عماد بادي كاتب سيناريو ومخرج سينمائي شاب من مواليد الدارالبيضاء يوم 14 يوليوز 1988. درس المسرح لمدة خمس سنوات بكونسيرفاتوار الدارالبيضاء من 2008 إلى 2013، وبالموازاة مع ذلك التحق بمدرسة مهن السينما بنفس المدينة ودرس بها من 2010 إلى 2012. شارك سنة 2014 في مسابقة دولية للفيلم القصير جدا من تنظيم المعهد الفرنسي وحصل على الجائزة الأولى. تتكون فيلموغرافيته لحد الآن من الأفلام الروائية السينمائية القصيرة الثلاثة التالية: «أيام الصيف» (2015)، «يوم المطر» (2016)، «يوم خريف» (2017)، وهو حاليا بصدد وضع اللمسات الأخيرة على فيلمه الرابع «أيام الربيع» (2020). حصدت أفلامه العديد من الجوائز بمختلف المهرجانات السينمائية المنظمة بالمغرب بشكل خاص نذكر من أهمها ما يلي: الجائزة الكبرى لفيلم «أيام الصيف» بالمهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات ومهرجان سبو للفيلم القصير بالقنيطرة ومهرجان سينما الشعوب بإيموزار كندر ومهرجان السينما المغربية بسيدي قاسم… الجائزة الكبرى لفيلم «يوم المطر» بمهرجان سيدي قاسم السينمائي وجائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان تاصميت للسينما والنقد ببني ملال وجائزة النقد بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة… الجائزة الكبرى لفيلم «يوم خريف» بمهرجان سيدي عثمان للسينما المغربية بالدارالبيضاء ومهرجان سيدي قاسم السينمائي وأيام القيروان السينمائية بتونس وجائزة لجنة التحكيم بمهرجان الفيلم القصير المتوسطي بطنجة وجائزة الأندية السينمائية بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة… في الحوار التالي دردشة حول أفلامه وخصوصية كتابته السينمائية، بمناسبة عرض عينة منها على منصة إلكترونية من طرف المركز السينمائي المغربي في ظروف حالة الطوارئ الصحية الحالية: اعتمدت في أفلامك القصيرة، التي تشكل ما يمكن تسميته ب»رباعية الفصول»: «أيام الصيف» (2015) و»يوم المطر» (2016) و»يوم خريف» (2017) و»أيام الربيع» (في طور الإتمام)، على لقطات قليلة ثابتة وطويلة نسبيا. لماذا هذا الاختيار الفني والجمالي؟ منذ البداية كان مهما بالنسبة لي الاستقرار على وجهة نظر معينة لكي أكتب وأصور، انطلاقا منها، فيلم «أيام الصيف». وبما أن شخصيات الفيلم، في اعتقادي، لها حساسية لا تسمح لنا بالاقتراب منها، اخترت أن أتسلل بهدوء إلى الأسرة البسيطة وأصورها دون أن تحس بوجودنا.. فحتى الشخصية الرئيسية لا علم لها بوجودنا.. «لا أحد يحكي».. عين لامرئية لا تصدر صوتا أو حركة.. تختبئ في الظل خلف إطار باب أو جدار أو ربما خلف الشجر.. تنظر وتتأمل.. ربما تتدخل في خيط دخان أو حركة ريح أو لا تتدخل. أتممت الرباعية بنفس وجهة النظر وبنفس العين.. إنها عين ملاك.. فهذا التصور نابع من طفولتي ومن ثقافتي الشعبية.. لهذا من الممكن أن أقول: لقد حاولت تصوير تجاربي السينمائية هته من وجهة نظر ملاك. إيقاع أفلامك بطيء نسبيا وهناك أحيانا تمطيط، أليس بالإمكان الاستغناء عن بعض اللقطات/المشاهد التي لا تضيف جديدا للمضمون؟ كل مشهد يتم تصويره على شكل لقطة واحدة، وإن استغنينا عن لقطة فنحن نستغني عن مشهد. أنا أعشق سينما الشعر التي نجدها عند مخرجين من عيار أندريه طاركوفسكي وثيودوروس أنجيلوبولوس وإنغمار برغمان وبيلا تار وروي أندرسون وكارلوس ريجاداس وغيرهم. فعند مشاهدتك لهذا النوع من الأفلام ستحس بأنها بطيئة ومملة إن كنت متعودا على أفلام سريعة التقطيع. هناك أيضا أفلام شاعرية دون حركة بطيئة، كما أنني أشاهد وأعشق أفلاما أخرى تنتمي إلى مدارس سينمائية مختلفة. يقول لوي بونويل: «في كل الأفلام.. دون استثناء.. تكمن روح شعرية تناضل من أجل البروز إلى السطح»، ورغم ذلك فأنا أفضل أفلام الشعر العمودي التي تغوص في العمق. في هذه الأفلام نلاحظ اقتصادا في الحوار والموسيقى التصويرية، مع تركيز بشكل خاص على تقنية الإطار داخل الإطار (الحضور المكثف لإطار الباب)، ما هي مبررات ذلك؟ هناك اقتصاد في كل شيء، فحتى الملصق لا أفضل أن يكون محشوا بأمور كثيرة.. ربما قد لا يكون اقتصادا لأنني أوظف ما تمليه الضرورة فقط. * تشتغل في الغالب مع ممثلين وممثلات غير محترفين مع بعض الاستثناءات، حالة الممثلتين القديرتين نادية الزاوي في «أيام الصيف» وفاطمة عاطف في «أيام الربيع»، هل سبب ذلك شح الإمكانيات الإنتاجية أم الضرورة الإبداعية؟ اختياري لنادية الزاوي وفاطمة عاطف كان لابد منه، لأن الشخصيتين في الفيلمين المذكورين تتطلبان مقدورات معينة في التشخيص. إلا أن فاطمة شكلت حالة خاصة، إذ أن رغبة الاشتغال معها كانت تراودني من قبل، وذلك لأنني منذ سنة 2015 قرأت قصيدة شعرية من إبداعها وكانت هذه القصيدة في اعتقادي أقرب إلى روح رباعية أفلامي. بعد ذلك حضرت عرضا لمسرحيتها «نزف» وتأكدت لي ضرورة هذا الاختيار. تقول فاطمة عاطف في قصيدتها ما يلي: شجرة تهزمني كل مساء أحتمي بزجاج نافذتي أراقب رقصها الجنوني عارية مثل غجرية تلبس المطر يطوق خصرها الريح تهزمني الشجرة كل ليلة ألبس عرقي في انتظار الريح. تعطي في أفلامك أهمية لتقنية «خارج الحقل» (Hors Champs) وتترك للمتلقي فرصا للتأمل والتخيل وإنتاج المعنى، هل هذا نابع من احترامك لذكاء المتلقي ورغبتك في إشراكه وتفاعله مع الأحداث التي تجري على الشاشة؟ قبل الشروع في كتابة السيناريو وأثناءها أدرك أنني سأصور دون تقطيع، لهذا أفكر فيما يقع خارج الحقل أكثر مما هو داخل الإطار.. فخارج الحقل هو الجانب اللامرئي من الفيلم، بهذا يستطيع المتلقي المشاركة في الكتابة من وجهة نظره الخاصة. شخصيات أفلامك تنتمي في الغالب إلى فئات فقيرة تكافح بكرامة من أجل ضمان قوت يومها، كيف تختار الحالات الإنسانية التي تتناولها في أفلامك؟ أعتقد أن الإنسان في عصرنا الحالي قد سئم من كونه إنسانا، فنحن نحاول التغلب على مخاوفنا المتجلية في الموت والمستقبل والفقر… بقشرة مادية تتمثل في الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية وما إلى ذلك.. الشخصيات التي أشتغل عليها تكون عارية.. أنا لا أعتبر أنني أشتغل على الفقراء بل على أناس فقط.. أناس يواجهون مصائرهم بشجاعة وبدون قشرة. للطفل والمرأة حضور بارز في أفلامك الأربعة، هل هذا اختيار أم مجرد صدفة؟ هذا راجع إلى طفولتي وعلاقتي بوالدتي بعد وفاة والدي وأنا في سن مبكر.. أنت كاتب سيناريو كل أفلامك، بالإضافة إلى بعض أفلام غيرك («غربان» لمعدان الغزواني نموذجا)، ألا يمكنك الاشتغال على سيناريو لست أنت كاتبه؟ بالنسبة لي حاليا، تعتبر السينما هي سبب وجودي.. فلطالما اعتقدت أن من يحمل أسئلة في داخله يحمل سببا لبقائه.. تلك الأسئلة تدفعني نحو الكتابة.. وبما أن الأسئلة حاضرة الآن، فلا أعتقد أنني أستطيع الاشتغال على سيناريو لست أنا كاتبه. يبدو من الحضور المتكرر لها في أفلامك أن عناصر النار والماء وغيرها مفضلة لديك، ما رأيك؟ انطلقت منذ البداية من شعر الهايكو الياباني، حيث أحببت قصائده من لحظة تعرفي عليه عن طريق الكتاب القيم للمخرج الروسي أندري طاركوفسكي «النحت في الزمن». فهذا الشعر يشتغل على الفصول في الكثير من الأحيان، وغالبا ما نتوصل منه بصور تحمل «العناصر» المكونة للطبيعة… من الثوابت في أفلامك عموما أن حل المعضلات التي تواجه الشخصيات لا يأتي في الوقت المناسب وإنما بعد فوات الأوان، كيف تفسر ذلك؟ في الحقيقة.. وبالنسبة لي.. لا يوجد حل. حصدت أفلامك العديد من الجوائز داخل المغرب وخارجه، ماذا تعني لك هذه الجوائز وأنت لاتزال في بداية مشوارك الفني السينمائي؟ الفيلم، حسب وجهة نظري البسيطة، يصنع ليصمد في الزمن، فهناك أفلام كثيرة جدا لم تحصل على جوائز لكن أثرها ظل قائما أي أن أثر الفيلم بداخلك يبقى دون شفاء.. وهذا النوع من الأفلام يمكن تسميته ب «الفيلم المزمن». ماذا عن جديدك الفني؟ أنا بصدد وضع اللمسات الأخيرة على فيلم «أيام الربيع» وإتمام بعض التفاصيل المتعلقة بالميكساج وتصحيح الألوان… وأتمنى أن تحضر لحظة عرضه الأولى في المستقبل القريب.