أحيانا يغلب خطاب الاحتجاج ورفع الشكاوى والمطالب من فئات مختلفة على الحديث المتصل بتفشي وباء "كوفيد – 19" وتداعياته، ويضعف، مقابل ذلك، الانتباه إلى كون الأمر أولا هو وباء ويجب الوقاية منه وتفادي الإصابة والعدوى، وهنا توجد مسؤولية السلطات والدولة، ولكن أيضا مسؤولية كل فرد منا تجاه نفسه وذويه ومحيطه القريب. من المؤكد هناك نقائص في تدبير الجهات الحكومية المختصة لهذه الكارثة، وهناك ضعف واضح في تواصلها مع الشعب، ويمكن أن نعرض هنا عشرات الأمثلة والتفاصيل والتجليات، ولكن لا يجب أيضا أن نغفل هذا التراخي والاستهتار الواضحين اليوم في شوارعنا تجاه التقيد بالتدابير الوقائية (ارتداء الكمامات، احترام مسافة الأمان والتباعد الجسدي…). بعض السلوكات الفردية البسيطة من السهل التقيد بها في حياتنا اليومية (التدابير المشار إليها أعلاه، تفادي الزحام في الفضاءات العامة وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى، الاستغناء عن المصافحة المبالغ فيها وتبادل العناقات، عدم الذهاب بكثرة إلى الحفلات العائلية والجنائز، والتقليل من تبادل الزيارات المنزلية…)، وهذه الإجراءات لوحدها لو جرى الالتزام بها من طرفنا جميعا لحققت انعكاسات إيجابية على وضعنا الوبائي الوطني. في بلد مثل المغرب، نعرف حدود موارده المالية وإمكانياته الاقتصادية، يمكن للتعبئة الوطنية الداخلية والالتزام الفردي المواطن بشروط الوقاية، أن تعوض الكثير من المتطلبات التجهيزية والتمويلية غير المتوفرة أصلا، ولهذا يجب أن يدرك الجميع أن الوقاية واتخاذ الاحتياطات الفردية سلوك ضروري وواجب على كل واحد منا حماية لنفسه وعائلته ومحيطه القريب. بالفعل للسلطات العمومية دور مهم لترسيخ هذا الوعي الفردي كذلك، ومن أجل تقوية التزام الناس بالتدابير الوقائية على أرض الواقع، لكن ليس فقط عبر الإجراءات الزجرية وفرض الغرامات، برغم أهمية ذلك ونجاعته أحيانا، ولكن أيضا، وعلاوة على ذلك، بمحاربة بعض الممارسات الإدارية السلبية في المدن والأقاليم. يتحدث الناس مثلا عن ممارسات تدليسية وغير قانونية يقترفها موظفون لمنح رخص التنقل الاستثنائية، ونشرت كثير قصص عن تجاوزات في تسجيل الأسر التي تستحق فعلا الدعم المادي، ويتحدث آخرون اليوم عن معايير إغلاق مقاهي ومطاعم والسماح بفتح أخرى، ويروي المسافرون قصص الزحام في القطارات وعدم الالتزام بأي تخفيف في عدد الركاب، ونفس الشيء في حافلات النقل الحضري داخل المدن، وفِي الحافلات التي تربط بين المدن…. وكل هذا يندرج ضمن مسؤولية السلطات العمومية، المحلية والمركزية، ويجب أن تعطي هي المثال عن التزامها بالإجراءات القانونية الوقائية، وأن تفرض هذه الاحتياطات في الواقع، لأن عدم القيام بذلك من شأنه التسبب بظهور بؤر وبائية جديدة أو انتشار العدوى بشكل أكبر. لا بد أن نشير أيضا إلى الارتباك في تطبيق بعض القرارات، واختلاف طرق التنفيذ ومستوياته بين المدن والأقاليم، وكل هذا يزيد من تفشي تراخي المواطنين وعدم تقيدهم بالتدابير التي تعلن عنها السلطات العمومية. هذه الأيام تنقل تصريحات وبلاغات وزارة الصحة معطيات تبرز تفاقم حالتنا الوبائية الوطنية وارتفاع عدد حالات الإصابة كل يوم، وأيضا عدد الوفيات، ويتحدث الناس عن هذه المؤشرات السلبية بكثير من القلق والانشغال، خصوصا مع اقتراب موعد الدخول المدرسي، وما يلفه هو أيضا من مخاوف وارتباكات، ويستحضر الناس أن بلادنا كانت قد حققت بعض التقدم قبل شهر، وسجلت تراجعا ملموسا في أعداد الحالات بشكل مهم، لكن المؤشر عاد من جديد للارتفاع بشكل واضح في الأسابيع الأخيرة. ويؤكد الكثيرون أن تراخي السلطات في فرض احترام قواعد الوقاية في عدد من المدن كان هو السبب في حدوث النكسة، لكن أيضا، وكما أشير إلى ذلك أعلاه، فإن عدم التزام المواطنين بارتداء الكمامة ومراعاة التباعد الاجتماعي وتفادي الازدحام، كان له كذلك دور فيما حدث. وفِي السياق ذاته، فإن غياب خطة تواصلية ذكية ومحكمة في الفترة الأخيرة وضعف برامج التوعية والتنوير، جعل الكثيرين يعتقدون أن تخفيف الحجر الصحي يعني نهاية الوباء، وانتشرت اللامبالاة، ولم يعد الكثيرون يبالون بالإجراءات الوقائية، ووقع إقبال قوي على الأسواق والمقاهي وتبادل الزيارات، وزاد ذلك خلال عيد الأضحى، كما زادت معه وبسببه التراجعات. كل هذا يدعونا كلنا إلى تحمل المسؤولية الفردية والجماعية، وتقوية إدراكنا لهول الكارثة وأهمية الالتزام من لدننا بالاحتياطات لحفظ صحتنا وسلامة أهلنا، ويفرض كذلك أن تحرص السلطات، من جهتها، على القيام بكل أدوارها على أرض الواقع، وأن تحارب كل ممارسة غير قانونية من لدن موظفيها وأعوانها، وذلك لتفادي الأكثر سوءا في المقبل من أيام وأسابيع، ولحماية المنظومة الصحية الوطنية وتفادي إنهاكها أكثر، ومن أجل تطوير الجهد الوطني الجماعي المبذول لكسب هذه المعركة الصحية والمجتمعية، ولكي تنجح بلادنا في التصدي لهذه الجائحة والانتصار عليها وحماية سلامة شعبنا ومجتمعنا.