الظهير التي تتيح هذه الإمكانية. مساهمة المجلس في تقديم المساعدة والمشورة للحكومة والبرلمان فيما يخص ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان حسب المادة 16. وهو ما يتطلب إحداث الآليات الملائمة لتحقيق هذه الغاية وهذا ما ينبغي تداركه على مستوى النظام الداخلي للمجلس. في شأن انعقاد دورات المجلس: إن الظهير وهو يحيل على النظام الداخلي للمجلس في ثمانية مواد وهي: 8 و28 و40 و43 و45 (مرتين) و47 و57، له كل الدلالة التي تؤشر على أن استكمال البناء القانوني للمجلس سيظل رهينا بإخراج هذا النص (النظام الداخلي)، على النحو الذي يجعله منسجما مع الفلسفة العامة التي تحكمت في صياغة الظهير الجديد ومقاصده. بينما يتجه النظام الجديد نحو تعزيز استقلالية المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومطابقته لمبادئ باريز المعتمدة في إحداث هذا النوع من المؤسسات الوطني، وبينما تتيح المادة 46، تحديد طبيعة الاجتماعات وتخول للملك صلاحية الدعوة لعقد اجتماع المجلس كلما ارتأى جلالته إحالة قضية على أنظاره لتقديم المشورة وإبداء الرأي. فإن اجتماع الدورات العادية المحددة في أربعة سواء على مستوى الاستئذان بخصوصها، أو عرض جدول أعمالها على مصادقة الملك، وفي سياق تعزيز استقلالية المجلس، سيكون مطلوبا أن يعمل النظام الداخلي، على الاكتفاء بكلمة «إطلاع»، بدل الاستئذان والمصادقة. وليكون المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة تتلاءم مع المبادئ المرجعية لباريز، ليس فقط على مستوى الصلاحيات بل وكذلك على المستوى الإجرائي والتدبيري.