مثلت تنبيهات الأمين العام للأمم المتحدة واتهاماته المتضمنة في التقرير الذي رفعه إلى مجلس الأمن الدولي، ضربة قوية للجبهة الانفصالية، واستعرض ما اقترفته من انتهاكات لوقف إطلاق النار وللاتفاقيات الدولية ولقرارات مجلس الأمن، وكان قد سبق لغوتيريس أيضا أن دعا الجبهة ذاتها من قبل، إلى عدم عرقلة حركة السير والتجارة بمعبر الكركرات، وهذا كله يفيد وجود اقتناع واضح لدى المنتظم الدولي بكون الجماعة الانفصالية المتحكمة في تيندوف تصر على العرقلة الدائمة، وعلى تأبيد التوتر، وإدامة هذا النزاع المفتعل في المنطقة. ونفسها هذه القيادة المتحكمة في "البوليساريو" لم تعد هذه الأيام تخفي تورطها، وإنما صارت تعترف بكل جرائمها بوضوح، وهو ما جسدته التصريحات الأخيرة التي أدلى بها كبير الانفصاليين للتلفزيون الجزائري. لقد هدد بشكل صريح بالعودة إلى الحرب وحمل السلاح، وهدد بتكرار سيناريو مخيم اكديم إيزيك عبر فرض اعتصام بالخيام وسط المنطقة العازلة بمعبر الكركرات، ودافع عن المشروع الأخير للناشطة الانفصالية أميناتو حيدر…، وهذه الأخيرة، بدورها، كانت ضيفة وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية، في حوار مصور، هاجمت خلاله الأحزاب المغربية ووكيل الملك بالعيون، وكل الذين يرفضون مناوراتها الانفصالية والاستفزازية… ويتضح من خلال ما سبق، وجود تنسيق فعلي متين ومحكم بين المتحكمين في تيندوف و"انفصاليي الداخل" وأجهزة النظام العسكري الجزائري وماكينته الدعائية، ومن ثم تكون المناورة واضحة و… بئيسة. المغرب تعامل بذكاء مع كامل هذا الاستفزاز الانفصالي، وأدرك منذ البداية السياق الزمني العام الذي أنتج هذه الرعونة الخرقاء. حلول موعد مناقشة مجلس الأمن لملف النزاع وتمديد ولاية "مينورسو"، وأيضا تفاقم مشاكل الداخل الجزائري والحاجة إلى التنفيس وتحريف أنظار الشعب الجزائري، وتوالي النجاحات الدبلوماسية المغربية، وإقدام عدد من الدول على سحب اعترافها بالكيان الوهمي، كل هذا جر الجبهة الانفصالية وأسيادها في الجزائر ليفقدوا عقلهم، ثم جاءت تحذيرات الأمين العام الأممي الأخيرة لتكمل البقية، ولتصيب خصوم المغرب بالرعب، وجرتهم نحو السير على طريق… الانتحار. في كل الأحوال، ما يقترفه الانفصاليون هذه الأيام لن يخيف المغرب ولن يستطيع المس باستقراره، وهو ليس سوى مناورة جديدة واضح أنها تصدر عن شعور كبير باليأس والهزيمة والعجز. وبقدر ما أن هذه المناورات الخرقاء لا يجب تهويلها أو إعطاؤها أكثر مما تستحق، فإن السلطات المغربية، في نفس الوقت، مدعوة للتحلي بكثير من اليقظة تجاه الإصرار الدائم والباتولوجي للنظام العسكري الجزائري على المناورة وتكرار الاستهدافات العدائية في حق المغرب ووحدته الترابية. وفِي هذا الإطار، يجب تفادي ترك كل المجالات فارغة، إن على صعيد تقوية المنجز التنموي بالأقاليم الجنوبية، أو عبر إشراك القوى السياسية الجادة ذات المصداقية في العمل السياسي والتأطيري بالميدان، أو أيضا من خلال تمتين الثقة في مختلف المبادرات الوطنية الجدية… ومن جهة ثانية، يجب تعزيز الدبلوماسية الهجومية والذكية في المنتديات والمحافل الدولية والإقليمية، وفِي منظومات العلاقات الثنائية، وأيضا تقوية اليقظة الميدانية لحفظ الاستقرار والأمن، وحماية سلامة المواطنات والمواطنين، وصيانة المصالح والحقوق المشروعة لبلادنا. محتات الرقاص